بواسطة دينس روس
١٢ مارس ٢٠٢١
السفير دينس روس هو مستشار وزميل “وليام ديفيدسون” المميز في معهد واشنطن والمساعد الخاص السابق للرئيس أوباما.مقالات وشهادةيطالب المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي برفع العقوبات عن بلاده. وفي الآونة الأخيرة رفع الرهان وأعلن أنه إذا لزم الأمر، ستقوم إيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المائة، أي أقرب إلى درجة السلاح النووي. من الضروري أن تثبت الإدارة الأمريكية أن سعيها وراء قيام مفاوضات نووية لن يمنع المدى الذي ستقطعه لمواجهة استفزازات طهران في المنطقة.
يطالب المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي خامنئي برفع العقوبات. ومن أجل ثني إدارة بايدن عن مقاربتها القائمة على الامتثال مقابل الامتثال التي بموجبها لا يمكن رفع العقوبات قبل أن يصحّح الإيرانيون مخالفاتهم لبنود “خطة العمل الشاملة المشتركة”، تبنى الإيرانيون سياسة “ضغط أقصى” أشبه بتلك التي انتهجها ترامب. ويتصرف قادتهم كما لو أن ممارسة الضغوط قد تؤتي ثمارها ولا تحمل الكثير من المخاطر.
فلنأخذ في الحسبان نمط سلوك إيران في الآونة الأخيرة من حيث البرنامج النووي وسلوكها في الشرق الأوسط. ففي مطلع كانون الثاني/يناير، أبلغ الإيرانيون “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، وهي هيئة المراقبة النووية التابعة للأمم المتحدة التي تراقب برنامج إيران النووي، بأنهم سيبدؤون بتخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المائة، وهو الخط الفاصل بين اليورانيوم المنخفض التخصيب والعالي التخصيب. وبعد ذلك، أبلغوا أيضاً الوكالة أنهم سيبدؤون بتصنيع معدن اليورانيوم، في خطوة محتملة باتجاه تصنيع نواة قنبلة. وحين لم يحرّك ذلك إدارة بايدن، رفع المرشد الأعلى الرهان وأعلن أنه إذا لزم الأمر، ستقوم إيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المائة، أي أقرب إلى درجة السلاح. فضلاً عن ذلك، أعلمت الحكومة الإيرانية “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” أنها لن تلتزم “طوعاً” بعد الآن بالبروتوكول الإضافي الذي يتطلب تنفيذ عمليات تفتيش للمواقع النووية المعلنة وغير المعلنة. وبعدها، حدّت النفاذ المستمر إلى المعلومات حتى من المواقع المعلنة، مهددةً أنها بعد ثلاثة أشهر ستعلّق كل شيء في حال عدم رفع العقوبات. وفي حين وافق الإيرانيون على التحاور مع الوكالة بشأن ما تقول هذه الأخيرة أنها تبريرات “غير مرضية” لآثار اليورانيوم المكتشفة في ثلاثة مواقع حيث يزعم الإيرانيون أنهم لم يعملوا فيها على برنامجهم النووي، رفضوا الدعوة الأوروبية لاستئناف الدبلوماسية بشأن برنامجهم النووي في إطار صيغة 5+1 غير الرسمية ما لم تعكس الولايات المتحدة العقوبات التي فرضها ترامب أولاً.
غير أن أفعال إيران المستفزة لا تقتصر على برنامجها النووي؛ فقد أصبحت بوضوح تطرح تهديدات أكبر بكثير على المنطقة في الوقت نفسه. وفي الواقع، إن الأمر وكأن «الحرس الثوري الإسلامي» و«فيلق القدس»، وهو ذراعه العاملة في الشرق الأوسط، قد أُعطيا الضوء الأخضر لإطلاق التهديدات في كل مكان. فقد احتجز سفينة كورية جنوبية قبل بضعة أسابيع وأوقفها عملياً مقابل فدية، مطالباً بأن تحرر كوريا الجنوبية 7 مليارات دولار من حسابات تمّ تجميدها بموجب العقوبات. وفي الآونة الأخيرة، أطلق صاروخاً على سفينة شحن ترفع علم جزر البهاما مملوكة لشركة إسرائيلية في خليج عُمان وتشير التقارير إلى أن «الحرس الثوري» يقف وراء التسرب النفطي قبالة الساحل الإسرائيلي. في الموازاة، كان الحوثيون، الذين يزودهم الإيرانيون بالطائرات بدون طيار والصواريخ الموجهة والباليستية، يزيدون وتيرة هجماتهم ضدّ السعوديين، حيث استهدفوا منشآت نفطية في رأس تنورة وجدة وينبع قبل بضعة أيام فقط، مما ساهم في ارتفاع أسعار النفط لتناهز 70 دولاراً للبرميل. من جهتها، أطلقت الميليشيات الوكيلة الشيعية في العراق صواريخ وطائرات بدون طيار على العاصمة السعودية الرياض، حتى في وقت كانت فيه تلك الميليشيات نفسها تستهدف قواعد في العراق يستخدمها الأمريكيون. وكان وابل الصواريخ عيار 107 ملم الذي أُطلق على إربيل في شمال العراق وتسبب بجرح جندي أمريكي ومقتل مقاول غير أمريكي، هو الذي دفع إلى اتخاذ القرار الأمريكي بإطلاق ضربة محدودة وموجهة على البوكمال في الجانب السوري من الحدود العراقية.
وقال الرئيس جو بايدن إنه أمر بتنفيذ هذه الضربة لإظهار أن مثل هذه الهجمات لا يمكن أن تبقى من دون عقاب وطلب من إيران “أن تكون حذرة”. ولغاية الآن، يختار الإيرانيون ألا يعيروا انتباهاً لهذه النصيحة إذ أطلق أحد وكلاء طهران في العراق عشرة صواريخ على قاعدة عين الأسد في العراق – وهي نفسها التي ضربتها إيران وأسفرت عن جرح أمريكيين العام الماضي، ولكن بأعجوبة لم يُقتل أحد، وذلك رداً على الاغتيال المستهدف لقائد «فيلق القدس» قاسم سليماني على يد إدارة ترامب. ويضاعف الإيرانيون مراهناتهم، معتقدين أن الضغوط ستنجح وتؤدي بالولايات المتحدة إلى تخفيف العقوبات بسبب رغبتها في تجنّب خطر اندلاع نزاع.
وتواجه إدارة بايدن معضلة حقيقية. فيمكن فهم رغبتها بعدم الدخول في نزاع متصاعد بشكل مباشر أو غير مباشر مع الإيرانيين – سواء في العراق أو أي مكان آخر. ولا تريد في الوقت نفسه أن تبدو وكأنها راضية عن العيش تحت تهديد هجمات متزايدة من الصواريخ والطائرات بدون طيار تستهدف الولايات المتحدة أو آخرين. فبقيامها بذلك – أو عند الانتقال إلى رفع العقوبات الآن – تكون قد أثبتت شرعية مكانة «الحرس الثوري الإسلامي» و«فيلق القدس» في إيران وهذه طريقة لضمان ضغوط إيرانية أكبر واستجابة أقل.
ففي هذا الاختبار المبكر لإدارة بايدن، وفي ظل مراقبة الآخرين لرؤية كيف سيستجيب الرئيس الأمريكي وفريقه، يجب أن يدرك قادة إيران أنه لا يمكنهم تحقيق أي فوز من هذا الموقف. وبكل حكمة، أوضحت الإدارة الأمريكية أنها لن تقدّم أي تنازلات أحادية للإيرانيين. ولكن عليها اللجوء إلى مزيج من الخيارات الدبلوماسية والقسرية التي تسفر عن ضغوط مضادة وإبقاء اللوم على إيران.
أولاً، عليها مواصلة التركيز على استعداد الولايات المتحدة للعودة إلى صيغة تفاوض 5+1 مع إيران حتى وإن أوضحت أن واشنطن لن تسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي. على إدارة بايدن أن تثبت أمام المجتمع الدولي أنها مستعدة لعكس تداعيات انسحاب دونالد ترامب من “خطة العمل الشاملة المشتركة”. غير أن المفاوضات ضرورية، وخاصةٍ لأن بعض الانتهاكات الإيرانية على غرار استخدام مجموعات متطورة من أجهزة الطرد المركزي قد ولّدت دراية إيرانية بطرق لا يمكن عكسها – كما أن رفض إيران المشاركة وتسريعها لوتيرة برنامجها النووي تعززان احتمال اندلاع نزاع. والأمر لا يتعلق فقط بممارسة ضغوط سياسية على إيران؛ بل أيضاً بحثّ القادة الإيرانيين على إدراك أن الولايات المتحدة تكيّف البيئة السائدة مع واقع أنه في غياب الدبلوماسية، قد تضطر واشنطن إلى استخدام القوة في نهاية المطاف لمنع إيران من المضي قدماً نحو صنع قنبلة نووية.
ثانياً، يجب أن تتوصل الإدارة الأمريكية إلى موقف عام مشترك مع الحلفاء الأوروبيين لواشنطن ونقل رسائل خاصة. يجب أن يكون الموقف العام والخاص واضحاً وصريحاً: طالما تخرق إيران الاتفاق، وترفض الانضمام إلى منتدى تفاوض تنظمه مجموعة الخمسة زائد واحد، وتُطلق مباشرة أو عبر ميليشياتها الوكيلة صواريخ تستهدف القوات الأمريكية أو العناصر الأمريكيين، فإن أي رفع للعقوبات لن يكون ممكناً. على الإدارة الأمريكية أن تحاول استمالة الروس والصينيين لنقل هذه الرسالة ليس لأنهم يتطلعون إلى التجاوب مع الولايات المتحدة بل لأنهم يتمتعون بنفوذ على إيران ولا مصلحة لديهم في أي تصعيد قد ينطوي على استخدام القوة الأمريكية.
ثالثاً، على فريق بايدن تسليط الضوء على الميليشيات الشيعية التي تهدّد المدنيين العراقيين بضرباتها الصاروخية. وقد أصدر كل من الرئيس برهم صالح ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بيانيْ إدانة بعد الهجوم على إربيل، لكن المزيد من هذه البيانات سيكون ضرورياً ومن المرجح أن تصدر أخرى قريباً إذا علما أن البديل الذي ستلجأ إليه الولايات المتحدة هو الرد عسكرياً على الوكلاء في العراق. ويقيناً، إذا استمرت هجمات الوكلاء، قد تحتاج الإدارة الأمريكية حقاً إلى تنفيذ ضربات، ولكن عليها ألا تتسرع. فالإدارة محقة بقولها إنها ستختار زمان وطريقة الردّ على مثل هذه الهجمات، محتفظة بزمام المبادرة وربما خلق ضبابية في أوساط الإيرانيين وميليشياتهم الوكيلة في العراق. ومع ذلك، وبما أن الرئيس بايدن قال في معظم الأحيان إن “الدول الكبرى لا تراوغ”، فإن أي بيان مماثل يحمل في طياته الحاجة إلى التحرك إلا إذا توقفت الهجمات فعلياً.
رابعاً، يجب أن تدرس إدارة بايدن الاتعاظ من كتاب إسرائيل بشأن قواعد اللعبة. فقد أطلقت إسرائيل عدداً لا يحصى من الضربات الجوية على أهداف إيرانية وأخرى تابعة لوكلائها الشيعة في سوريا ولكنها نادراً ما تقرّ بها. لماذا لا تُدرج هذه الخطوة في إطار مجموعة الأدوات الأمريكية؟ في الواقع، لا يجب الإقرار بكل عملية؛ فلا يجب الإقرار بهجوم سري، بما في ذلك حتى ضربة عسكرية ضد موقع إيراني يدعم الميليشيات. وبهذه الطريقة، ستصل الرسالة إلى الإيرانيين ولكنهم لن يكونوا في وضع يُشعرهم بالحاجة إلى الردّ إلا إذا بدت طهران ضعيفة إن لم تفعل. ويجب أن يفهم المرشد الأعلى أن «الحرس الثوري الإسلامي» و«فيلق القدس» يلعبان بالنار، وهي نيران ستُحرق إيران إن لم يتمّ إخمادها. ومع مرور السنوات، أدرك علي خامنئي خطر المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة وتجنبها. وحالياً، يجب تأجيج نار هذه المخاوف من جديد.
إلى ذلك، يجب توجيه جميع هذه الخطوات نحو إقناع الإيرانيين بالتخفيف من حدة حملة الضغط التي يتبنوها واستئناف المفاوضات بشأن المسألة النووية. لكن حتى وإن نجحوا عموماً على الصعيد النووي، من المرجح أن تبقى الحاجة إلى ردع الهجمات الإيرانية العدائية في المنطقة قائمة. وبالفعل، يخشى الإسرائيليون والسعوديون والإماراتيون جميعهم أن تخسر واشنطن ميزتها حتى وإن تمسكت بصيغة الامتثال مقابل الامتثال ولم ترفع العقوبات المرتبطة بالملف النووي إلا بعد التزام إيران من جديد ببنود “خطة العمل الشاملة المشتركة”. في تلك اللحظة، سيسألون لماذا قد تقدّم إيران المزيد من التنازلات سواء على الصعيد النووي أو فيما يتعلق بسلوكها في المنطقة حالما تزول الضغوط؟ لدى الإدارة الأمريكية حجة جيدة بشأن البرنامج النووي: إذا كان رفع العقوبات هو الشيء الوحيد الذي يريده الإيرانيون فعلاً وحصلوا عليه من خلال العودة إلى الخطة، فبإمكان الولايات المتحدة في أي لحظة إعادة فرض العقوبات التي فرضها ترامب بعد التفاوض لفترة زمنية محددة (على سبيل المثال، من اثني عشر إلى ثمانية عشر شهراً) إذا أثبت الإيرانيون أنهم غير مستعدين للتوصل إلى اتفاق يخلف الاتفاق النووي.