لافروف في الخليج

1

محمد برهومة

لافروف في الخليج

قد تشير الجولة الخليجية الحالية التي يقوم بها وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى كل من الكويت والإمارات وقطر، إلى احتمالات انتقال موسكو من مربع إلى مربع آخر في سياق تعاطيها مع الأزمة الخليجية. فموسكو، منذ حزيران (يونيو) الماضي، قاربت الأزمة، على ما يبدو، من منظورين: الأول إقليمي يتعلق بمدى تأثيرها في الملف السوري والعلاقة مع إيران وتركيا، والثاني دولي يتعلق بعلاقة روسيا مع الولايات المتحدة وأوروبا.
فقد ظهر أن تداعيات الأزمة واشتعالها لم يتركا أثراً سلبياً على خطط موسكو في سورية، بل أجريت محاولات توسيع إطار «خفض مناطق التصعيد» بنجاحٍ لا يزال مستمراً، كما تم تشجيع الأطراف الإقليمية في الأردن وتركيا والسعودية على تسهيل الطريق أمام فصائل المعارضة السورية المعتدلة نحو تضييق خلافاتها وتوسيع توافقاتها باتجاه التهدئة والحلول السياسية. وعند هذا الحدّ فُهِم أن «بقاء الوضع الراهن» لا يُعطّل مساعي موسكو وخططها في الملف السوري، ومن ذلك توافقاتها مع إيران وتركيا، وبدا أنّ الحديث الروسي القديم-الجديد عن معارضة معتدلة وعن مجموعات إرهابية لا يُواجَه بدرجة الاعتراض نفسها السابقة، بل ذهبت فصائل إسلامية مسلحة متشددة مثل فيلق الرحمن إلى عقد هدنة مع الجانب الروسي، قبل أيام، لوقف إطلاق النار في الغوطة الشرقية للعاصمة دمشق وحي جوبر جنوبها.
ومثلما أنّ الأزمة الخليجية لم تُعطّل توسيع شراكة موسكو مع طهران وأنقرة ودمشق، فإنها أتاحت لها التحرك باتجاه أطراف الأزمة في ظل عدم إنجاز وزير الخارجية الأميركي تيلرسون في جولاته واتصالاته مع الأطراف الخليجية أيّ اختراق يمهّد لتسوية جوانب الخلاف أو حلّها بطريقة جذرية، كما ترغب الدول الأربع المقاطعة لقطر. هنا احتسبت موسكو هذه النتيجة كربحٍ لها قلّص، بدرجة أو بأخرى، من الأفضلية الأميركية في «احتكار» الملف الخليجي أمنياً وسياسياً، من دون أن يعني ذلك، بالطبع، أن لدى موسكو أوهاماً بمنافسة أميركا في هذا السياق والحلول بدلاً منها. غير أنّ جولة لافروف الخليجية الحالية تشي، ربما، بأن ثمة فرصة أمام موسكو للانتقال إلى مربع آخر في التعاطي مع الأزمة الخليجية، وذلك عبر التدخل كطرف دولي وسيط داعمٍ للوساطة الإقليمية التي تقودها الكويت، فضلاً عن أن هذه الجولة تتحسس المصالح الروسية، لضمان عدم تأثرها جرّاء الأزمة الخليجية، بل البحث عن نوافذ جديدة لتوسيعها، في ظل انسداد الأفق السياسي للحل، وهي، للمفارقة، بيئة مثلى للقوى الكبرى في توسيع الشراكات واللعب على وتر تحسين أوراق كل طرف وتكثير مناصريه، أو تحييد اللاعبين الدوليين!

التعليقات معطلة.