كتب / كمال خلف
هي المرة الثانية التي تطلب فيها إسرائيل النجدة العاجلة من الولايات المتحدة منذ قيامها على ارض فلسطين عام ١٩٤٨. الأولى كانت خلال حرب أكتوبر عام ١٩٧٣، لكن الفرق بين الأولى والثانية غاية في الأهمية من حيث الدلالة، ففي الأولى كانت إسرائيل تواجه جيشين عربيين نظامين ” سورية ومصر” وعلى جبهات واسعة، وفي الثانية تواجه مقاومة بإمكانات متواضعة جدا محصورة في قطاع غزة الصغير والمحاصر. هو فرق يثبت نظرية تآكل القوة الإسرائيلية وعوارض المرض التي باتت تعتري هذا الكيان، مقابل الخط التصاعدي للمقاومة الفلسطينية.
وبالمقارنة بين غزة عام 1987 ” الانتفاضة الأولى ” حين كان الحجر والمقلاع هو الوسيلة الوحيدة لمواجهة الجيش الإسرائيلي، وغزة اليوم في “طوفان الأقصى” حيث ظهر التخطيط، والتدريب، والسلاح، والصواريخ، والتكتيك العسكري، والقدرة على الاقتحام، واتقان حرب الصورة. نجد الفرق الدال على ان عامل الزمن لم يكن في صالح إسرائيل كما كانت تعتقد.
اول تصريح صدر من واشنطن تعليقا على “طوفان الأقصى” ومشهدية الجيش الإسرائيلي وهو ينهار كنمر من ورق، امام مجموعة من المقاومين، هو التحذير من محاولة اطراف الاستفادة من الظرف الذي تمر به إسرائيل. والمقصود حزب الله على وجه التحديد، واطراف حلف المقاومة. هذا ما كان يشغل بال الولايات المتحدة في الساعات الأولى، وقد ارسل البيت الأبيض تحذيراته الى الأطراف المعنية عبر قنوات قبل ان يجهر بها في وسائل الاعلام، والجواب كان مختصرا، بنيامين نتنياهو بيده مفتاح السيناريوهات، اما ان يبتلع الهزيمة ويضبط اركان حكومته من الفاشيين المجانيين، او يواجه ما هو اسوء من يوم ” طوفان الأقصى ” وعليه ان يختار. قرار محور المقاومة مجتمعا من طهران الى صنعاء وما بينهما، ممنوع اخضاع غزة، ولو كلف ذلك فتح الجبهات القريبة والبعيدة، والذهاب في الحرب الى ابعد مدى، ومهما كان الثمن.
خيارات نتنياهو في هذه اللحظة كلها صعبة، فهو لا يستطيع تمرير هذه الهزيمة المدوية، لان إسرائيل ستقر حينها بحقائق الواقع الجديد، وما يتطلبه هذا الإقرار من اثمان مباشرة واستراتيجية. ولا يستطيع التسليم برغبات الانتقام وحفلة الجنون والاندفاع نحو الحرب، والعملية البرية لإعادة احتلال غزة من دون حسابات دقيقة. لان القرارات بدافع الانتقام بشكل متهور قد يأتي بنتائج عكسية، ويجد جيشه غارقا في مستنقع غزة، وتتحول مشاهد اذلال جيشه يوم السابع من أكتوبر الى مسلسل يومي يفقد إسرائيل ما تبقى لها من توازن، ويزيد من عمق ازمة الدولة، ويضع مصيرها على المحك، فضلا عن معضلة تكدس الاسرى الإسرائيليين في غزة، وقد يقتلوا ببنادق وصواريخ جيشهم.
لم يجد نتنياهو حتى الان من يمد له سلم النزول عن الشجرة، بعد ان رفع وأركان حكومته السقف عاليا متعهدين بجعل ” حماس ” لا تقف على قدميها مرة أخرى، وسحق غزة للابد.
اكثر ما يشغل بال قادة إسرائيل الان هو محو العار الذي لحق بالجيش والأجهزة الأمنية والاستخبارية، ولم يتمكنوا حتى كتابة هذه السطور من توسيع هامش الانتقام، والقفز عن حدود القصف الجوي وضرب مقرات المقاومة، وتدمير الأبنية السكنية، والحاق الأذى وسفك دم المدنيين. وهذا عمل مجرب ينتهي عادة بخروج قادة حماس والجهاد الى شوارع غزة للاحتفال بالنصر، والاعلان ان المقاومة مازالت مستمرة. أي عمل جنوني خارج هذا الاطار، يدفعهم الى القلق وأول بواعث هذا القلق الجبهة الشمالية، حيث يقف ” السيد نصر الله ” ناظرا الى ساعة يده.
هذا المشهد المركب والمعقد هو ما دفع الولايات المتحدة الى ارسال حاملة الطائرات الهجومية جيرالد آر فورد إلى شرق البحر المتوسط بالقرب من إسرائيل.
وتزويد الجيش الإسرائيلي على وجه السرعة بعتاد وموارد إضافية تشمل الذخائر و تمويلا أميركيا طارئا لشراء المزيد من الصواريخ الاعتراضية لنظام الدفاع الصاروخي للقبة الحديدية وقنابل ذكية.
محور المقاومة مقتنع ان وصول حاملة الطائرات الامريكية لن يقدم او يؤخر في مجريات معركة ” طوفان الأقصى “، لأنها ببساطة ليست ذات جدوى بسبب طبيعة المعركة. ولا يحتاج تدمير برج سكني في غزة او قتل مدنيين الى قنابل ذكية او أسلحة مستوردة من واشنطن. الولايات المتحدة تلوح بالقوة العسكرية، لطمأنة الإسرائيليين، وردع اطراف محور المقاومة ومنعهم من التدخل وفتح جبهات أخرى. وبذات الوقت تأمين خط امداد يضمن تماسك إسرائيل اذا فتحت الجبهات.
انخراط الولايات المتحدة في المعركة للدفاع عن إسرائيل، وربما بشكل مباشر بذريعة ان من بين الاسرى لدى المقاومة في غزة مواطنين أمريكيين لا يعني لمحور المقاومة الا شيء واحد وهو ان الإدارة الامريكية وضعت جنودها وقواعدها في منطقة الشرق الأوسط هدفا مشروعا. وقد تتذوق الولايات المتحدة طعم يوم السابع من أكتوبر في مكان ما.