منى العلمي هي صحفية لبنانية فرنسية تركز كتاباتها على القضايا السياسية والاقتصادية في العالم العربي. وقد أجرت بحثاً موسعاً حول الحركات الإسلامية المتطرفة في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين والحركات السلفية في لبنان والأردن وحزب الله وتنظيم القاعدة في غرب لبنان. العلمي هي أيضا زميل في المجلس الأطلنطي وكبير الباحثين في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية
في 24 أيار/مايو، وعقب الانتخابات البرلمانية التي جرت في وقت سابق من الشهر نفسه، تم تكليف رئيس الوزراء الحالي سعد الحريري بتشكيل الحكومة المقبلة. ولكن في حين يحافظ “تيار المستقبل” الذي يرأسه الحريري على مركزه كأكبر حزب بقيادة سنية، تمكّن “حزب الله” وحلفاؤه من الفوز بأغلبية المقاعد في البرلمان. وقد مضى نحو خمسة أشهر، وعلى الرغم من بروز بصيص أمل مؤخرًا، لا يزال تشكيل الحكومة معطلاً بسبب الخلافات بين مختلف الكتل السياسية – كحليف “حزب الله” “التيار الوطني الحر” المسيحي و”الحزب التقدمي الاشتراكي” الدرزي – التي تقاتل على الحقائب الوزارية. وتشمل العوامل الإضافية التي تؤدي إلى تعقيد هذه العملية تهديدات إدارة ترامب ضد إيران، وأزمة اقتصادية غير مسبوقة، وجلسات المرافعات الختامية للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي عُهد إليها بمحاكمة أعضاء “حزب الله” بتهمة اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، وهو والد سعد الحريري، في فبراير/شباط 2005.
ونظرًا لاستمرار التأخير في تشكيل حكومة لبنانية والتأثير السلبي الذي قد يحمله استمرار حالة عدم اليقين السياسي على “حزب الله”، ستكون من الحكمة أن يمتنع الحريري عن ترؤّس مجلس الوزراء القادم. فمن عجيب المفارقات أنه من خلال مواصلة مهامه كرئيس للوزراء، قد يكون الحريري في الواقع يساعد خصمه السياسي “حزب الله” في وقت تواجه فيه الجماعة العسكرية محنةً متزايدة. فإنّ الظروف المحلية والخارجية مهيّأة بطريقة بحيث إذا أجبَر الحريري “حزب الله” وحلفاءه على القيام بدور مباشر أكبر في الحكومة، فإن المسؤولية الإضافية قد تتفاقم مع تحديات أخرى أوسع تهدد “حزب الله” وتساعد على تقويض قاعدته الانتخابية.
فمن جهة، نجح “حزب الله” في تحقيق فوز كبير في الانتخابات الوطنية الأخيرة. ففي شهر أيار/مايو، مكّن النظام الانتخابي الجديد التحالف الشيعي المؤلّف من “حزب الله” و”حركة أمل” من الحصول على 26 مقعدًا من أصل 27 مقعدًا شيعيًا في البرلمان المؤلف من 128 مقعد. وبحسب الخبير الانتخابي كمال فغالي، تبلغ كتلة “حزب الله” النيابية الآن 45 مقعدًا برلمانيًا إذا أخذنا بعين الاعتبار تحالفاته مع “الحزب القومي السوري” و”حزب المردة” المسيحي. وفي حزيران/يونيو الماضي، أشاد الجنرال الإيراني قاسم سليماني بـ”حزب الله” والجماعات التابعة له على ما حققوه من مكاسب في الانتخابات البرلمانية اللبنانية، زاعمًا أن الحزب “فاز بـ74 مقعدًا من أصل 128 مقعدًا في البرلمان”، وهو رقم شمل المقاعد التي فاز بها حليف “حزب الله” “التيار الوطني الحر”.
إلا أنّ هذه الزيادة في سلطة “حزب الله” لا تدعو إلى الدهشة. فعلى الرغم من خسارته الأغلبية البرلمانية عام 2005، أي في السنة التي اغتيل فيها رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، ما انفكّ “حزب الله” يزداد رسوخًا وانتشارًا في لبنان على مدى السنوات الـ13 الماضية. كما أدّت حملة الاغتيالات التي نفذها “حزب الله” بدعم من إيران وسوريا، والتي استهدفت أعضاء تحالف 14 آذار المناهض لإيران وسوريا، إلى حدوث أزمة سياسية استمرت 18 شهرًا نتج عنها اشتباكات في الشوارع وشلل في البرلمان. علاوةً على ذلك، بالرغم من تصوير اتفاق أيار/مايو 2008 بين الحكومة اللبنانية وقوات المعارضة كوسيلة ضرورية لإنهاء الأزمة السياسية اللبنانية، كان الترتيب بمثابة نعمة بالنسبة إلى “حزب الله” لأنه مكّن التنظيم من استخدام حق الفيتو ضد قرارات الحكومة.
ولكن في حين أن الجماعة المسلحة قد عززت قبضتها في موطنها، تجد نفسها في موقف محفوف بالمخاطر بشكل متزايد بسبب تورطها على الصعيد الدولي. وفي أيلول/سبتمبر، ركزت المرافعات الختامية للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان على تورط المتهمين الأربعة التابعين لـ”حزب الله” في اغتيال رفيق الحريري. وبما أن إعادة فرض العقوبات الأمريكية في 4 تشرين الثاني/نوفمبر ستؤدي بالتأكيد إلى انخفاض حاد في عائدات النفط الإيراني، سيزداد التمويل الذي توفره إيران لوكلائها شحًا. علاوةً على ذلك، تستهدف الولايات المتحدة حلفاء طهران أيضًا كجزء من سياستها المناهضة لإيران: فقد أصدر الكونغرس هذا الشهر مشروع قانون جديد (S.1595) يفرض عقوبات جديدة على الأشخاص الأجانب ووكالات الحكومات الأجنبية التي تزود “حزب الله” بالمساعدات المالية والأسلحة أو أي مساعدات أخرى. كما سبق أن فرضت الولايات المتحدة وشركاؤها الخليجيون عقوبات إضافية على قيادة “حزب الله” في أيار/مايو من هذا العام.
بالإضافة إلى ذلك، إلى جانب التعامل مع ساحة دولية عدائية وتهديد المنافسين الإقليميين، يتعين على “حزب الله” الآن أن يجد طريقةً لاسترضاء قاعدته السياسية الشيعية، التي ترزح في ظل الممارسات السيئة للحكم في لبنان. وبالفعل، مع استمرار ارتفاع مخاطر المالية الكلية، تراجعت معدلات النمو السنوية إلى ما بين 1 و2 في المئة، واستمر الدين العام – الذي بلغ في أواخر عام 2017 أكثر من 150 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي – في الارتفاع، وأصبح المحللون اللبنانيون أكثر حذرًا من أزمة مالية وشيكة.
كما تواجه البلاد أيضًا أزمة سيولة كبيرة أدّت إلى حالات من الإفلاس وتقليص حجم الشركات في القطاع الخاص. ويبدو الآن أن شركات مثل العملاق العقاري “سايفكو” تكافح من أجل البقاء، غير أنه لا توجد بنية أساسية مؤسسية كافية للحد من انهيارها أو انهيار الشركات الكبرى الأخرى. وما يزيد الطين بلةً هو أن الفساد المتفشي في البلاد يبدو أنه في ازدياد. ففي الواقع، وبحسب بعض المؤشرات، ارتفع تصنيف الفساد العالمي للدولة اللبنانية بين عامَي 2005 و2017 من 63 إلى 143.
وبالتالي، من خلال رفضه قيادة عملية تشكيل الحكومة، سيجبر الحريري “حزب الله” وحلفاءه على التعامل مع هذا العبء بمفردهم. وبهذه الطريقة، قد يتمكن للحريري أيضًا من وضع “حزب الله” تحت ضغط مالي كبير. ففي نهاية المطاف، تستند قدرة الحكومة اللبنانية على تأمين الاستثمار البالغ 11 مليار دولار الذي تعهدت به الجهات المانحة الدولية خلال اجتماع في باريس في نيسان/أبريل الماضي، بشكل كبير إلى الثقة في رئيس الوزراء وحلفائه – وهذه الثقة لا تشمل “حزب الله”.
وإذا وضعنا الاقتصاد جانبًا، فإن دعم الحريري يمنح “حزب الله” أيضًا شكلاً من أشكال الشرعية الدولية. فاليوم، يجادل عدد كبير من النقاد في الولايات المتحدة بأن الدولة اللبنانية و”حزب الله” هما كيان واحد. لذا، يمكن لغياب الحريري أن يثبت صحة هذه الحجة وأن يزيل غشاء الاحترام الذي يوفّره.
وبالتالي، يُعد رئيس الوزراء الحالي في موقع القوة. ولا شك في أن انسحاب الحريري من الحكومة سيحمل عواقب مؤلمة على المدى القصير، لكن لبنان قد يكون بحاجة إلى صدمة سياسية قاسية لإنهاء التدهور البطيء لكن المرتقب الذي تواجهه البلاد.