بقلم : محمد ح. الحاج
ليس خافياً علينا ولا على كلّ ذي بصيرة أنّ من يسمّون أنفسهم معارضات خارجية ولهم مجالس ومنصات ورعاة ومموّلون أنهم مجرد أوعية جوفاء، حتى أصوات ضجيجهم لا تشبه الطبول فقد يكون لقرع الطبول إيقاع موسيقي بشكل ما يبعث على الفرح، كانوا نشازاً في كلّ شيء، وكانوا يركبون موجة عنف باشرتها عصابات الإخوان المسلمين بتوجيه خارجي، وهذا الخارج بدأ يرفدهم بمرتزقته تحت مظلة اسمهم الذي انتحلوه زوراً.. «الجيش الحر»! ليتبيّن بعد زمن قليل أنها فعلاً حرب كونية على الدولة السورية يتزعّمها تنظيم أصولي ماسوني أوجدته أميركا والصهيونية ورعاه ودعمه الأتباع العرب وأصبح معروفاً للجميع على أنه داعش اختصاراً لاسم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، وعلى يمينه تنظيم وليد للقاعدة أسموه «النصرة لأهل الشام»، ولما تمّ تصنيفه إرهابياً في الأمم المتحدة استبدل الاسم ليصبح «هيئة تحرير الشام» وتتبناه دولة بني عثمان الجديدة بزعامة أردوغان، وجذبت الطفرة إلى جانبها وعلى هامشها عشرات الأسماء الرنانة لعصابات محلية أغلبها تابعة بشكل ما للخارج.
في لقاء جنيف الأول وتحت رعاية الأمم المتحدة التقى بعض هؤلاء وكانوا يمثلون دولاً بعينها وليس الشعب السوري، وحده وفد سورية كان المعبّر عن المصالح والرغبات السورية ومع ذلك تمّ الاتفاق على بنود وخطوط عريضة، وظهر المعارضون على حقيقتهم أمام الرأي العام العالمي والعربي، وعبّر رئيس الوفد السوري بالقول، من الأفضل محاورة الدول التي يمثلونها، وهذا ما نفعله.
استمرّت اللقاءات في جنيف 2 و 3 و… وفي غيرها مترافقة بأحداث على الأرض عبر سنوات المحنة، كان خلالها الموقف السوري واضحاً وثابتاً ومبدئياً، في حين كانت تتبدّل مواقف الأطراف الممثلة لما أسموه معارضات طبقاً للصراع في ما بينهم أو بين الدول المموّلة والمشغلة وما يتلقونه من دعم وتعليمات وما يُملى عليهم من التزامات بلغت حدّ الوعد بالتنازل عن الجولان وتوقيع معاهدة سلام مع العدو، وقطع العلاقات مع إيران والشرق بشكل عام، والالتزام بتبعية مطلقة للغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية، أما الواقع فقد كان محكوماً بالتغيّرات العسكرية وقدرة العصابات على التوسع وإسقاط المزيد من المواقع الحكومية وكانت الذروة أواسط العام 2015 بعد أن وضع الغرب ثقله مدعوماً بسيل من أموال البترو- دولار الخليجي، والجسر الجوي الناقل للأسلحة والذخائر من ليبيا بواسطة الطيران القطري والبواخر الموجهة إلى لبنان أو الاسكندرون، وهكذا وجدت الدولة نفسها مضطرة لطلب الدعم والتدخل الروسي في الوقت الذي اقتصر الدعم الخارجي على مقاتلي حزب الله، وهم باعتبارنا سوريون، والخبراء الإيرانيين إضافة إلى الوحدات الوطنية المعروفة بالدفاع الوطني وبعدها بدأت تتغيّر الموازين.
الخطاب الذي رافق أركان المعارضات سواء في اسطنبول أو الرياض أو باريس أو حتى القاهرة كان دائماً مرتفع السقف، إملائياً، وكأنهم ينتظرون دعوة لتسلّم مقاليد السلطة، وكان ذلك جوهر الخطاب الذي أملته عليهم الدول المشغلة، وهذا أيضاً ما كان يعبّر عنه وزراء وقادة من دول العدوان العربية أو الغربية، وكان إجماع على مطالبة هؤلاء للرئيس الأسد بالتنحّي والخروج من البلاد، وبثوا أكثر من مرة إشاعة أنّ روسيا عرضت عليه اللجوء إليها أو مكان آخر يختاره، وما كان العرض الروسي واقعاً، ولا خيار الخروج من البلاد وارداً ضمن أجندة عمل الرئيس الذي يعرف جيداً مدى تعلق الغالبية الشعبية بوجوده، وإدراكه أيضاً واجبه الذي لا يسمح له التخلي عن الوطن في محنته، فهو ليس بالربان الذي يؤثر السلامة حين اشتداد العاصفة.
لقد أشبع المحللون في طول العالم وعرضه الواقع السوري الحاضر – تحليلاً وتدقيقاً واستنتاجاً، وأجمع الغالبية أنّ مشروع اسقاط سورية أصبح في حكم الفاشل تماماً، وأنّ ما يحصل هو عقابيل العمليات وذيولها وتأثيراتها الداخلية على بعض من لا يزال تحت تأثير مخدّر الوعود، الحرب في خواتيمها، وأدرك كبار مموّليها ومشغّليها ومن خطط لها النهاية المحتومة وما خجل أحدهم التعبير عن ذلك بالقول: لقد انتصر الأسد، وهذا اعتراف على أعلى المستويات، وهنا، تغيّر الخطاب في المستويات العليا من دول العدوان أو الدول التي كانت تعقد الأمل على نهاية زمن المقاومة – وجوداً وثقافة – وقصدت العدو اليهودي، وحدهم أركان مجالس الطبول والمؤتمرات لم يتمكّنوا من استيعاب الحقيقة وبدا أنّ تأثير المخدّر لا يزال سارياً، لا أحد من مشغليهم خطر له أن يعيدهم إلى الصحو ولو بصفعة أو يطلعهم على الحقيقة، ولهذا فاجأوا العالم في لقاء «جنيف 8» أنهم لا يزالون في إطارهم الخشبي وخطابهم الموصوف بأنه عالي السقف، بعد أن أدرك العالم كله أنهم بلا أرضية يقيمون عليها بناء، ولا جدران يستندون إليها، بعد أن تهاوت العصابات خيول الرهان – فكيف يرفعون سقفاً وهمياً يبعث على السخرية ويدفع برئيس الوفد الوطني المعروف برزانته إلى وصفه بالبيان المسخ، والعمل المسخ في عالم السياسة هو المشوّه الفاقد ربما، لأحد أطرافه أو أركانه وربما أكثر من ركن.
لأنّ الحرب في نهايتها ولأنّ المنتصر هو الجيش السوري تبادر الإدارة الأميركية إلى إعلان عديد قواتها الحقيقي على الأرض السورية وأنها لن تنسحب قريباً كورقة للمساومة، ويعود الأكراد إلى حجمهم بعد الإعلان عن سحب سلاحهم الثقيل من قبل المشغل الأميركي، وتبادر تركيا إلى فتح أبواب الحوار معلنة عن احترام وحدة الأرض السورية، جاء ذلك في بيان مع الجانب الروسي، ويتمّ التسريب عن لقاء بين الرئيسين السوري والتركي تحت رعاية الرئيس الروسي، ومؤكد أنّ اللقاء ليس بطلب من الرئيس السوري، في هذه الأجواء لم يعدم أركان المعارضات من وجود من ينصحهم بتغيير خطابهم المشروخ ومحاولة نسج خيوط لقاء مع الوطن للمشاركة بعد سقوط إمكانية الوصول إلى أهداف كانت موعودة، فغدت مستحيلة، لكن واقع هؤلاء لا يسمح لهم بتبديل الخطاب لمعرفتهم أنّ ذلك لن يؤثر ولهذا يعلنون تخلي العالم عن «ثورة الشعب السوري» المطالب بالحرية والكرامة مختزلين الشعب ببضعة آلاف قد يؤيدونهم من الأهل أو الأقارب، وبعض المغرّر بهم أو المأخوذين بالدعاوة المذهبية رغم عدم وجودها وأغلبهم في مناطقهم آمنين مطمئنّين، وقد أوردت الكثير من وسائل الإعلام الدولية أنّ أغلب النازحين من سورية هم من المؤيدين للرئيس الأسد وهربهم كان خوفاً من ممارسات داعش أو النصرة، وبقية العصابات التي عملت على النهب والسلب والقتل والحرق وكلّ ذلك موثق على الصعيد الوطني – أيّ من قبل أجهزة الدولة، بل ومن قبل المراسلين الأجانب وإعلامهم والمنظمات الدولية.
رؤساء وقادة من عالم الغرب أو العرب الذي طالبوا أو قالوا بأنّ أيام الأسد معدودة أو محدودة، إما رحلوا إلى العالم الآخر أو سقطوا من عالم السياسة والقيادة أو أصبحوا مشرّدين أو في السجون، وبقي الأسد يقود سيارته بنفسه، يزور المقاتلين في خنادقهم ومواقعهم، يتناول معهم الطعام، يبث في نفوسهم العزيمة وهم يعبّرون عن ارتفاع معنوياتهم بوجوده بينهم حتى السماء، ويزور مع عائلته وأولاده مناطق الريف يعود جرحى القوات المسلحة والمقعدين متفقداً أحوالهم.
هذا الواقع يجب أن يشكل دافعاً ومحفزاً للبعض ولا أقول الجميع الذين في الخارج ممّن يسمّون أنفسهم معارضات شريفة لإعلان موقف ينسجم مع الواقع، يبتعدون عن مجموعة العملاء الذين يدركون أن لا أمل لهم بالعودة يوماً إلى الوطن حتى ولو صدر ألف عفو عام عنهم، فالويلات التي تسبّبوا بها، والخراب الذي لحق بالبنية التحتية والخدمات، والفقر الذي أحاق بعامة الشعب والخسائر الفادحة التي أعادت سورية عشرات السنين إلى الوراء وكلّ ذلك خدمة للعدو الصهيوني، شعبنا لا يستطيع تجاوزه ولا النسيان ولا المسامحة، ومؤكد أنّ من باع نفسه للشيطان سيختار البقاء في ديار من خدمه، سواء في الخليج أو تركيا أو غيرها… سورية للسوريين فقط، والسوريون هم الأمة التي تستحق الحياة، ترفض الموت وتنبعث كما طائر الفينيق من تحت الرماد… ما عاد الندم ينفع، أغلبهم سيندم في سريرته، فالانقلاب على الوطن لم يكن لتحريره من ظلم بل كان عملاً غايته الوصول إلى السلطة على ظهر قوة خارجية… ولو نجح المسعى لكان شعبنا اليوم تحت حماية ووصاية دول عديدة وليس دولة واحدة حسب تابعية أزلام المعارضات وأعدادهم.