صبحي ساله يي
اللعبة التي تلت الإنتخابات البرلمانية العراقية في كوردستان، شبيهة بلعبة صيف 2015 من حيث الرائحة واللاعبين، والإنقسام الحاصل، وعدم التوافق بين الأطراف الكوردستانية، وإطلاق العنان لرغبات إدخال البلاد في الفوضى وجر الأوضاع الى اللحظات الحرجة وحافة الهاوية. ومن حيث تقليل الخيارات المتاحة أمام الكوردستانيين، من أجل الحصول على أكبر قدر من المكتسبات أو الفوز بالجمل بما حمل أووضع العصا في العجلة وعرقلة سير الامور كما هي. ومن حيث اللجوء الى لي الأذرع وعدم القبول بالسياقات الدستورية والقانونية.
من أدار تلك اللعبة والضجة غير المسبوقة البعيدة عن التوقع في تلك الأيام الحارة، والتي جلبت معها الكثير من العقد، يحاول إعادتها في هذه الأيام الأكثر حرارة لنتجه نحو مرحلة أكثر تعقيداً وتشويشاً على العملية السياسية برمتها.
في صيف 2015، أثناء مناقشة برلمان كوردستان لقانون رئاسة الإقليم، حاول الذين كانوا يعتقدون أن بإمكانهم أن يلعبوا أدوراً أكبر من أحجامهم، وأن كل مشكلة، مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني، حتى لو لم تمت للحقيقة بصلة، تشكل الجائزة الكبرى التي تسمح لهم بلعب دور أكبر على الصعيد الداخلي والإقليمي من جهة، وخطف الانتصارات التي تحققت في الإقليم من جهة اخرى، إقحام الكوردستانيين في خلاف مبني على أوهام تقيم في عقول مريضة ليس الّا، وكاد هذا الإقحام وإنعكاساته أن يؤدي الى التصادم البينيوتشتيت الإقليم وتدمير ما تم بنائه، ولكن بحكمة ووعي الرئيس مسعود بارزاني وتمسكه بوعده الجازم على أن الدم الكوردي على الكوردي حرام، والصبر الكبير الذي يتمتع به في امتصاص الغضب. وبالأداء المهني لحكومة الإقليم، برئاسة نيجيرفان بارزاني، التي إستطاعت رغم كل تلك العواصف الشديدة أن تتخطى محاولات إثارة الفوضى الممنهجة، وبشق أنفس المخلصين من أبناء كوردستان، تم تداركه.
اللعبة الحالية لاتختلف عن القديمة التي طرحت ومهدت لتدخل الآخرين في شؤوننا الداخلية، والدعوة لإلغاء الأصوات الخاصة بالبيشمركه والقوات الأمنية الكوردستانية دون سبب، لصالح أهداف ومرامي سياسية، لاتختلف عن دعوات صيف 2015، خاصة وأن الغاء التصويت الخاص ليس من مصلحة الكورد عموماً، وليس هناك أسباباً مقنعة وكافية للدخول في مأزق معلوم النتيجة، والإنصياع لنزوات ونزعات شخصية متضخمة ومطامع حزبية غير واقعية، رغم وجود خيارات أخرى، أسهلها الطعن والإعتراض وتقديم الشكوى الى الجهات المختصة، وإنتظار النتيجة القانونية والدستورية، وبعد ذلك القبول بالأمر الواقع والإعلان عن الموقف الرسمي ببيان يذكر فيه كل التفاصيل الدقيقة.
الظروف الموضوعية الحالية في كوردستان والعراق والمنطقة برمتها، تفرض التقرب الجاد بين جميع القادة السياسيين والفاعلين في صنع القرار، خصوصاً وأن غالبيتهم صرحوا، ولو بتعابير مختلفة، بأنهم مع طي صفحة الماضي وتقديم بعض التنازلات عن الحقوق والإستحقاقات السياسية والقانونية وتخفيض سقف المطالب، وتفرض على المخلصين بالذات الإرتقاء الى مواقع المسؤولية التاريخية، وترك السكوت أو التحدث مع الذات لصنع الأفكار ورسم الصور عن طريق همسات خافتة وغامضة، والتشاور مع غيرهم وأبداء الحكمة والفضيلة وطرح المبادرات والمشاريع وأوراق وخرائط الطرق التي تؤكد على ضرورة تجاوز الخلافات وتضميد الجراحات النازفة بروح وطنية وبثقة عالية بالنفس، وبعث الأمل والطمأنينة للجميع عبر مناقشة الخلافات والاشكاليات وإستجداء الحلول السياسية الآنية من خلال إدارة حوارات جادة هادئة بعيدة عن التشنج، والوصول الى تحديد الأولويات وضبط النفس والتحكم بها.