سونر چاغاپتاي
يبدو أن دعم واشنطن المستمر للقوات الكردية في سوريا محفوف بالمخاطر التي تهدد العلاقة الأمريكية-التركية. فمنذ عام 2015، كانت الولايات المتحدة تتعاون مع «حزب الاتحاد الديمقراطي» وجناحه العسكري – «وحدات حماية الشعب» – من أجل محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية»، وشمل ذلك توفير الأسلحة والمساعدة التقنية إلى «قوات سوريا الديمقراطية»، وهي منظمة جامعة كردية/عربية تهيمن عليها «وحدات حماية الشعب». غير أن «حزب الاتحاد الديمقراطي» – «وحدات حماية الشعب» يتفرع عن «حزب العمال الكردستاني» [«الحزب»]، وهي جماعة تركية صنفتها وزارة الخارجية الأمريكية منظمة إرهابية أجنبية، وتحاربها أنقرة منذ عقود.
وكما سيتمّ توضيحه أدناه، يسيطر الأكراد الأتراك على القيادة الجماعية لكل من «حزب العمال الكردستاني» و «حزب الاتحاد الديمقراطي» – «وحدات حماية الشعب» ويتخذون من جبال قنديل شمال العراق مقراً لهم. ومنذ عام 2015، عندما تعثرت محادثات السلام بين «حزب العمال الكردستاني» وأنقرة، استأنف «الحزب» حربه الدموية ضد قوات الأمن التركية والتي شملت قتل مدنيين. وإذا استحوذ «الحزب» على أسلحة أمريكية من «وحدات حماية الشعب» واستخدمها ضد تركيا، سيُحدث ذلك حتماً شرخاً في العلاقات بين واشنطن وأنقرة التي تعتبر أقدم حليف ذي أغلبية مسلمة للولايات المتحدة والعضو الوحيد من دول الشرق الأوسط في حلف “الناتو”.
وللتخفيف من الخطر الذي ينطوي عليه مثل هذا التصدع، على الولايات المتحدة أن تدرس احتمال اتخاذ تدابير [مناسبة] لتقويض قيادة «حزب العمال الكردستاني» الكردية التركية بدرجة كبيرة في جبال قنديل. وسيسمح ذلك للأكراد السوريين بالسيطرة على «حزب الاتحاد الديمقراطي» – «وحدات حماية الشعب» وتحويل انتباههم عن تركيا بصوة كاملة. وعندها، يمكن لواشنطن أن تفصل سياستها حيال الأكرد في سوريا عن علاقاتها الهشة مع تركيا.
الجذور السورية لـ «حزب العمال الكردستاني»
عندما تمّ تأسيس «حزب العمال الكردستاني» في عام 1978، دعمه السوفييت باعتباره وسيلة لتقويض تركيا، حليفة الولايات المتحدة. وقد تأسس «الحزب» أولاً في سهل البقاع في لبنان الذي كان آنذاك خاضعاً للاحتلال السوري. ووفر حافظ الأسد، والد الديكتاتور السوري الحالي، ملاذاً آمناً لأعضاء الجماعة طيلة عقود، كما عاش زعيم «حزب العمال الكردستاني» عبدالله أوجلان في دمشق خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.
وبعد انتهاء الحرب الباردة، واصلت الحكومة السورية استخدام «حزب العمال الكردستاني» كورقة مساومة خلال مفاوضاتها مع تركيا حول حقوق المياه في نهر الفرات. وفي الوقت نفسه، وبينما هناك أغلبية من الأكراد السوريين المهمشين وعديمي الجنسية في ظل حكم “حزب البعث”، اعتبرت دمشق «حزب العمال الكردستاني» وسيلة لإبعاد الغضب الكردي القومي عنها وتوجيهه نحو “عدو خارجي”.
وإذ أدركت أنقرة احتمال أن يتسبّب أي تمرد لـ «حزب العمال الكردستاني» ومقره في سوريا بزعزعة استقرارها، اتخذت خطوات ضد دمشق في أيلول/سبتمبر 1998، وهددت باجتياح سوريا ما لم يتوقف النظام عن إيواء «الحزب». ورداً على ذلك، طرد الأسد أوجلان ووقّع “بروتوكول أضنة” مع تركيا، منهياً بذلك رسمياً الدعم السوري لـ «حزب العمال الكردستاني».
لكن بما أنه كان قد سُمح لـ «الحزب» بتجنيد أعضاء بشكل علني ونشر حملة دعائية في سوريا لما يقارب عقدين من الزمن، تمكّن «حزب العمال الكردستاني» من تشكيل قاعدة دعم محلية استمرت لفترة طويلة بعد قطع العلاقات بشكل رسمي. ففي عام 2002، قرر «الحزب» إطلاق فروع له في سوريا وإيران والعراق، غير أن «حزب الاتحاد الديمقراطي» كان الوحيد من بين هذه الفروع الذي انطلق بزخم.
وبحلول عام 2012، عندما كانت الحرب الأهلية في سوريا في أوجها، وحيث قام نظام الأسد بإخلاء مناطق الأكراد لتخصيص المزيد من الموارد لجبهات أخرى، تمكن «حزب الاتحاد الديمقراطي» من ملء الفراغ بسرعة. وقد أسس «الحزب» 3 كانتونات أعلنت نفسها ذاتياً في شمال سوريا، هي: عفرين وكوباني والقامشلي، التي تعرف جماعياً بروج آفا. ومنذ عام 2014، استحوذت «وحدات حماية الشعب»/«قوات سوريا الديمقراطية» على نحو 20 في المائة من الأراضي السورية بفضل مساعدة عسكرية أمريكية كبيرة. كما تربط الميليشيا علاقات بروسيا التي نشرت قواتها مؤخراً في منطقة تمركز «وحدات حماية الشعب» في عفرين المتاخمة لتركيا.
خوض معركة الأكراد الأتراك
على الرغم من أن صفوف «وحدات حماية الشعب» وقيادتها تتألف بمعظمها من أكراد سوريين، إلّا أنّ القيادة الكردية التركية عموماً لـ «حزب العمال الكردستاني» في شمال العراق هي التي تتولى إدارتها. وكما أوضح تقرير صدر في أيار/مايو 2017 عن “مجموعة الأزمات الدولية”، توجه “الكوادر المدربة لـ «حزب العمال الكردستاني»” معظم العمليات الرئيسية لـ «وحدات حماية الشعب»: “فهم يتخذون القرارات بشأن الميزانية الإدارية وتعيين قادة الخطوط الأمامية والمناطق وتوزيع العتاد العسكري والتنسيق مع الجيش الأمريكي. أما التكنوقراطيون، ومعظمهم من المتعاطفين مع أوجلان والذين لا يتمتعون بأي خلفية عسكرية في «حزب العمال الكردستاني»، فيقودون اسمياً المؤسسات الرسمية في منطقة الحكم الذاتي”.
وعلاوةً على ذلك، تمنع هيكلية قيادة «وحدات حماية الشعب» الأفراد الذين لا يتمتعون برصيد داخل «حزب العمال الكردستاني» من تولي مناصب رفيعة: “هناك فرصة ضئيلة لتقدم قادة الوحدات والفصائل، الذين انضم معظمهم إلى «وحدات حماية الشعب» بعد تأسيسها عام 2012… حيث أن الأكاديميات الإيديولوجية التي تنطوي على فرص للترقية تتطلب التزاماً طويل الأمد بنضال «حزب العمال الكردستاني»، تحت قيادة «الحزب» المباشرة في جبال قنديل”. ونتيجةً لذلك، تتمتع قيادة «حزب العمال الكردستاني» في قنديل – المؤلفة من مراد كارايلان وجميل بايق ودوران كالكان ورضا ألتون، وجميعهم من الأكراد الأتراك – بتأثير كبير على «وحدات حماية الشعب».
وببساطة، إن الأكراد السوريين ضمن أسرة «حزب العمال الكردستاني» الأوسع نطاقاً مرغمون على الاضطلاع بدور ثانوي مقارنةً بالأكراد الأتراك الذين يركزون على معركتهم ضد أنقرة ويعتبرون سوريا مسرحاً ثانوياً للعمليات يُستخدم كعامل دعم ضد تركيا. وسيؤدي هذا الموقف لا محالة إلى أزمة في العلاقات الأمريكية-التركية، خاصة إذا قرر «حزب العمال الكردستاني» السماح للأسلحة التي وفرتها الولايات المتحدة لـ «وحدات حماية الشعب» بالوصول إلى كوادره في تركيا. وعلى الرغم من أن قيادة هذه الوحدات قد وعدت واشنطن بأن ذلك لن يحصل، قد يسعى قادة «حزب العمال الكردستاني» إلى تحقيق هذا الأمر لأن الصدع في العلاقات الأمريكية-التركية يصب في مصلحته في نهاية المطاف. وبالتالي فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا ليس ما إذا كانت الأسلحة الأمريكية المزودة لـ «وحدات حماية الشعب» ستنتهي في أيدي «حزب العمال الكردستاني»، بل متى.
تركيز «حزب الاتحاد الديمقراطي» على سوريا
لحسن الحظ، بإمكان الولايات المتحدة منع حدوث مثل هذا الاحتمال وسط مواصلة التعاون مع الأكراد السوريين. فالسياسة الرسمية لواشنطن تتمثل بأن «حزب الاتحاد الديمقراطي» – «وحدات حماية الشعب» هو منظمة سورية لكن عليه تحويل هذا المبدأ إلى واقع إذا كان يأمل في تجنب حصول صدع في العلاقة مع تركيا. وهذا يعني إقناع تركيا بإطلاق عمليات عسكرية لها ثلاثة أهداف رئيسية هي: ضرب شبكات مخابئ «حزب العمال الكردستاني» تحت الأرض في جبال قنديل في العراق، وحشر قوات «الحزب» في المنطقة، وربما حتى القبض على بعض كبار قادته الأكراد الأتراك. وأي حملة من هذا القبيل ستتطلب من واشنطن الحصول على موافقة بغداد على شن عمليات في أراضيها، فضلاً عن تقديم المساعدة الاستخباراتية للقوات التركية والذخيرة الخاصة الضرورية لاستهداف المخابئ المحصنة.
وبدورها ستؤدي هذه السياسة إلى تمكين الأكراد السوريين في روج آفا، الأمر الذي يفتح الطريق أمامهم لتولّي القيادة الكاملة لـ «حزب الاتحاد الديمقراطي»- «وحدات حماية الشعب». ومن المفترض أن تركز الجماعة بعد ذلك على خوض معركة الأكراد السوريين على روج آفا، وليس على حرب «حزب العمال الكردستاني» ضد تركيا في سوريا وخارجها. وسيتعين على واشنطن أيضاً طمأنة الأكراد السوريين بأنها ستحافظ على مصالحهم إذا نفذوا ذلك. ومن ناحية أخرى، إن اتخاذ خطوات ملموسة بحق «حزب العمال الكردستاني» يمكن أن يحسّن إلى حدّ كبير العلاقات الأمريكية-التركية التي شهدت توترات كبيرة خلال السنوات الأخيرة.
ويدرك الأكراد السوريون على الأرجح أنهم سيحتاجون إلى دعم واشنطن فيما يتخطى معركتهم القصيرة الأمد ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». فمن دون دعم الولايات المتحدة، سوف تقع روج آفا تحت السيطرة الروسية الكاملة وتتحول إلى النسخة الشرق أوسطية من ترانسنيستريا ، وهي جزء منفصل عن مولدوفا تهيمن عليه موسكو ويفتقر إلى أي نوع من الشرعية الدولية. وكبديل، ومع تموضع واشنطن في زاويتها الدبلوماسية، قد تتصدى روج آفا للضغوط التي تمارسها روسيا ونظام الأسد، مما تتيح لنفسها المجال لالتقاط أنفاسها وربما التوجه نحو تحقيق الحكم الذاتي في نهاية المطاف داخل سوريا. لكن أياً من هذا لن يكون ممكناً طالما أن قيادة «حزب العمال الكردستاني» في جبال قنديل تسيطر على الحركة الكردية السورية، على نحو يضر بها.