كانت لبنان رمزا للحرية والثقافة والتحضر والفن الرفيع ورمزا للسلام والطمأنينة والتعايش السلمي بين مكونات الشعب اللباني، شرعت قوى الشر الضلامية في سبعينات القرن الماضي للعبث بلبنان وتهديد امنه ووحدته الوطنية ، من خلال اشعال الحرب الطائفية بين مكونات الشعب ، استهدفوا لبنان لقتل التجربة الفريدة وطمس معالمها والقضاء عليها ، كي لاتكون مثالا رائعا للعرب يحتذى بها، فخلقوا منها تجربة في غاية السوء والتعقيد ومليئة بالعفن السياسي والطائفية اللعينة، كانت بيروت تشكل حاله نموذجيّة فريدة بالوطن العربي وذلك قبل بدء الحرب الأهلية في 13 نيسان/أبريل 1975، وتعد نموذجا مثاليا للعرب في ممارسة الحياة السياسية الديمقراطية، والتعددية الحزبية، والانفتاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي وممارسة الحريات العامة ، انقلبت لبنان راسا على عقب بعد الحرب الاهلية التي امتدت لخمسة عشر عاما ، انهت النموذج الرائع الذي كان سائدا وخلقت من لبنان بؤرة توتر وحاله سيئة ومدمرة صالحة للتصدير للدول العربية، وخير شاهد على ذلك ماحصل بالعراق وسوريا واليمن ، كان للتدخل الايراني بالشأن اللبناني اثرا كبيرا بأشعال نار الفتنة اكثر بعد قيام طهران بتزويد ودعم “حركة امل الشيعية” بالسلاح والمال ، بالمقابل قامت اسرائيل بدعم وتسليح “حزب الكتائب” المضاد وسط سكوت المجتمع الدولي والموقف العربي الهزيل حينذاك وبدعم كامل من الصهيونية العالمية من اجل ان تكون التجربة في لبنان دموية ومنطلقا للعدوى والتمدد والانتشار خاصةً بعد تاسيس حزب الله برعاية ايرانية في عام 1985 في حين كانت اغلب عناصره منضوية ضمن حركة امل اللبنانية التي تاسست عام 1974 ، كل ذلك من اجل خلق بوادر معادلة جديدة على حساب الصراع القومي مع اسرائيل بأطار ديني مذهبي قاتل للمشروع القومي وبديلا مزيفا عنه وأفراغ الصراع من بعده القومي الذي كان يسود الساحة السياسية العربية حينذاك وجر المنطقة بصراعات داخلية بعيدا عن صراعها التاريخي مع الكيان الصهيوني ، اكتملت وتجذرت فصول تلك المعادلة عام 2003 بعد اجتياح العراق واطلاق العنان للنظام الايراني للعبث بالمنطقة كما يشاء !! ان القوى المسلحة التي رعتها ايران كانت بدايتها من لبنان بتأسيس حزب الله حيث تمكنت بعد ذلك من صنع جيوش لها في اربع عواصم عربية تدافع عن ولاية الفقيه وفكره المتطرف لتدمير المنطقة العربية عبر شعار وفلسفة تصدير الثورة ، اليوم اصبحت تلك الجيوش محل قلق وحذر شديد من قبل دول المنطقة وشعوبها بالوقت اصبح المجمتع الدولي ينظر هو الاخر بعين القلق لتلك المعادلة الاقليمية التي عمل على تأسيسها عام 1979 ، في حين ان القوى المسلحة الموالية لطهران فاقدة لشرعية وجودها الوطني والقومي واصبحت اداة مسلحة تغرد وتهدف وتعمل خارج هموم وطموحات واهداف شعوب الوطن العربي، وقد تشكلت بقوة السلاح والفكر الديني المنحرف على حساب المفاهيم الوطنية والقومية من اجل زرع الفتن واخافة شعوب المنطقة وزعزعت الامن فيها وتهديد وحدة مجتمعاتها واستقرارها برعاية دولية واقليمية ، نجد اليوم ان تلك القوى المسلحة اللادولتية ترفع شعارات تحرير القدس من اجل اضافة الشرعية المزيفة على نشاطاتها دون تفويض واعتراف عربي وتوافق وطني وقومي معها يجعلها تمتلك الشرعية بالقتال لتدافع عن تلك البلدان وقضاياها المصيرية ، وان اختزالها والعبور على كل تلك العناوين والمسلمات يجعل المنطقة هشة وعرضة للانقسام وهدر المزيد من دماء ابنائها على مضض من شعوبها وحكامها ! ولم يقف الوضع عند هذا الحد بل زادت ايغالا بجهلها واستخفافها بدماء ومقدرات ومستقبل الشعوب العربية والتي اصبحت اليوم مهددة بحرب اقليمية شاملة اكثر من اي وقت مضى دون سعيا منها او استعدادا لها ، الامر الذي جعل تلك القوى المسلحة اللادولتية معزولة ومنبوذة من قبل شعوب وحكومات وجيوش العرب ودون دعم او تأييد منها ، مما يعني انها الان محصورة بمنطقة قتل معنوي رهيب قبل ان يكون قتالي وتعبوي، وسط فهم وشعور ينتاب اغلب الفصائل المولية لطهران الان من احتمالية ان النظام في ايران سيتخلي عنها بالحظة المصيرية بأي صفقة دولية مع ايران من شأنها ان تؤدي بالتضحية بهم بعد انتفاء الحاجة لهم ، ان هذا الانقلاب السياسي الدولي بالنظرة للمنطقة والعمل على تغيير المعادلة ألاقليمية فيها من خلال اجتثاث ادواتها التي تاسست عام 1979 عندما عملت الارادة الدولية بالاتيان بنظام ولاية الفقيه في ايران جاء نتيجة المتغير بالنظرة الدولية للصراع العالمي حول المنطقة وعموم الشرق الاوسط دفعت لها اسباب ومعطيات دولية عالمية بظهور روسيا بقيادة بوتين كمنافس قوي ومتحدي محاولاً فرض عالم جديد متعدد الاقطاب بالتعاون مع الصين التواقة لذلك ، وكما هو معلوم فأن الشرق الاوسط احد اهم مناطق العالم تأثرا وجاهزاً لصراع النفوذ الدولي وبلوغ تداعيات ذلك التحدي وتفاعلاتة على مسرح الاحداث السياسية والاقتصادية والعسكرية فيه ، وأول المتاثرين من تلك التداعيات ايران وكل القوى التي تجمعت تحت لوائها كونها احد اطراف المحور الصيني الروسي الايراني الذي اصبح قريب ومتاخم لدول الخليج النفطية بحكم حليفتهم ايران الجارة والمسيطرة على اهم الممرات البحرية العالمية ، فمن المؤكد ستكون المنطقة عرضة للحرب في اية لحظة ، لذلك فأن العمل على تفكيك تلك المعادلة يبدأ من بيروت بعد ان كانت البداية منها لتأزيم المنطقة ، ان الشعوب العربية لازالت يراودها الشك على الرغم من بوادر الحرب وتجحفل القوات العسكرية الغربية حول المنطقة والتي تلوح بالقضاء على تلك المعادلة التي تشكلت بالضد من طموحاتها واحلامها بالعيش بامن وسلام ، فلن يزول هذا الشك الذي يراود الشعوب العربية التي ضاقت ذرعا بالتهور الايراني وقواها المسلحة المهدده لامنها واستقرارها ، حتى ترى ان حزب الله قد تلاشى وايران انتهى نفوذها وماعدى ذلك فهو ضحك على الذقون، بيروت بداية النهاية لتلك المعادلة واللعبة القذرة بعد ان كانت منبعاً ومهدا ومسوقا لها ، ان لبنان وشعبه المكافح اليوم يدفع ثمن القتال الحالي وربما الحرب الشاملة بالمستقبل القريب في حين انه غير مستعد لها ولايؤمن بها ومغصوبا على تحملها وهي ليست حربه ولكن ربما بنهاية ستعيده الى توازنه الاقليمي المفقود والمصادر منذُ عقود .
التعليقات معطلة.