وائل الشهاوي
تعليقًا على الأحداث المتتالية فى الساحة الإيرانية وما شهدته العديد من المدن الإيرانية فى الأيام القليلة الماضية ومشاركة مجموعات واسعة من المواطنين فى احتجاجات عفوية احتجاجًا على الأوضاع الاقتصادية والسياسية و«الفقر والبطالة» فى البلاد.
حيث بدأت المظاهرات فى مدينة «مشهد» ذات الخصوصية الروحية والثقافية وثانى كبرى المدن الإيرانية، وامتدت لاحقًا إلى مدن: نيسابور وشاهرود وكرمانشاه وقُم ورشت ويزد وقزوين وزاهدان والأحواز.. والعديد من المدن الأخرى، تلاها تجمع طلاب الجامعات فى حرم جامعة طهران وألقوا شعارات داعمة للمظاهرات.
والمتأمل فى الواقع الإيرانى لن يجد مفاجأة فى تصاعد الأحداث فلم تبرز هذه الاحتجاجات بين ليلة وضحاها. ففى عام ٢٠١٦، نظّم المواطنون الذين فقدوا مدخراتهم فى شركات التمويل المفلسة التى تجاوز عددها ٦ آلاف شركة، مظاهرات احتجاجية فى طهران والعديد من المدن الأخرى موجهين انتقادات شديدة اللهجة للحكومة الإيرانية، ووقتها لم تتدخل قوات الأمن ضد المتظاهرين والذين قدرت أعدادهم بعدّة ملايين، ذلك لأنهم لم يقتربوا من المؤسسات الحكومية.
والناظر للمشهد الإيرانى سيجد أن ضحايا الشركات المفلسة هم الغالبية العظمى من المواطنين المشاركين فى المظاهرات الأخيرة، لكن هذه المرة حظيت المظاهرات بدعم الطبقات الفقيرة من المجتمع والمجموعات السياسية المعارضة التى بدأت بالانضمام إلى الاحتجاجات، كما شكلت المطالبة بتحسين الظروف المعيشية فى البلاد والاحتجاج على الفقر والبطالة والأوضاع الاقتصادية السيئة الأهداف الرئيسية للمتظاهرين، إضافة إلى انتقاد التداخل للسياسة الخارجية مع الاقتصاد فى إيران، وتلاحظ ذلك مع رفع المحتجين شعارات من قبيل «لا تنفقوا أموالنا على سوريا وغزة ولبنان»، وهتفوا «الشعب بات كالمتسول»، داعين بالراحة الأبدية لروح شاه إيران رضا بهلوى (حكم إيران ما بين ١٩٢٥ و١٩٤١)، الذى اعتبروه رمزًا لتحديث البلاد.
كما هتف المحتجون بشعارات أخرى أبرزها: «اتركوا سوريا وشأنها واهتموا بأحوالنا»، و«لا لغزة، ولا للبنان، روحى فداء لإيران»، و«يسقط حزب الله»، و«لا نريد جمهورية إسلامية»، و«استقلال وحرية وجمهورية إيرانية». ومما لا شك فيه أن القائمين على السلطة السياسية فى إيران كانوا يتوقعون حدوث هذا الحراك، وذلك بفضل تقارير المؤسسات الاستخباراتية والأمنية التى تصلهم تباعًا، وعليه فقد فضل الساسة عدم إعاقة أو منع الناس من التعبير عن إحباطهم وغضبهم من الحالة المتردية للاقتصاد الإيرانى، خاصة أن غالبية الشركات المفلسة سابقة الذكر مملوكة لشخصيات محافظة.
وعلى الرغم من كل شيء؛ فإن المظاهرات الحالية اكتسبت سياقًا سياسيًا وبدأت بالتطور فى مشهد حمل مفاجآت غير متوقعة للسلطات السياسية. ومع اتساع نطاق المظاهرات فى جميع أنحاء البلاد؛ اكتفى جناحا السلطة بتبادل إلقاء اللوم والاتهامات بالمسئولية عن المظاهرات.
ومع كل ما سبق نجد أن تصريحات القيادات الإيرانية انحصرت جميعها فى النطاق المعتاد فى هذه المواقف من نقد وهجوم للمتظاهرين ونعتهم بأبشع الصفات، وأنهم مدفوعون ومنفذون لأجندات خارجية ويحاولون خلق فتنة فى المجتمع الإيرانى، وهو ما تطور فيما بعد لحجب بعض مواقع التواصل الاجتماعى مثل: إنستجرام وتليجرام، والتى يستخدمها المتظاهرون فى التواصل ونشر فيديوهات الأحداث الجارية فيما بينهم.
وكما قلت فى تصريحات سابقة لى، إن الأحداث التى شهدتها إيران فى السنوات الـثلاثين الماضية، أظهرت أنه لا يمكن من المظاهرات اكتساب أبعادٍ سياسية على المستويات القانونية والاجتماعية والاقتصادية.
وأخيرًا، يمكننا القول إن التقارب الذى توقف بين جناحى السلطة فى إيران (المحافظ والإصلاحي) خلال عهد الرئيس الإيرانى الحالى حسن روحاني، قد أجج الاحتجاجات ضد كلا الجناحين على حد سواء، وفى جميع الأحوال سقوط النظام الإيرانى ضد مصالح أمريكا وإسرائيل وتركيا وقطر فى منطقة الشرق الأوسط، فهل يسمحون بسقوطه، أم سيعملون على إنقاذه، أم أن المشهد الحالى تم تنفيذه ضد أشخاص بعينهم وليس ضد النظام ككل رغبة فى إيصال رسالة ما؟ كل هذه الأسئلة سنجد إجابتها خلال الأيام المقبلة..