لم يكن العراق يومًا بلدًا فقيرًا، ولم يكن شعبه يومًا عاجزًا عن بناء دولة قوية ومستقرة. لكنه اليوم يحتل مكانة متقدمة في قوائم الدول الأكثر فسادًا في العالم، وأصبحت أخباره تتصدر عناوين الفضائح المالية وسرقة المال العام. فكيف وصلنا إلى هذه المرحلة؟
من دولة غنية إلى غنيمة مقسمة
بعد عام 2003، تحوّل العراق من دولة تملك ثروات نفطية هائلة وموقعًا استراتيجيًا مهمًا، إلى ساحة مفتوحة لتقاسم النفوذ والسلطة. أُسِّس نظام المحاصصة الطائفية والقومية، حيث لم يعد معيار الكفاءة أو النزاهة شرطًا لتولي المناصب، بل الانتماء الحزبي والطائفي. وصار العراق أشبه بشركة تتقاسم أرباحها مجموعات متنفذة، بينما المواطن العراقي يزداد فقرًا ومعاناة.
الفساد المقنن والمحمِي بالقانون
لم يعد الفساد مجرد تجاوزات فردية، بل أصبح جزءًا من هيكل الدولة. العقود الوهمية، الرواتب المزدوجة، تهريب النفط، والاستحواذ على الأموال العامة بغطاء قانوني، كلها أمور جعلت من الفساد نظامًا مؤسساتيًا محميًا بشبكات متداخلة من الأحزاب والميليشيات. حتى القضاء، الذي يُفترض أن يكون صمام أمان الدولة، بات في كثير من الأحيان خاضعًا للضغوط السياسية.
أموال العراق في حسابات خارجية
تكشف التقارير عن مليارات الدولارات التي تُهرّب سنويًا إلى بنوك أجنبية، فيما يعاني العراق من نقص الخدمات الأساسية، وانهيار البنى التحتية، وتفشي الفقر والبطالة. هذه الأموال، التي كان يُفترض أن تُخصص لبناء المدارس والمستشفيات وإعمار المدن، تحوّلت إلى أرصدة شخصية لمسؤولين نافذين، يجدون الحماية داخل وخارج العراق.
الصمت الدولي والتدخلات الخارجية
المفارقة أن المجتمع الدولي، الذي يرفع شعارات مكافحة الفساد، يتعامل بمرونة مع هذه الكارثة، طالما أن المصالح السياسية والاقتصادية الكبرى مؤمنة. في المقابل، تستفيد بعض الدول الإقليمية من ضعف العراق، فتعزز نفوذها عبر دعم شخصيات وأحزاب فاسدة، لضمان استمرار هيمنتها.
هل من أمل للخلاص؟
على الرغم من هذه الصورة القاتمة، فإن العراق لم يفقد الأمل تمامًا. هناك وعي شعبي متزايد، وحراك سياسي بدأ يكسر حاجز الصمت. ومع تصاعد الغضب الجماهيري، وظهور دعوات للإصلاح الحقيقي، قد يصبح التغيير ممكنًا إذا وُجدت قيادة وطنية قادرة على استعادة الدولة من براثن الفساد.
العراق لم يكن يومًا بلدًا للفضائح والسرقات، بل أصبح كذلك عندما تُرك الفاسدون ليحكموا دون محاسبة. فهل سيأتي اليوم الذي تُعاد فيه أموال العراق إلى أبنائه، بدل أن تظل حبيسة الحسابات السرية وأيدي الفاسدين؟