بقلم : جمال محسن العفلق
هي الكذبة الأميركية الصهيونية الكبرى، تبدأ بـ لدينا معلومات دقيقة عن هذا البلد او ذاك بوجود نشاط مشبوه، لتبدأ الماكينية الإعلانية بالعمل ويبدأ التحليل وصور أقمار صناعية وتأكيدات لا تقبل الشك انّ هذا البلد لديه نشاط واضح يهدّد السلم العالمي. وبدون مقدّمات يخرج علينا مسؤول أميركي بتصريح واضح يكون نهاية عمله الحكومي ويقول: لم تكن معلوماتنا دقيقة حدث هذا بعد قتل مليون ونصف مليون طفل عراقي. ويحدث اليوم مع إيران التي تدافع عن برنامجها النووي السلمي.
أما في سورية فالوضع مختلف تماماً، تمّ تسليم كلّ المخزون الكيميائي وأقفل الملف ليعود من جديد وبطريقة ساذجة وغبية الحديث عن هجمات منظمة قام بها الجيش السوري على مناطق محدّدة، وتبدأ الماكينة الإعلانية بالحديث والعويل والصراخ على ضحايا تلك الهجمات المزعومة، ولكن المثير انّ عدد ضحايا القصف الجوّي الذي ترعاه الولايات المتحدة أكثر بكثير من العدد الذي تدّعي الولايات المتحدة الأميركية انه سقط نتيجة الهجمات المزعومة في خان شيخون على سبيل المثال، وبالتأكيد هنا لا نميّز بين الضحايا ولا نبرّر قتل واستهداف المدنيين أياً كانوا ومن اي تيار او منطقة ولكن الشيء بالشيء يذكر، فما تدعيه مندوبة اميركا لدى مجلس الأمن ليس إلا مجموعة أكاذيب وافتراءات على شعب يريد الحياة ويقاوم الموت ولم تكسره هذه السنوات من الحصار والدمار.
لماذا الكيميائي السوري اليوم؟
على الخارطة الميدانية لم يعد لدى أميركا قوة كبيرة تنفذ لها ضرباتها النوعية من تفجيرات واستيلاء على مناطق، فداعش يتمّ حصارها في مناطق كانت تسّمى قلعتها، والنصرة واقعة بين التجاذبات الدولية والإقليمية وتسميتها إرهابية أو غير إرهابية يحدّ من دورها الذي انحصر اليوم في إدلب وبعض مناطق ريف حلب وحماة، المدن السورية شبه نظيفة اليوم من تلك المجموعات، والمصالحات تلتهم من تبقى من مرتزقة الصهيونية العالمية، وآخر المحاولات في الاستيلاء على حَضَر كانت فاشلة وكشفت ضعف الرهان الأميركي الصهيوني على المرتزقة، ومن جهة أخرى إصرار حلفاء سورية على إتمام دورهم ورفض ايّ مساومة على دورهم او التقليل منه جعل أميركا تعيد من جديد هذا الملف الى الواجهة، فالولايات المتحدة منذ بداية الحرب على سورية سعت من خلال المجموعة العربية في الأمم المتحدة إلى وضع سورية تحت بند الفصل السابع وفشلت واليوم تسعى وبنفس الأدوات إلى الدفع بهذا الاتجاه وهو ما سوف يسهّل عليها المهمة التي فشلت بعد حرب سبع سنوات ولن تتوقف الولايات المتحدة عن تأليف الأكاذيب حتى لو وصل بها الأمر إلى إخراج أحد الضحايا المزعومين من قبره ليدلي باعترافاته.
لقد فشلت الحرب على سورية إذا نظرنا الى الأهداف الكبرى التي كانت مقرّرة لهذه الحرب، فالمدة الزمنية أطول مما توقعه واضعو المشروع، وفكرة ان تذوب القوة المقاومة في مستنقع الحرب السورية فشلت تماماً بل بالعكس أصبحت اليوم قاعدة مقاتلة أكبر وأوسع من الأول. واكتسب المقاومون خبرات ميدانية كبيرة جداً.
إنّ الفشل الأميركي في الحرب وشعور أعداء سورية باقتراب ساعة النصر السوري أكثر فأكثر، كان لا بدّ من حرب جديدة، فكان لبنان هو الاختيار المثالي لهذه الحرب الجديدة، وهنا لا كيميائي ولا نووي…! هنا مقاومة تهدّد أمن الكيان الصهيوني وتعطّل مشاريع توسعية، وتفكر باستثمار الثروات الطبيعية لهذا البلد من أجل التنمية والاعمار، وبما أنّ الكورس السياسي موجود ويملك وسائل إعلامية وإعلانية ليردّد ما تقوله أميركا، فليكن لبنان نقطة تصفية الحسابات وإدخال الجميع إلى قفص التطبيع، فهذه الحرب إن أشعلت ونجحت كما يعتقد المخططون لها تكون النتائج مزلزلة، فسورية سوف تخسر جبهة داعمة وهي المقاومة وجمهورها في لبنان. ويتمّ نقل اللاجئين السوريين الى الأردن حسب المشروع الأميركي ليُصار الى استثمارهم في المستقبل القريب إما بحرب على الجنوب السوري أو بمعركة داخلية في الأردن الذي ما زال وفق المخطط الصهيوني الوطن البديل للشعب الفلسطيني.
هذا هو الرهان الأميركي اليوم الذي لم يجد من يدعمه على الصعيد الدولي، والواضح هناك من أفسد على الأميركين حلمهم، فما فعله خصوم الرئيس سعد الحريري كان صادماً ووقوفهم إلى جانب رئيس الحكومة المستقيل الخصم لم يكن بالحسبان على عكس ما فعله حلفاء الحريري الذين كانوا الخنجر في ظهر الرجل وفق عدد من الوقائع والكثير من التسريبات.
بكلّ الأحوال ما أوجب إعادة الحسابات هو ماذا لو كانت نتائج الحرب عكس المقرّر وأصبحت فلسطين كلّ فلسطين تحت صواريخ المقاومة فهذه حرب مفتوحة ولا سقف فيها؟ من الذي سيدفع الثمن الأكبر هنا؟ انّ الوجود الصهيوني اقترب من الزوال…
اليوم تغيّرت المعادلات العسكرية والسياسية وعلى أميركا ان تتقبّل الواقع الجديد وتتقبّل انّ أدواتها لم تكن بالمستوى المطلوب لتنفيذ مشروع التقسيم، وما تفعله الادارة الأميركية بالمنطقة هو تخريب وعدوان على شعوبها، فالهدف الذي تسعى اليه الإدارة الحالية هو نهب مقدّرات المنطقة وأخذ ما يمكن أخذه، فالولايات المتحدة يهمّها اليوم تكريس واقع التقسيم السياسي والاقتصادي الذي تنتج عنه سيطرة على كلّ مقدّرات الطاقة، وتعطيل ايّ مشروع إنمائي أو إنساني في المنطقة، ولا أعلم اذا كان خدام أميركا يدركون معنى ما تنشره الصحافة الأميركية المتخصّصة في بيع السلاح عن حجم تطوّر حجم المبيعات وتضخمه في السنوات الثلاثة الأخيرة؟ وهل يدرك من يريد رضا أميركا أنّ ربع الأموال التي صرفت من أجل تدمير المنطقة كانت كفيلة بتغيير حياة شعوب المنطقة الى الأفضل؟ ما قاله وزير خارجية قطر السابق مخز، ولا يجلب الا العار لمن قالة وللذين ما زالوا اليوم يتحدّثون عن «ربيع عربي»، ما أصعب ان تستمع إلى شخص يتبجّح عن الحرية والكرامة مثل رياض حجاب وانت تعلم أنه يحمل في جيبه ورقة مكتوب عليها سعره في سوق المطبّلين لأعداء وطنه! والأسوأ انّ بيانات ما يسمّى ائتلاف الدوحة الخائن يتحدّث عن تلك الضربات الكيميائية المفبركة والتي غاب كلّ شهودها أصحاب القبعات البيضاء حيث تمّت تصفيتهم جميعاً في إدلب بعد تمثيلية خان شيخون الفاشلة.
وأخيراً، إذا كان هناك مشروع حرب كبرى فليكن، فنحن نعيش الحرب منذ سنوات ولن يتغيّر علينا شيء إذا عشنا أشهراً إضافية، ولكن على الآخر ان يعيد حساباته فما هي قدرته على تحمّل نتائج الحرب التي يلوّح بها؟