لا بد من أن زعيم السعودية لا يهاب غيظ الولايات المتحدة. فواشنطن تعطيه كل ما يريد.

1

سايمون هندرسون

“واشنطن بوست”

تشير تقارير الجهات الاستخباراتية إلى أن المملكة العربية السعودية [أمرت] بقتل الكاتب الصحفي لـ “واشنطن بوست” جمال خاشقجي في قنصلية المملكة في اسطنبول في وقتٍ سابق من هذا الشهر، ربما بناءً على أوامر من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وقد أصر بن سلمان على الرئيس ترامب هذا الأسبوع أنه لا يعرف شيئاً عن الحادثة، بيد أنه نسّق حملةً لقمع النقاد في السنوات الأخيرة بينما يوطّد سلطته تحسباً لاعتلائه عرش السلطة في النهاية.

وإذا كان ولي العهد أو أي شخص آخر في حكومته مسؤولاً، فمن الواضح أنهم اعتقدوا أن باستطاعة السعودية الإفلات من اختطاف خاشقجي وقتله دون استنكار الولايات المتحدة. (أو الأسوأ من ذلك، اعتقدوا أنهم حصلوا على موافقة ضمنية من واشنطن مقدماً.) وهناك سبب لذلك: فقد طوّر محمد بن سلمان علاقةً وثيقة جدّاً مع إدارة ترامب، لدرجة أنه حصل منها على كل ما يريده تقريباً. وفي تفكيره، ربما يكون قد خلص إلى أنه، فيما يتعلق بسياسة الولايات المتحدة، باستطاعته الإفلات من العقاب.

إن العلاقة الأقرب التي بناها بن سلمان هي مع كبير مستشاري الرئيس الأمريكي وصهره، جاريد كوشنر، وقد تم توثيق علاقتهما بشكل جيد (فقد نجح كوشنر في الضغط على ترامب لجعل السعودية أول زيارة يقوم بها للخارج كرئيس). لكن في عام 2017، وقَع الكثيرون في واشنطن ومجتمع الأعمال الأمريكي ووسائل الإعلام في حب محمد بن سلمان وما بدا أنه يمثّله. وشكّل أسلوبه الشخصي الذي يعكس روح الشباب والتجديد تغييراً جذريّاً عن تاريخ الزعماء السعوديين الكبار السّن. فقد أراد تحقيق التحرير الاجتماعي لأمّته، بما في ذلك دور السينما (التي كانت محظورة)، والترفيه الحي كالحفلات الموسيقية، والأهم من ذلك كله، السياسة التي سمحت أخيراً للنساء بقيادة السيارات، والتي نفّذها في حزيران/يونيو. وشملت خططه الطموحة للتحول الاقتصادي التنويع بعيداً عن اعتماد المملكة على النفط؛ وقد يأتي مشروع «رؤية المملكة ٢٠٣٠» بربح محتمل للشركات الأمريكية.

وقد تَسامحَ صانعو السياسات في الولايات المتحدة مع حملته لقمع المعارضة – فقد قام بتطهير وسجن أفراد من العائلة المالكة يمثلون مراكز قوى منافِسة، مثل المستثمر الوليد بن طلال، وطرَدَ دبلوماسيين كنديين لأن أحد المسؤولين شكا من انعدام حقوق الإنسان هناك. أما الهدية الأكبر التي قدّمها ولي العهد للحلفاء الغربيين، فكانت “الإسلام المعتدل” الذي وعد به، والذي من شأنه أن يرفض دعم المملكة السابق للمدارس الدينية الملتبسة والتبرعات الخيرية المشتبه بها. ومن عوامل الجذب الأخرى الموقف الشامل تجاه إسرائيل كجزءٍ من الشرق الأوسط؛ والحاجة لحل القضية الفلسطينية، لكنّ ذلك لن يمنع المملكة من تطوير علاقات تكنولوجية وتجارية مع إسرائيل. ويبدو أن السعودية والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل تشكّل تحالفاً جديداً في مواجهة إيران.

وحقق محمد بن سلمان نصراً كبيراً عندما قرر ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، الذي أدّى في نظر السعوديين إلى تطبيع الحالة النووية الإيرانية دون احتوائها. وكان يُنظر إلى هذا الاتفاق في الرياض على أنه الإهانة القصوى للمملكة، وأظهر أكثر فأكثر تعاطف الرئيس السابق باراك أوباما بشكلٍ طبيعي مع إيران. كما أنه لم يحتوِ تطوير إيران للصواريخ؛ فقذائفها، بما فيها الصواريخ المعدّلة من نوع “سكود”، التي تم تسريبها إلى الثوّار اليمنيين وإطلاقها على أيديهم، تحطّ الآن بانتظام على الأراضي السعودية. وتم استهداف الرياض بوابليْن على الأقل من هذه الصواريخ.

وتشكّل الحرب في اليمن التي بدأت في عام 2015 سياسةً أخرى لمحمد بن سلمان كسبت التأييد الضمني لواشنطن. فقد سعت المملكة إلى الإطاحة بانقلاب رجال القبائل الحوثيين الذين تدعمهم إيران. لكنّ أوجه القصور العسكرية للقوات السعودية في ساحة المعركة قورنت بعدم الكفاءة في الحرب الجوية، مع بلوغ مستويات محرِجة من الضحايا المدنيين الناجمة عن قدرة الاستهداف السعودية غير المثالية تماماً. ووسط الفوضى العارمة، هناك أيضاً مجاعة كارثية تلوح في الأفق. وفي الشهر الماضي، عندما تعهّد أعضاء في الكونغرس الأمريكي بوقف تدفق المساعدات العسكرية الأمريكية إلى الحملة السعودية، أوعز وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى البيروقراطيين بمواصلة إرسال المساعدات، معتبراً أن عدد الضحايا سيرتفع أكثر دون مساعدة الولايات المتحدة. وشكّل ذلك انتصاراً هائلاً لولي العهد الذي قام بتنسيق الحرب.

وحتى قبل النزاع، كانت الولايات المتحدة مزوّد رئيسي للمعدات العسكرية للمملكة، التي هي أكبر مشتر للأسلحة الأمريكية. فهي تقوم بشكلٍ أساسي بشراء طائرات “إف-15” لقوّاتها الجوية، والتي تُستخدم الآن بشكل منتظم لقصف اليمن، لكن الترسانة تشمل أيضاً صواريخ من نوع “باتريوت” لحماية القواعد الجوية والمدن من الهجمات الصاروخية اليمنية، وربما الأهم من ذلك، الذخائر وعقود الخدمات والتدريب التي تدوم لسنوات. وقد رفض ترامب مراراً وتكراراً النظر في فكرة إلغاء أيٍ من ذلك من أجل تشكيل السلوك السعودي، مُظهِراً لمحمد بن سلمان أنه قد يفلت من العقاب.

وغالباً ما تم تحدي المسؤولين المنتخبين في الولايات المتحدة وأوروبا – من قبل الصحفيين ومراقبي حقوق الإنسان وخاشقجي نفسه – حول دعمهم لمحمد بن سلمان. وتكون الإجابة بشكل عام على أن اندفاعه وتسلّطه في الداخل يجب أن يُقترنان بنجاحه في تغيير المملكة من حاضنة الإسلام المتطرف إلى الإسلام السعودي “الحقيقي” الذي يصفه ولي العهد، وهو نموذج معتدل عطّلته الثورة الإيرانية عام 1979. إلا أن الرعب الناتج عن موت خاشقجي والذي يشبه ذلك الذي يقوم به تنظيم «الدولة الإسلامية» – والذي يبدو أنه شمل منشار عظام وطابقاً سفليّاً وأكثر من اثني عشر وكيلاً سافروا من الرياض – يعرّض هذه الصورة للخطر.

وردّاً على ذلك، يتنافس أعضاء من الكونغرس الأمريكي على إيجاد عبارات للإدانة. فالسيناتور ماركو روبيو (جمهوري-ولاية فلوريدا) يتعهّد بردع “سير العمل كالمعتاد” إلى أن يتم تفسير حالة خاشقجي بشكلٍ صحيح، والسيناتور ليندسي أ. غراهام (جمهوري-ولاية كارولاينا الجنوبية) يمزح حول الابتعاد عن السعودية بينما يتواجد هناك محمد بن سلمان. وتخلّى عددٌ من الشركات المعنية بالاستراتيجيات والإتصالات في واشنطن عن السعوديين كعملاء.

ومع ذلك، ترك ترامب نافذةً أخرى مفتوحةً لمحمد بن سلمان بقوله هذا الأسبوع إن مقتل خاشقجي ربّما ارتكبه “قتلة مارقين”. فبعد أن تحدث إلى العاهل السعودي ووريثه، قال إنهما ينكران مسؤولية [ما حدث]، وبدا أنه يشبّه الأسرة المالكة ببريت م. كافانو [القاضي الأمريكي المحافظ الذي عُيّن مؤخراً في المحكمة العليا الأمريكية]، قائلاً، إن العائلة المالكة تُعتبَر “مذنبة إلى حين إثبات براءتها”. فمع أصدقاء كهؤلاء في واشنطن، لا عجب في أن محمد بن سلمان ظنّ أن بإمكانه أن يفلت في كل ما يريده.

التعليقات معطلة.