تسير عملة البتكوين المشفّرة في اتجاه صعودي منذ بداية الشهر الجاري، مدفوعة في المقام الأول بالطلب على صندوق تداول Bitcoin ETF الفوري ومع زيادة التدفقات المالية.
وحافظت العملة المشفّرة على الزخم الصعودي القوي، حتى عندما جاءت بيانات مؤشر أسعار المستهلك في الولايات المتحدة هذا الأسبوع أعلى من التوقعات، ما أربك السوق لفترة وجيزة.
وارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة الأميركية يعطي إشارات للأسواق بأنّ بنك الاحتياطي الفيدرالي (المركزي) قد يُبقي على أسعار الفائدة مرتفعة لوقتٍ أطول، قبل أن يلجأ لخفضها. ولا تعدّ الفائدة المرتفعة نبأ ساراً بالنسبة للعملات المشفّرة، على العكس من الفائدة المنخفضة التي يلجأ معها عديد من المستثمرين إلى الأصول ذات المخاطرة بحثاً عن عائد أعلى.
وخلال تعاملات الأسبوع، تجاوزت البتكوين حاجز 51 ألف دولار للمرّة الأولى منذ كانون الأول (ديسمبر) من العام 2021، لتتجاوز قيمتها السوقية حاجز التريليون دولار.. كما رفعت العملة المشفّرة الأشهر مكاسبها هذا الأسبوع لأكثر من 20 في المئة.
زخم العملة المشفّرة انعكس على “سوق الكريبتو” عموماً، والذي ارتفعت قيمته السوقية إلى أكثر من تريليوني دولار، وذلك للمرّة الأولى منذ نيسان (أبريل) من العام 2022.
عوامل متعددة
في تحليل خصّ به “النهار العربي”، يقول محلل أول لأسواق المال في مجموعة “إكويتي”، أحمد عزام، إنّ الارتفاع الأخير في قيمة البتكوين قد يُعزى إلى عوامل عدة تضافرت لتعيد إشعال الاهتمام والثقة في أداء السوق.
من أهم هذه العوامل زيادة نشاط التداول خلال احتفالات بداية السنة القمرية الجديدة في الصين، وزيادة كبيرة في السيولة من صناديق البتكوين المتداولة في البورصة (ETFs). كما يضجّ العالم المالي بتوقعات احتمالية انخفاض أسعار الفائدة من بنك الاحتياطي الفيدرالي في الأشهر المقبلة، بالإضافة إلى حدث “تنصيف البتكوين” القادم في نيسان (أبريل) 2024، والذي سيشهد خفض إنتاج عملات البتكوين الجديدة من 900 وحدة إلى 450 يومياً.
وتقترب القيمة السوقية لأسواق العملات الرقمية من 2 تريليون دولار مع ارتفاع سعر العملات، من بينها قيمة سوقية تتجاوز تريليون دولار للبتكوين وحدها. حيث وصلت بتكوين قرب مستويات 53 ألف دولار جراء التدفق المستمر لرأس المال إلى صناديق الاستثمار المتداولة للبتكوين الفورية.
وبحسب عزام، فإنّه مع تشريع هيئة الأوراق المالية والبورصات المالية لصناديق الاستثمار المتداولة للبتكوين الفورية، شهدت الصناديق الآن أكثر من 3 مليارات دولار كصافي تدفقات، متجاوزة أداء صناديق الذهب المتداولة بعد إطلاقها منذ أكثر من 20 عاماً.
ويضيف، أنّ هبوط البتكوين مع قرار الموافقة على الصناديق كان بسبب قاعدة “شراء الإشاعة وبيع الخبر” التي تنتشر بين المستثمرين في الأسواق، لكن مع متابعة المستثمرين لأدلة زيادة الاستثمار في العملة الرقمية، فقد سجّلت عملة البتكوين الارتداد السعري من مستويات 38 ألفاً إلى قرابة 52 ألفاً، “حيث نلاحظ أنّ ما يقرب من نصف التدفقات المالية جاءت في الأيام الستة الماضية وحدها، بمعدل متوسط يبلغ حالياً 450 مليون دولار يومياً”.
وشهد يوم الأربعاء 14 شباط (فبراير) الجاري تحطيم صندوق ETF IBIT التابع لشركة “غرايسكيل” لرقمه القياسي الأسبوعي من حيث الحجم، مع تدفقات أسبوعية بقيمة 760 مليون دولار.
صناديق البتكوين
كما تُظهر البيانات أنّ صناديق بتكوين المتداولة التسعة الجديدة قد جمعت إجمالي 10,795 وحدة من البتكوين بقيمة 1.09 مليار دولار تقريبًا (بالمعدلات الحالية). وتصدّرت شركة IBIT التابعة لشركة “بلاك روك” المجموعة بإجمالي 4,843 وحدة بتكوين، بقيمة 251 مليون دولار.
ويشير محلّل أول لأسواق المال في مجموعة “إكويتي”، في معرض تحليله، إلى أنّ جميع الأرقام تدلّ إلى أنّ البتكوين قد اكتسب ثقة على مستوى عالٍ واهتماماً متزايداً من الاعتماد المؤسسي، ما يعني أنّ المزيد من الاستثمارات والتدفقات المالية ستكون لحظة محورية في أسواق العملات الرقمية، بخاصة مع اقتراب موعد تنصيف البتكوين.
وتنصيف البتكوين سيكون الحدث الأبرز الذي ينتظره مجتمع العملات الرقمية، والذي سيؤدي إلى خفض المكافآت الممنوحة للقائمين بالتعدين إلى النصف. وتاريخياً، كانت البتكوين تصل إلى مستويات قياسية جديدة في الأشهر التي تلت الحدث.
ووفق عزام، لا يمكن استثناء أيضاً حالة التفاؤل في الأسواق على أنّ دورة السياسة النقدية التشددية قد انتهت، بينما الأسواق باتت تعتقد بأنّ تخفيض أسعار الفائدة سيبدأ في النصف الثاني من عام 2024 على أبعد تقدير. موضحاً أنّ “حالة التفاؤل بالأسواق، مصاحبة بالسيطرة على أرقام التضخم من قِبل البنوك المركزية، قد تعطي توجّهاً للمستثمرين لشراء الأصول ذات المخاطر العالية، في محاولة للحصول على عوائد أعلى. وهذا قد يعطي العملات الرقمية الفرصة بأن تكون وجهة مفضّلة للمستثمرين في النصف الثاني من العام الجاري”.
ومع كل العوامل المساعدة والمتفائلة لارتفاع العملات الرقمية، لا تزال المخاوف بشأن التأثير البيئي لتعدين البتكوين والتحدّيات التنظيمية المحتملة المقبلة قائمة.
مستويات الـ 100 ألف دولار
لكن -وفق محلّل أول لأسواق المال في مجموعة “إكويتي”- تبقى السمة التي تطفو على سطح مجتمع العملات الرقمية هي “التفاؤل”، وأنّ “مستويات 57500 دولار قد تكون واردة، ثم مستويات 65000 دولار… وقد تبدو مستويات 100 ألف بعيدة رقمياً، لكن كنسبة مئوية ليست بعيدة أبداً”.
وجُلّ ما يحتاجه البتكوين للوصول إلى مستويات 100 ألف هو زيادة في عمليات التبنّي الجماعي والمؤسسي، والذي سيعطي مجتمع العملات الرقمية المزيد من الارتفاعات. ولا يعتقد عزام بأنّ زيادة بنسبة 100 في المئة عن المستويات الحالية وصولاً لـ 100 ألف دولار أمر بعيد المنال في العام الجاري بالنسبة للبتكوين.
وبحسب استطلاع لشركة “فايندر” المالية في المملكة المتحدة، فإنّ توقعات المتخصصين في سوق العملات المشفّرة تشير إلى احتمالية الوصول إلى مستويات 88 ألف دولار بحلول منتصف العام الجاري 2024.
وأجرت المؤسسة مسحاً لـ40 متخصصاً في سوق الكريبتو، توقّعوا استمرار العملة المشفّرة في ارتفاعاتها، قبل أن تستقر عند مستويات الـ 77 ألف دولار في نهاية العام. ووفق المسح، فإنّ متوسط سعر العملة المشفّرة الأشهر قد يصل إلى 87875 دولاراً في 2024. فيما أشارت بعض التوقعات إلى إمكانية ارتفاعها إلى مستويات 200 ألف دولار.