في مؤتمر إسطنبول الذي عقد يوم الإثنين الماضي بمشاركة سبع دول إسلامية هي الإمارات وتركيا والسعودية وقطر والأردن وباكستان وإندونيسيا، لبحث مستقبل قطاع غزة، وتثبيت وقف إطلاق النار الذي بدأ يوم 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تم التأكيد على رفض أي وصاية أجنبية على القطاع، وأن يكون الحكم للفلسطينيين وحدهم، وذلك رداً على مخططات مشبوهة لاستغلال نتائج الحرب الإسرائيلية بوضع اليد على القطاع من خلال فرض وصاية دولية عليه بهدف إعادة تشكيل المجتمع الفلسطيني، وإخضاعه للهيمنة الجديدة تحت غطاء الإغاثة والإدارة المؤقتة، وإعادة الإعمار، وهي وصاية بوجه مدني للسيطرة والاستعمار.
بعد سيول الدم، ومساحات الدمار الهائلة والجوع والحصار يدخل قطاع غزة في أخطر امتحان وجودي، وهو أكثر دهاء ومكراً، وهو امتحان الوعي المتعلق بالحق وتقرير المصير، حيث تتبدل أدوات الصراع من الإبادة إلى الوصاية، بمعنى أن المشروع واحد، وهو استمرار الإبادة بأدوات جديدة، من خلال ما يسمى «مجلس سلام» أو «سلطة انتقالية دولية»، أي «الإنسان المقهور الذي يعاد إنتاج قهره تحت عنوان إنقاذه» كما يقول فرانتس فانون في كتابه «معذبو الأرض».
حسناً فعل وزراء خارجية الدول الإسلامية السبع في رفض أي وصاية أجنبية على غزة، لأنهم بذلك قطعوا الطريق على محاولات خبيثة تستهدف وضع الشعب الفلسطيني أمام واقع جديد على مقاس ما تريده إسرائيل ومعها الولايات المتحدة بالانتقال من الإبادة واحتلال الأرض إلى السيطرة على الحياة، وحرمان الشعب الفلسطيني من تولي زمام أمره وإدارة شؤونه وتقرير مصيره، وفقاً لما تقرّه كل القوانين الإنسانية والشرعية الدولية.
يتم استدراج القضية الفلسطينية إلى نموذج جديد من الاستعمار الإداري من خلال ما يسمى «السلطة الإدارية الدولية» و«هيئة إعادة الإعمار»، أي إعادة صياغة غزة بثياب إنسانية على يد من شاركوا في إبادتها، ومحاولة كسر إرادتها، وهو من حيث المضمون تحويل القضية الفلسطينية إلى حالة إنسانية، وليس حالة سياسية لها علاقة مباشرة بالحرية والكرامة والتحرر والحق في إقامة الدولة.
لأن محاولة فرض الوصاية على قطاع غزة تشكل انتهاكاً صريحاً لكل القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، وتلك المتعلقة بحرب الإبادة التي تعرضت لها غزة، والتي تدعو كلها إلى انسحاب القوات الإسرائيلية ورفض الاحتلال وتأكيد حق تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية. ولأن إسرائيل ما زالت ترفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وتصر على الاحتلال وتهدد بمواصلة حرب الإبادة، فإن فرض وصاية جديدة يهدد بخلق أزمات جديدة، ولا يلزم إسرائيل بالانصياع للإرادة الدولية.
إن الشعب الفلسطيني، بدعم من الدول العربية، قادر على تولي أمره بنفسه، وصياغة مستقبله، وتحديد مساره وسياساته، وإعادة بناء مؤسساته، والمحافظة على مشروعه الوطني من دون وصاية من أي طرف، حالما يزول الاحتلال ويتوقف العدوان، ويتم الاعتراف بالدولة الفلسطينية رسمياً بعدما تقتنع الولايات المتحدة بأن أي خطة سلام لا تقترن بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة هي خطة قاصرة ولن تحقق السلام الفعلي.

