لماذا أُلغي قانون الحرب على العراق واستُبدل بقانون جديد؟

4

 

 

لم يكن إلغاء “قانون الحرب على العراق” خطوة إجرائية عابرة في سجلّ الكونغرس الأميركي، بل جاء تعبيرًا متأخرًا عن تحوّل عميق في مقاربة الولايات المتحدة لواحدة من أكثر الحروب إثارة للجدل في تاريخها الحديث. فالقانون الذي أُقِرّ عام 2002 لم يكن مجرد تفويض عسكري، بل كان إطارًا سياسيًا وقانونيًا شرعن الغزو، وأسّس لمرحلة طويلة من التدخل المباشر، وألقى بظلاله الثقيلة على العراق والمنطقة بأسرها.

رغم أن أول تفويض أميركي للحرب على العراق صدر عام 1991، فإن القانون الذي ظلّ يحكم المشهد القانوني لغزو 2003 وما بعده هو تفويض عام 2002، وهو ما جرى إلغاؤه لاحقًا.

قانون وُلد للحرب… وبقي بعدها

صدر قانون تفويض استخدام القوة العسكرية ضد العراق في مناخ مشحون بالخوف بعد أحداث 11 أيلول، واستند إلى سرديات “التهديد” و”أسلحة الدمار الشامل”. لكنه، بعد سقوط النظام العراقي، تحوّل إلى غطاء قانوني مفتوح يتيح للإدارات الأميركية المتعاقبة تبرير وجود عسكري وتدخل سياسي، حتى بعد تغيّر الوقائع وسقوط الذرائع التي بُني عليها.

ومع مرور الوقت، بات القانون أشبه بنصٍّ خارج الزمن: حرب انتهت رسميًا، لكن تفويضها القانوني ظل قائمًا، ما خلق تناقضًا صارخًا بين الخطاب السياسي والواقع القانوني.

الإلغاء: اعتراف متأخر بالخطأ

إلغاء القانون لا يمكن فصله عن مراجعة أوسع داخل واشنطن لتجربة “الحروب المفتوحة”. فالكلفة البشرية، والانقسام الداخلي، وفقدان المصداقية الدولية، كلّها عوامل دفعت صناع القرار إلى الإقرار ، ولو ضمنيًا ، بأن الإبقاء على قانون حرب فقد مبرراته لم يعد ممكنًا.

كما أن الإلغاء حمل رسالة سياسية مزدوجة:

داخليًا: تأكيد على دور الكونغرس في كبح التفويضات العسكرية المفتوحة، ومنع استخدامها خارج سياقها الأصلي.

خارجيًا: إشارة إلى أن العراق لم يعد “ساحة حرب” قانونيًا، بل دولة يُفترض التعامل معها ضمن أطر السيادة والعلاقات الثنائية.

لماذا قانون جديد؟

لكن الإلغاء وحده لم يكن كافيًا. فالفراغ القانوني في ملف حساس كالعراق قد يربك السياسة الأميركية. من هنا جاء التفكير بقانون أو إطار جديد يحدد طبيعة العلاقة، ويضبط أي وجود أو تحرك مستقبلي وفق معايير مختلفة.

القانون الجديد بصيغته العامة لا يُفترض أن يكون تفويض حرب، بل إطارًا ينظم:

أشكال التعاون الأمني بطلب من الحكومة العراقية.

حدود استخدام القوة، وربطها بتهديدات محددة لا بتفسيرات فضفاضة.

إخضاع أي تحرك عسكري لرقابة سياسية وتشريعية صارمة.

العراق بين النصّ والواقع

من زاوية عراقية، يحمل هذا التحول دلالتين متناقضتين: الأولى إيجابية، تتمثل في إسقاط أحد أخطر الرموز القانونية للاحتلال، وإغلاق صفحة تفويض كُتب خارج إرادة العراقيين. أما الثانية، فهي أن القوانين مهما تغيّرت لا تُلغي تلقائيًا واقع النفوذ والتدخل، ما لم تُترجم إلى سياسة تحترم السيادة فعلًا، وتنتقل من إدارة الأزمات إلى بناء شراكة متوازنة.

 

 ان إلغاء قانون الحرب على العراق واستبداله بقانون جديد ليس تصحيحًا تاريخيًا كاملًا، بل محاولة لإعادة ضبط المسار بعد سنوات من الأخطاء. هو اعتراف بأن الحروب لا يمكن أن تُدار إلى ما لا نهاية بنصوص قديمة، وبأن الشرعية القانونية لا تقل أهمية عن القوة العسكرية.

لكن السؤال الأعمق يبقى مفتوحًا:

هل يعكس القانون الجديد نهاية عقلية “العراق كساحة”، أم مجرد تحديث لغوي لأدوات النفوذ؟

الإجابة لن تُكتب في النصوص، بل في السياسات على ارض الواقع .

التعليقات معطلة.