وليد خدوري
بعد سنوات من الخلافات السياسية والكيدية التي أدت الى تأخير البرنامج البترولي اللبناني طوال هذا العقد، يتضح الان ان الكونسورتيوم المتكون من شركات “توتال” الفرنسية و “ايني” الإيطالية و “نوفاتيك” الروسية سيبدأ الحفر خلال الفصل الرابع من عام 2019 في بلوك رقم 4 في المياه الشمالية للمنطقة الاقتصادية الخالصة.
واتفق أعضاء الكونسورتيوم أن تقوم “توتال” بالحفر في بلوك رقم 4. ومن المعروف ان الكونسورتيوم كان فاز أيضاً بالاستكشاف والتنقيب في بلوك رقم 9 الجنوبي. وعكف الكونسورتيوم منذ اختياره أوائل عام 2018 على دراسة بيانات المسح السيزمي التي أعدتها شركات متخصصة لمصلحة الحكومة خلال السنوات الماضية. ودأب الكونسورتيوم على دراسة الاثار البيئية المترتبة على التنقيب والإنتاج في البلوك رقم 4، كما هو منصوص عليه في الاتفاقات مع السلطات البترولية اللبنانية.
لقد أعطيت الأولوية للحفر في بلوك 4 الشمالي لأسباب عدة، منها أمني وسياسي نظرا الى احتلال إسرائيل جزءاً من البلوك رقم 9، وأيضاً لأسباب مهنية حيث يتيح التنقيب في بلوك 4 دراسة الأجزاء الشمالية من الصخور المكمنية “اوليغوسين” و”ميوسين” حيث هناك تركيبات رملية فيها شبيهة لما هو متواجد في بعض الحقول المكتشفة في قبرص وإسرائيل، والصخور المكمنية “كاربونيت” المتواجدة في حقل “ظهر” العملاق في مصر الذي اكتشفته شركة “ايني ” صيف عام 2015.
وبحسب العقد الموقع ما بين السلطات اللبنانية والكونسورتيوم في أوائل عام 2018، يتوجب حفر بئر استكشافية واحدة على الأقل خلال السنوات الثلاث الأولى من تاريخ العقد، وان يتم حفر البئر الاستكشافية الثانية خلال الفترة المتبقية. وسيتم تحديد برنامج الكونسورتيوم بعد الانتهاء من حفر البئرين الاستكشافيتين، فيما اذا هناك مؤشرات لاستكشاف تجاري ام لا. وفي حال اكتشاف كميات بترولية تجارية (نفطية او غازية) يبدأ العمل على تطوير الحقل للتهيئة للإنتاج.
ويواجه لبنان صعوبات عدة حتى الآن في ترسيم حدوده البحرية الجنوبية والشمالية حيث المناطق الاقتصادية الخالصة. واحتلت إسرائيل أجزاءً من بلوكات 8 و9 و10 الجنوبية الحدودية، كما لم يتم ترسيم رسم الحدود البحرية الشمالية مع سورية، ما قد يؤثر في وضع بلوك رقم 2، الذي يقع شمال بلوك رقم 4 ويحاذي المياه السورية، وبلوك رقم 1 شمال بلوك رقم 3 والذي يحاذي أيضاً المياه السورية.
وبالفعل منحت السلطات البترولية السورية خلال السنوات الماضية عقداً للاستكشاف والإنتاج لشركة روسية في مياهها الجنوبية، ما تداخل مع احدى البلوكين اللبنانيين رقم 1 أو 2. وتم تجاوز هذا الأمر في حينه، بالذات لانسحاب الشركة الروسية من تنفيذ العقد بعد فترة وجيزة من التوقيع عليه.
ولكن الامر أكثر تعقيداً في الجنوب. فبعدما أعلنت الحكومة اللبنانية رسمياً عن حدودها البحرية وأودعت الخريطة واحداثها مع الأمين العام للأمم المتحدة، قامت إسرائيل برسم حدودها البحرية التي تتداخل في المياه اللبنانية وتدل على احتلال أجزاء من البلوكات الجنوبية الثلاث 8 و9 و10. وبالذات بلوك رقم 8 حيث يتضح احتلال مساحة ضخمة من هذا البلوك الواقع في اقصى الجنوب الغربي من المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية، ما سيجعل من الصعب جداً استثمار الثروة الطبيعية لهذا البلوك. وتشكل المطامع الإسرائيلية في البلوكين 9 و10 تحديات أخرى. وعلى رغم عدم إعلان إسرائيل عن عمليات اكتشافية في المياه اللبنانية المحتلة، الا ان إسرائيل اكتشفت حقولاً قريبة جداً منها، أحدها حقل “كارين” الذي يبعد نحو 5 أميال عن منطقة رأس الناقورة اللبنانية الجنوبية. وهناك أيضاً بالقرب من المياه اللبنانية حقول “تنين” و”تامار” الضخم الذي بدأ الإنتاج. وهناك حذر من قيام إسرائيل بالحفر الافقي من حقولها هذه لشفط البترول من المياه اللبنانية المجاورة. وحاولت الولايات المتحدة خلال السنوات الماضية التفاوض مع الطرفين اللبناني والإسرائيلي لإيجاد حل، لكن من دون جدوى.
وتعمل السلطات البترولية اللبنانية على إمكان طرح 4 بلوكات أخرى للمزاد للشركات البترولية العالمية قبل نهاية العام الحالي، اذا سمحت الأوضاع السياسية في البلاد، وعدم تعطيلها أو تأجيلها كما حدث سابقاً. وتجري الاتصالات حالياً لجس نبض الشركات المهتمة بالعمل في المياه اللبنانية. ويتوقع ان تطرح في الجولة الثانية 4 بلوكات موزعة ما بين الشمال والوسط والجنوب.
كاتب عراقي متخصّص في شؤون الطاقة.