أحمد نظيف
ما كاد يتم توقيع الاتفاق الاستراتيجي بين الحكومة التونسية والاتحاد الأوروبي حول الهجرة، حتى أصبح يواجه مخاطر الإلغاء. فقد ظهرت خلال الأسبوع الماضي ثلاثة مؤشرات تشير إلى أن هذا الاتفاق ما زال مجرد إعلان نيات، لم يتحول إلى إجراءات تنفيذية على الأرض، تلبي المصالح المتبادلة للطرفين. المؤشر الأول هو وصول أكثر من 7000 طالب لجوء ومهاجر غير نظامي إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية منذ 12 أيلول (سبتمبر)، وهو ما يتجاوز بكثير قدرة مركز استقبال المهاجرين مع صعوبة تحديد هوياتهم. أما المؤشر الثاني فهو منع وفد من البرلمان الأوروبي بقيادة الألماني مايكل غاهلر (حزب الشعب الأوروبي، المحافظ) من دخول تونس، جاء في مهمة “لفهم الوضع السياسي الحالي فهماً أفضل”. وكان من المقرر أن يلتقي أعضاء المجتمع المدني والنقابيين وممثلي المعارضة التونسية. وفي رسالة موجهة إلى بعثة الاتحاد الأوروبي في تونس، اقتصرت السلطات التونسية على الإشارة إلى أن هؤلاء النواب في لجنة الشؤون الخارجية “لن يسمح لهم بدخول التراب الوطني”. ورد الأخير بأن “هذا الموقف غير مسبوق منذ الثورة عام 2011”، مطالباً بــ”تفسير مفصل”، فيما دعت مجموعة الاشتراكيين والديموقراطيين في البرلمان الأوروبي على الفور إلى التعليق “الفوري” لاتفاق الشراكة. والمؤشر الثالث هو الطلب الذي تقدمت به أمينة المظالم الأوروبية، إميلي أورايلي، إلى المفوضية الأوروبية لتقديم تفسيرات عن كيفية تخطيطها لضمان احترام حقوق الإنسان في الإجراءات المتعلقة بالهجرة الناتجة من الاتفاق الأخير بين الاتحاد الأوروبي وتونس. وفي إشارة إلى المخاوف التي أثيرت بشأن الاتفاقية، تساءلت أمينة المظالم عما إذا كانت المفوضية قد أجرت تقييماً لأثرها على حقوق الإنسان قبل التوقيع على مذكرة التفاهم، وما إذا كانت تعتزم إجراء مراجعة دورية لتأثير الإجراءات المتخذة أثناء تنفيذها على حقوق الإنسان. وطلبت أيضاً توضيحات عما إذا كانت المفوضية قد حددت معايير لتعليق التمويل إذا لم يتم احترام حقوق الإنسان. في تموز (يوليو)، وقعت تونس والاتحاد الأوروبي مذكرة تفاهم (لا ترقى قانونياً إلى مرتبة الاتفاقية)، تتضمن أحكاماً تتعلق بمكافحة الهجرة غير النظامية، بالإضافة إلى الدعم المالي من الاتحاد الأوروبي لتحسين إدارة تونس حدودها. وبموجب المذكرة، سيقدم الاتحاد الأوروبي 105 ملايين يورو للتدريب والدعم الفني لإدارة الحدود التونسية، ومكافحة عمليات مكافحة التهريب، وتعزيز مراقبة الحدود، ضمن نهج يختلف نوعاً ما عن اتفاقية 2016 بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، والتي تهدف بالفعل إلى التحكم في الوافدين إلى أوروبا. واجه الاتفاق معارضة محلية تونسية سياسية ومدنية، اعتبرت أن تونس تحولت إلى مجرد حارس للحدود الأوروبية مقابل المال، وأن هذا النهج السياسي سيؤدي، ليس فقط إلى الإضرار بالسيادة التونسية، بل إلى حملات منظمة لإعادة المهاجرين التونسيين نحو أوروبا قسرياً وانتهاكات ضد المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء. في المقابل، ظهرت ملامح معارضة للاتفاق داخل الاتحاد الأوروبي من جانب بعض الدول، مثل ألمانيا التي اعتبرت أن الاتفاق ينطوي على نوع من الابتزاز، واستغلال الظرف لتحقيق مكاسب مادية، ولتحقيق شرعية للنظام السياسي التونسي الذي يواجه تشكيكاً في شرعيته من المعارضة السياسية والنقابية. كما واجه معارضة من طرف المنظمات الحقوقية الدولية التي اعتبرت أن الاتحاد الأوروبي ينخرط مرة أخرى في سياسة محكوم عليها بالفشل، استناداً إلى التجاهل التام للقواعد الأساسية ومعايير حقوق الإنسان، من خلال تركيز السياسات والتمويل على احتواء اللاجئين والاستعانة بمصادر خارجية لمراقبة الحدود بدلاً من توفير طرق آمنة وقانونية لأولئك الذين يحاولون عبور الحدود بأمان. في بروكسل ما زالت المؤسسات الأوروبية التنفيذية، وعلى رأسها المفوضية، وبدعم من حكومات إيطاليا وفرنسا وهولندا، تدعم بقوة الاتفاق مع تونس، رغم ما يتضمن من مخاطر تهدد حقوق الإنسان واللاجئين. فقد اعتبرت متحدثة باسم المفوضية الأوروبية أن استمرار الحوار “أكثر أهمية في مواجهة التحديات غير المسبوقة التي نواجهها”. وذلك في ردها على دعوة اليسار الأوروبي إلى تعليق الاتفاق. وخلال خطابها عن حالة الاتحاد قبل أيام، استشهدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بهذه الشراكة كمثال، والتي تعتبرها أساساً لاتفاقيات مع دول أخرى، مثل مصر، حيث تأخذ قضية الهجرة مكاناً كبيراً في الحملة الانتخابية الأوروبية القادمة في حزيران (يونيو) 2024. ويعمل البرلمان الأوروبي والدول الأعضاء السبع والعشرون هذا الخريف على توحيد مواقفهم لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاق الهجرة المصمم للاستجابة لتدفق المهاجرين. أما في تونس فالإدارة المنفردة للسلطة التي يسلكها الرئيس قيس سعيد لا تبدو ممتلكةً لمنهجية واضحة في التعامل مع هذا الملف، باستثناء رفع الشعارات “السيادوية” الفارغة، إذ يواصل الاستفادة من ريع الموقع الجغرافي للدولة، من دون أفق واضح، حتى وإن كلف الأمر أن يواصل مهمة حراسة السواحل الأوروبية، على حساب مصائر آلاف المهاجرين التونسيين والأفارقة، مع فركة أذن للجار الأوروبي بين الحين والآخر، لتحقيق مزيد من المكاسب، والمحافظة أساساً على شرعية الاعتراف الغربي في مواجهة فقدان شرعيات الداخل، سواء من ناحية الانتخابات أم من ناحية الإنجازات المعدومة.
المصدر: النهار العربي