كيف يستغل المحتالون الرقميون الذكاء الاصطناعي في موسم «الجمعة البيضاء»؟

1

مع اقتراب موسم «الجمعة البيضاء»، يصبح الإنترنت مساحة مكتظة بعروض مفاجئة: إعلانات تومض في كل مكان، ومتسوقين يحاولون اقتناص أفضل صفقة قبل أن ينتهي العدّ التنازلي… الجديد هذا العام ليس العروض نفسها، بل الطريقة التي نصل بها إليها عبر الذكاء الاصطناعي الذي أصبح وسيطاً بين المتسوق والمتجر. باستطاعته البحث نيابةً عن المستخدم، ومقارنة الأسعار، واقتراح البدائل، وحتى اختيار «العرض الأفضل» بناءً على معايير محددة.

لكن بينما يساعد الذكاء الاصطناعي في تنظيم عملية الشراء، تتغيّر ملامح الاحتيال الرقمي بوتيرة أسرع.

فحسب تقارير أمنية من بينها تحذيرات شركة «كاسبرسكي» يتعامل المحتالون اليوم مع الذكاء الاصطناعي بوصفه أداة رئيسية في تصميم صفحات مزيفة ورسائل أكثر إقناعاً، تحديداً في موسم التخفيضات حيث الاندفاع يغلب على التدقيق.

 

الذكاء الاصطناعي جزء أساسي من رحلة التسوق في «الجمعة البيضاء» لكنه أيضاً أداة يستخدمها المحتالون (شاترستوك)
الذكاء الاصطناعي جزء أساسي من رحلة التسوق في «الجمعة البيضاء» لكنه أيضاً أداة يستخدمها المحتالون (شاترستوك)

 

تغيُّر طرق الاحتيال

لم يعد الاحتيال يبدو كما كان سابقاً رسالة إلكترونية مليئة بالأخطاء أو صفحة مبنية بشكل بدائي. الآن، يستطيع المهاجم أن يبني موقعاً يطابق متجراً عالمياً من حيث الألوان والتنسيق واللغة، بل حتى أن يضيف مراجعات مزيفة تم إنشاؤها بالذكاء الاصطناعي. وفي لحظة انشغال المتسوّق في مطاردة العرض الأرخص، قد تطغى جمالية التصميم على حذره المعتاد.

المثير أن التحدي لا يأتي فقط من الخارج، بل من الأدوات التي يستخدمها الناس أنفسهم. فالبعض يعتمد على روبوتات تتبُّع الأسعار أو إضافات متصفح تساعد على الشراء، دون أن يلتفت إلى أنها في النهاية «أطراف ثالثة» تحصل على بياناته. وإذا كانت هذه الأدوات غير موثوقة أو مصمَّمة بشكل ضعيف، فإنها قد تجمع معلومات الدفع أو تمرّر المستخدم إلى منصة غير آمنة دون أن يظهر ذلك بوضوح. وهنا يصبح الذكاء الاصطناعي حلقة جديدة في سلسلة الثقة، قد تقوى… أو تنكسر.

 

«كاسبرسكي»: التصيّد والصفحات المزيفة تتطور بفضل الذكاء الاصطناعي (كاسبرسكي)
«كاسبرسكي»: التصيّد والصفحات المزيفة تتطور بفضل الذكاء الاصطناعي (كاسبرسكي)

 

فخُّ تجاوزِ الروابط

في تقريرها الأخير حول سلوك المستخدمين في المواسم المزدحمة، تشير «كاسبرسكي» إلى أن المستهلك يميل خلال «الجمعة البيضاء» إلى اتخاذ قرارات أسرع من المعتاد. هذه السرعة تزداد مع استخدام أدوات ذكية توفّر الوقت لكنها في المقابل تضعه أمام روابط لا يملك الوقت الكافي لاختبارها. وفي بيئة تعتمد على التفاعل اللحظي، يصبح فحص الرابط خطوة يتم تجاوزها بسهولة. وقد يكون الفرق بين موقع أصلي وآخر مزيف مجرد حرف واحد في العنوان، أو نطاقاً غير معروف، أو واجهة يتم تحميلها عبر خادم مجهول.

وما يجعل موسم التخفيضات أكثر تعقيداً هو أنّ الهدف الحقيقي للمحتالين ظل واحداً عبر بيانات الدفع. فسواء جاءت عبر صفحة خصومات مزيفة أو تطبيق ذكي غير مؤمّن، ينتهي الأمر بمحاولة الوصول إلى البطاقة البنكية أو حساب المتجر أو البريد المرتبط بالفواتير. هذه الجوانب تبقى الأكثر حساسية، ومع ذلك لا يزال كثيرون يسمحون لأدوات الذكاء الاصطناعي بحفظ بطاقاتهم أو تمريرها عبر بوابات لا يعرفون عنها شيئاً.

ورغم ذلك، لا يعني الأمر أن الذكاء الاصطناعي ضارٌّ أو يجب تجنّبه. الواقع أن هذه التقنيات جعلت التسوّق أسهل، وأكثر تنظيماً، وتمنح المستخدم قدرةً على اتخاذ قرارات أفضل لو استُخدمت بوعي. لكنَّ الذكاء الاصطناعي لا يُلغي الحاجة إلى الحسّ الأمني، ولا يحلّ محلّ الانتباه البشري.

في «الجمعة البيضاء»، كما في أي موسم تخفيضات، يبقى العامل الحاسم هو مزيج من الوعي والهدوء، لا سيما في اللحظة التي يفصل فيها عرض مغرٍ بين «طلب الشراء» و «المعلومات البنكية».

ما بين أدوات ذكية تبحث لك عن العرض الأمثل، ومحتالين يستخدمون التقنية نفسها للتنكر في شكل منصات أصلية، يظهر الموسم هذا العام كصورة واقعية لعصر يتقاسم مع الذكاء الاصطناعي كلاً من التسهل والمخاطرة أيضاً.

وإذا كان من درس يمكن استخلاصه، فهو أن التكنولوجيا، مهما كانت متطورة، فإنها لا تستطيع أن تتحمل عن المستخدم مسؤولية اليقظة. الذكاء الاصطناعي قد يساعدك في التسوّق، لكنه لا يستطيع أن يحميك إذا ضغطت على رابط لم تتأكد منه

التعليقات معطلة.