كيف يشعل ترامب شرارة حرب تجارية عالمية الآن؟

1

أحمد طلب

حان الوقت لاتخاذ إجراء حاسم لوقف فيض المنتجات إلى أمريكا

هكذا قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الخميس الأول من مارس (أذار) الجاري، وذلك بعد إعلانه أن الولايات المتحدة ستفرض تعريفات جمركية بنسبة 25% على واردات الصلب، و10% على الألمنيوم المستورد، وهو الأمر الذي أثار جدلًا عالميًا كبيرًا؛ إذ اعتبر الكثير من الجهات أن قرار ترامب بمثابة إعلان رسمي لبدء حرب تجارية عالمية؛ مما أحدث حالة من الارتباك، سواء على مستوى الأسواق المالية، أو بين كبار مصنعي الصلب والألمنيوم حول العالم.

ترامب لم ينتظر كثيرًا حتى أكد عبر حسابه بموقع «تويتر» تأييده للحروب التجارية، معتبرًا إياها «أمرًا جيدًا»، ويمكن لأمريكا الانتصار في هذه الحرب بسهولة. إلا أن المنتقدين لسياسة ترامب يرون أن مثل هذه الإجراءات لن تحمي الاقتصاد الأمريكي من فقد الوظائف، بل ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار بالنسبة للمستهلكين في البلاد، وكذلك ستؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي؛ بسبب الاعتماد الكبير على الصلب المستورد في تشغيل الكثير من المصانع الأمريكية.

لماذا فرض ترامب رسومًا على الصلب والألومنيوم تحديدًا؟
قبل الحديث عن ردود الفعل العالمية على قرار ترامب، يجب أن نفهم أولًا الأسباب التي دفعت ترامب لفرض هذه الرسوم على الصلب والألمنيوم بشكل خاص، دون غيرهما من السلع والمعادن. وبالنظر إلى صناعة الصلب الأمريكية، نجد أنها تعاني منذ عام 2000؛ إذ تراجع الإنتاج من 112 مليون طن إلى 86.5 مليون طن في عام 2016، بينما تراجعت الوظائف في القطاع من 135 ألف وظيفة إلى 83 ألف وظيفة في الفترة نفسها.

هذه الأرقام ربما تبرر هذا الاتجاه الأمريكي، فالبلاد تستورد الصلب من أكثر من 100 بلد، ولا يغطي إنتاجها من الألومنيوم إلا رُبع احتياجاتها فقط. فبعد أن تمكنت صناعة الصلب الأمريكية من الخروج من حالة الركود العميق التي أصابت الصناعة في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، وتحديدًا خلال الفترة بين عامي 1976 و1986، ثم صعود أسهم الصناعة في العقد الأخير من القرن الماضي، عادت لتعاني مرة أخرى، ولكن هذه المرة ليست لأسباب تراجع الاقتصاد، ولكن بسبب عوامل خارجية.

وتتمثل هذه العوامل في الإنتاج الضخم الذي تقوده الصين؛ إذ أغرق هذا الإنتاج الضخم الصناعة الأمريكية في دوامة فائض المعروض، وهو تمامًا ما تعاني منه أمريكا، فعندما لا تستخدم المعامل بكامل طاقتها، يكون تعاملها مع المواد الخام أقل كفاءة، ويضطر المنتجون إلى خفض الأسعار للفوز بالطلبات، وتغطية تكاليف التشغيل الثابتة العالية، وبطبيعة الحال تبحث المصانع الأمريكية عن الأسعار المنخفضة؛ وهو ما يضر صناعة الصلب المحلية بشكل مباشر.

لكن هل فرض رسوم جمركية مرتفعة على واردات الصلب هو حل الأزمة الأمريكية؟ من وجهة نظر ترامب هذا الطريق هو الأفضل لعلاج الأزمة، إلا أن هذا الاتجاه لا يخلو من الآثار السلبية التي لن تكون بعيدة عن الاقتصاد الأمريكي، وهو ما عبرّ عنه رئيس مجلس النواب الأمريكي، بول رايان، الذي قال: إنه يريد من الجمهوري ترامب أن يدرس مقاربات أخرى قبل اتخاذ إجراءات فرض الرسوم على واردات الصلب والألمنيوم، موضحًا أنه يأمل أن يتدبر الرئيس العواقب غير المقصودة لهذه الفكرة، وأن يدرس مقاربات أخرى قبل السير قدمًا.

من هم المتضررون من قرار ترامب؟
كما ذكرنا سابقًا، فإن أمريكا تستورد الصلب من أكثر من 100 بلد، وعلى رأس هذه البلاد: الصين، ودول الاتحاد الأوروبي، فبيكين الصينية وحدها تمثل نصف إنتاج الصلب في العالم، وهي أيضًا صاحبة صراع كبير مع كبار المنتجين المنافسين في جميع أنحاء العالم؛ إذ تتهمها شركات وحكومات غربية أنها تقدم دعمًا غير قانوني لمعامل خاسرة تتخلص من أي إنتاج زائد وترسله إلى الخارج بأسعار منخفضة، وهو ما يتسبب في الزيادة الكبيرة في المعروض.

وتُشير بيانات الاتحاد العالمي للصلب أنَّ إنتاج العالم من حديد الصلب الخام لعام 2015 يبلغ نحو 1655.3 مليون طن بزيادة قدرها 5%، ما يعادل 77 مليون طن، مقارنة بالعام السابق عليه، وذلك في نحو 65 دولة حول العالم، تشكل نحو 99% من الإنتاج العالمي؛ إذ استحوذت الدول الأسيوية على نحو ثلثي الإنتاج العالمي، بفعل نمو الإنتاج في كل من الصين وكوريا الجنوبية والهند، بالإضافة إلى إيران التي سجلت زيادة ملحوظة في الإنتاج مؤخرًا؛ إذ لامس إنتاجها نحو 20 مليون طن خلال الـ11 شهرًا المنتهية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

بالإضافة إلى صناعة الصلب في أوروبا من أهم القطاعات الاقتصادية، خاصة في ألمانيا التي تعدّ من كبار منتجي الصلب حول العالم. ففي 2016 أنتجت ألمانيا ما يقرب من 43 مليون طن من الصلب الخام، لتكون أكبر منتج للصلب بين بلدان الاتحاد الأوروبي، كما يعد الصلب كذلك صناعة مهمة في كل من كندا، وفرنسا، وبلجيكا، وبريطانيا، وإيطاليا، ناهيك عن دول أخرى خارج الاتحاد الأوروبي ضمن الأكثر إنتاجًا للصلب كالمكسيك والبرازيل.

كل هذه الدول المذكورة ستكون ضمن ضحايا قرار ترامب، وهو الأمر الذي يبرر ردود الفعل الكبيرة التي صدرت عن معظم هذه الدول، فبالرغم من أن الصين قالت إنها لا تريد حربًا تجارية مع الولايات المتحدة، لكنها في النهاية لن تقف مكتوفة الأيدي أمام مثل هذه القرارات، بينما ردت كندا والاتحاد الأوروبي على هذا القرار بأنها ستفرض إجراءات مماثلة، وأعلنت المكسيك والصين والبرازيل أنها سترد على قرار ترامب بإجراءات مناسبة.

ولكن على ما يبدو فإن الرئيس ترامب لن يقف عند فرض رسوم على واردات الصلب والألمنيوم فقط، بل هدّد شركات صناعة السيارات الأوروبية بفرض ضريبة على الواردات في حالة اتخاذ الاتحاد الأوروبي إجراءات انتقامية، وهو الأمر الذي ربما سيشعل حربًا تجارية عالمية لا مفر منها، حال نفذ ترامب لتهديداته.

كيف تفاعلت الأسواق مع مخاوف الحرب التجارية؟
لا يتوقف تأثير قرار ترامب على مصنّعي الصلب والألمنيوم فقط، ولكن بما أنه كان بمثابة إشارة البدء لحرب تجارية، كان التأثير كبيرًا. فالأسواق المالية، وحتى أسواق الصرف والسلع، كان لها نصيب من الضرر، وكان للأسهم الأوروبية النصيب الأكبر من الهبوط؛ إذ تراجعت إلى أدنى مستوياتها في ستة أشهر في ختام تعاملات الأسبوع الماضي، وتسببت مخاوف نشوب حرب تجارية عالمية في موجة مبيعات واسعة في أوروبا، وهو ما كان له تأثير سلبي، خاصة على المؤشر «داكس» الألماني المثقل بشركات التصدير، والذي هبط 2.3% إلى أدنى مستوى في ستة أشهر.

الهبوط لم يكن من نصيب شركات الصلب أو شركات التصدير فقط، ولكن نالت الشركات الأخرى التي تعتمد على الصلب نصيبها من الخسائر، وذلك بفعل القلق من أن التعريفات الجمركية الأمريكية، قد تزيد تكاليف المواد الخام، وهو ما دفع مؤشر قطاع السيارات للهبوط بنسبة 2.3% متضررًا من هبوط بلغ حوالي 6% لسهم شركة فيات كرايسلر الإيطالية.

بينما كان التأثير في «وول ستريت» أقل حدة؛ إذ أنهت مؤشرات الأسهم الأمريكية تداولات الجمعة على تباين، فقد انخفض المؤشر «داو جونز» الصناعي بآخر جلسات الأسبوع الماضي بنسبة 0.29%، فيما صعد المؤشر «ستاندرد آند بورز» 500 الأوسع نطاقا بـ0.51%، والمؤشر ناسداك المجمع 1.08%، لكن تبقى المؤشرات الثلاثة متراجعة على مدار الأسبوع بهبوط داو جونز 3% وستاندرد آند بورز 2% وناسداك 1%.

وعلى عكس «وول ستريت»، كانت آسيا على موعد مع موجة هبوط كبيرة؛ إذ تراجع مؤشر نيكي الياباني بنسبة 2.5%، وأغلق مؤشر «شنجهاي» المركب الصيني منخفضًا 0.6%، وهبطت أسهم هونغ كونغ بأكبر وتيرة في ثلاثة أسابيع لتزيد خسائرها عن 2%، وهبط مؤشر «هانغ سنغ» 1.5%.

وفي المقابل استفاد الذهب من موجة المخاوف وسط تراجع الدولار؛ وهو ما دفع المستثمرين نحو الأصول، مثل المعدن النفيس الذي يُنظر إليها بشكل عام على أنها أداة استثمارية آمنة، بخلاف العملات والأسهم. وأنهت العقود الأمريكية للذهب تسليم أبريل (نيسان) تداولات الأسبوع الماضي مرتفعة بنسبة 1.4% لتبلغ عند التسوية 1323.40 دولار للأوقية.

ماذا سيحدث بعد إعلان ترامب عن بدء الحرب التجارية؟
جميع الخيارات على الطاولة

هكذا قال وزير المالية الفرنسي برونو لومير، عندما تحدث عن الردّ الأوروبي على قرار ترامب، مضيفًا أن أوروبا سترد بشكل مشترك وقوي إذا مضت إدارة ترامب قدما. كان هذا موقف من عدة مواقف رسمية خرجت عن مؤسسات مالية عالمية أو عن مسؤولين حكوميين، فصندوق النقد الدولي حذّر من جانبه من أن قرار ترامب من المرجح أن يتسبب في أضرار كبيرة، ليس فقط خارج الولايات المتحدة، بل أيضًا للاقتصاد الأمريكي نفسه، بما في ذلك قطاعي الصناعات التحويلية والتشييد.

الوزير الفرنسي قال مؤخرًا: «إن الاتحاد الأوروبي سيكشف النقاب هذا الشهر عن خطط لفرض ضريبة على عائدات شركات التكنولوجيا العالمية الضخمة بمعدل يتراوح بين 2% و6%»، معتبرًا هذا الإجراء نقطة بداية في الرد على الموقف الأمريكي الأخير، وعلى رأس هذه الشركات كل من: «أمازون» و«جوجل» و«فيسبوك». هذه الضرائب سيكون لها تأثير كبير على الاقتصاد الأمريكي والعالمي؛ نظرًا لتأثيرها الضخم في السوق الدولية.

وما يوضح خطورة الوضع أكثر هو ما قاله روبرتو أزيفيدو المدير العام لمنظمة التجارة العالمية، الذي نادرًا ما يتحدث عن السياسة التجارية للولايات المتحدة العضو في المنظمة؛ إذ كشف أن منظمة التجارة العالمية تشعر بقلق واضح إزاء الإعلان عن خطط أمريكية لفرض تعرفات جمركية على الصلب والألمنيوم، مرجحًا أن يكون هناك تصعيد حقيقي، يصل لنشوب حرب تجارية.

عمومًا لا يمكن الجزم بالنتائج المستقبلية حال تم العمل بقرار ترامب، ولكن على أغلب الاحتمالات لن تكون النتائج جيدة، خاصة أنها ستضع التجارة العالمية تدور في دائرة مغلقة سيخسر منها الجميع. فالرد الأوروبي قد يقابله موقف أمريكي تجاه واردات السيارات كما هدد ترامب، والرد الآسيوي سيواجه كذلك بإجراءات مشابهة، وهو ما يجعل الجميع في حلقة كبيرة من الخسائر.

التعليقات معطلة.