في خطوة تعكس أهمية العلاقات الثنائية بين لبنان ودولة الإمارات العربية المتحدة، جاءت زيارة الرئيس اللبناني إلى أبوظبي بدعوة رسمية من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات. هذه الزيارة، التي حملت رمزية خاصة في توقيتها ومضمونها، لقيت أصداء إيجابية واسعة على المستويين السياسي والاقتصادي، وفتحت آفاقاً جديدة للتعاون بين البلدين، في ظل تحديات داخلية وإقليمية دقيقة.
دلالات الزيارة: دعم سياسي ورسائل إقليمية
أول ما يمكن التوقف عنده هو البعد السياسي للزيارة، إذ إن دعوة رسمية من قيادة الإمارات لرئيس دولة تعاني من أزمات مركبة، سياسية واقتصادية، تعكس موقفاً داعماً وثابتاً من قبل أبوظبي تجاه استقرار لبنان وسيادته. فالزيارة جاءت في لحظة مفصلية، يعاني فيها لبنان من فراغات في مؤسساته، وانقسامات داخلية حادة، ما يجعل هذه المبادرة من الإمارات بمثابة رسالة قوية للمجتمع الدولي، بأن لبنان لا يزال يحظى باهتمام ورعاية من دول محورية في الإقليم.
كما أن استقبال الشيخ محمد بن زايد للرئيس اللبناني بشكل رسمي وحافل، لا يخلو من البعد الرمزي، إذ يشير إلى رغبة الإمارات في إعادة لبنان إلى خارطة الاستقرار والنهوض، وتأكيد دورها كداعم أساسي للمبادرات الهادفة إلى انتشال هذا البلد من أزماته. وبالتالي، فإن هذه الزيارة تمثل انعكاساً للعلاقات التاريخية بين البلدين، والتي لطالما تميزت بالدعم الإماراتي للبنان في أصعب ظروفه.
في الجانب الاقتصادي، تكتسب الزيارة أهمية مضاعفة، إذ إنها فتحت الباب أمام إمكانيات تعاون اقتصادي واعد بين البلدين. فالإمارات، بصفتها مركزاً اقتصادياً عالمياً، تنظر إلى لبنان، رغم أزماته، كبلد زاخر بالفرص في قطاعات حيوية مثل السياحة والعقارات والزراعة، وكذلك المستوى المهني المميز لدى اللبنانيين في الإعلام وإنتاج المحتوى، وأعلن أنه قد جرى خلال الزيارة طرح مشاريع استثمارية إماراتية محتملة في لبنان، مع التركيز على تطوير البنى التحتية، وإعادة إحياء القطاعات الإنتاجية.
في المقابل، تنظر الشركات اللبنانية إلى السوق الإماراتي كسوق واعد ومستقر يمكن أن يفتح لها أبواب النمو والتوسع. وقد تم خلال اللقاءات بين الوفدين، مناقشة آليات لتسهيل دخول المنتجات والخدمات اللبنانية إلى الإمارات، وتشجيع التبادل التجاري، بما يخدم مصلحة البلدين.
كذلك، فإن الاستثمار الإماراتي في لبنان يُعد رسالة ثقة للأسواق الدولية، ويمكن أن يشكل محفزاً لاستثمارات إضافية من دول أخرى. ولا شك أن أي تقدم اقتصادي سيعيد شيئاً من الأمل للشارع اللبناني، الذي ينتظر بصيص ضوء في نهاية نفق الأزمات الممتدة.
الدعم الدولي والمزاج الشعبي
من أبرز ما تعكسه الزيارة أيضاً هو الزخم الدولي المتنامي حول الرئيس اللبناني، والذي يحظى بقبول في العواصم الإقليمية والدولية. فالزيارة إلى الإمارات، وهي من العواصم المؤثرة في القرار العربي والدولي، تعني أن ثمة مساحة دعم دولي بدأت تتشكل لصالح مشروع إنقاذ لبنان، إذا ما أحسن القادة اللبنانيون التقاط الفرصة.
وهنا يتقاطع المزاج الشعبي اللبناني مع تطلعات الزيارة، إذ بات المواطن اللبناني يدرك أن الحلول لن تأتي من الداخل فحسب، بل تحتاج إلى مظلة عربية داعمة تضمن الاستقرار السياسي وتفتح المجال أمام الإصلاح الاقتصادي. وكأن لسان حال الشارع اللبناني يقول بنبرة تفاؤل حذرة: “إذا أتتك رياحك فاغتنمها”، إذ إن مثل هذه الفرصة يجب أن تُستثمر لأقصى حد، خاصة إذا ما اقترنت بإرادة إصلاحية فعلية داخلية.
في المحصلة، فإن زيارة الرئيس اللبناني إلى أبوظبي ليست مجرد محطة دبلوماسية، بل هي اختبار لنوايا الداخل اللبناني وقدرته على الاستفادة من الفرص. فالإمارات أرسلت إشارات واضحة بأنها منفتحة على دعم لبنان، اقتصادياً وسياسياً، ولكن لا بد أن يقابل هذا الانفتاح بخطوات جدية من بيروت نحو الإصلاح ومحاربة الفساد وإعادة بناء المؤسسات.
إن هذه الزيارة تحمل في طياتها الكثير من الأمل، ولكنها في الوقت نفسه تضع الجميع أمام مسؤولية تاريخية. فهل ينجح لبنان في استثمار “رياحه”، أم تضيع مجدداً فرصة ذهبية للعودة إلى الخريطة الإقليمية والدولية؟ الأيام القادمة كفيلة بالإجابة، ولكن الأمل كبير، والدعم متاح، والرياح مواتية.
خلال اللقاء الرئاسي ذكر سمو الشيخ محمد بن زايد لضيف الإمارات الكريم، والتي يزورها للمرة الاولى، بأن سموه قد شارك في قوات الردع العربية التي أُرسلت إلى لبنان عام 1976، وذلك في إطار مهمة حفظ السلام التي أقرّتها جامعة الدول العربية لاحتواء الحرب الأهلية اللبنانية. تُعد هذه المشاركة أولى المهام الخارجية للقوات المسلحة الإماراتية، وقد استمرت حتى عام 1979، لم يكن الشيخ محمد قد بلغ العشرين من عمره آنذاك.
في المؤتمر الصحافي الذي عقد احتفاء بالزيارة، ذكر فخامة الرئيس اللبناني أن سمو الشيخ محمد بن زايد، قال له عن جاليته اللبنانية المقيمة في الإمارات بأنها الأقل في نسبة ارتكاب الجريمة في دولة الإمارات، وهذا يشير إلى أن اللبنانيين مندمجون ومنتجون، وكنتيجة طبيعية أغلبهم ناجحون في أعمالهم.
عندما نغني معاً “راجع راجع يتعمر راجع لبنان” نقولها من القلب، ولنعمل من الآن لتصبح واقعاً وليس تمنياً.