مقالات

كيف خوَّف تشرنوبيل المشاهدين؟

 
 
إيهاب حمدي
 
بعد حوالي 33 عاما من وقوع كارثة تشرنوبيل بعد انفجار أحد المفاعلات النووية الموجودة في بلدة بريبيات بأوكرانيا السوفيتية، وهو الانفجار الذي خلف إشعاعات نووية تقدر بـ400 ضعف تلك التي نتجت من القنابل النووية التي أسقطتها الولايات المتحدة على هيروشيما وناجازاكي مجتمعة، جاء المسلسل الأميركي القصير “Chernobyl” في خمس حلقات ليعيد تجسيد تلك الكارثة وما خلفته من تأثيرات مميتة للعاملين في المفاعل أو هؤلاء الذين شاركوا في احتواء تلك الكارثة، أو حتى بعض المواطنين الذين وجدوا بالقرب من موقع المفاعل.
ويستعرض المسلسل الذي أنتجته شبكة HBO الأميركية بالتعاون مع شركة سكاي أتلانتك البريطانية، وانتهت آخر حلقاته مطلع الشهر الماضي كيف حاولت الحكومة السوفيتية التستر على الأمر في بدايته، ثم كيف لم تتعامل معه بجدية حقيقية، وأخيرا كيف غلبت مصلحتها القومية في عدم الإضرار بسمعة مفاعلاتها النووية على حساب مواطنيها وعلمائها.
واعتمد سيناريو المسلسل الذي كتبه كريج مازن، وأخرجه جون رينك على الكتاب الشهير “أصوات من تشيرنوبيل” للكاتبة والصحافية البيلاروسية سفيتلانا ألكسيفيتش، الحاصلة على جائزة نوبل للآداب عام 2015، وهو الكتاب الذي جمعت فيه عشرات الشهادات للناجين من الكارثة، كما اعتمد أيضا على شهادات الأشخاص الأحياء الذين عاشوا الكارثة، وهُجّروا من منازلهم، فضلا عن أولئك الذين شاركوا في عمليات الإنقاذ أو الاحتواء.
وعمد المسلسل إلى تقديم كل ما سبق بكثير من الإنسانية الحقيقية وبيان حجم تأثير المأساة على حياة الناس، سواء العمال الذين شاركوا في بداية الكارثة من عمال الإطفاء وكيف قادهم ذلك إلى الموت ببشاعة، أو أولئك الذين ضربوا أروع أمثلة الشجاعة وهم عمال المناجم الذين استعانت بهم السلطات لحفر نفق تحت الأرض تحت المفاعل للتخلص من المياه الملوثة وهم يعلمون مخاطر هذا العمل الذي سيودي بحياتهم بعد بضعة شهور.
كما قدم المسلسل عمليات إجلاء السكان في المنطقة المحيطة وعمليات قطع الأشجار وقتل الحيوانات، وقدم في ذلك قصصا إنسانية جسدت بحق المأساة، وأضافت للعمل بعدا دراميا يكسر جمود البعد التسجيلي للكارثة.
بعد مشاهدة العمل المكون من خمس حلقات لا بد أن ينتابك الخوف بل والفزع، بل ربما قمت وبحثت عبر شبكة الإنترنت عن أقرب مكان لمفاعل نووي بالقرب منك احتياطا منك وخشية لتكرار تلك الكارثة مرة أخرى، وهو الأمر الذي بالطبع ممكن الحدوث ولكن بنسب ضئيلة جدا.
ذلك لأن المسلسل الذي احتل قائمة صدارة المسلسلات التلفزيونية عبر التاريخ بحسب مواقع التصنيفات قدم جرعة من التخويف والرعب عبر تجسيد الآثار المدمرة لتلك الإشعاعات بشكل يخيف أي أحد يشاهد ذلك العمل خصوصا المشاهد الاخيرة لرجل الإطفاء فاسيلي الذي مات مصابا بالإشعاع الذي تعرض له أثناء عملية إطفاء الحريق دون أي ملابس وقاية خاصة ضد الإشعاعات بعد الانفجار مباشرةً.
وكرد فعل فوري على النجاح الساحق للمسلسل الذي يتهم مباشرةً البيروقراطيين السوفييت بالتساهل مع الكارثة أعلنت روسيا عن إنتاج مسلسل جديد بمثابة رد على مسلسل “تشيرنوبيل” تتهم فيه وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بالمسؤولية عن هذه الكارثة، وتدبيرها عن طريق أحد عملائها الموجودين داخل المفاعل.

admin