إجراءات حكومية وعوامل موقتة تدعم العملة لكن ليس لوقت طويل في الغالب
أحمد مصطفى صحافي متخصص في الشؤون الدولية
ارتفاع الفائدة وإعادة بعض إجراءات الانضباط المالي وزيادة عائدات صادرات النفط ترفع قيمة الروبل مقابل الدولار واليورو واليوان (اندبندنت عربية)
تبدو العملة الروسية الروبل صامدة بقوة في الأشهر الأخيرة وتواصل الارتفاع هذا الشهر حتى وصلت، أمس الأربعاء، إلى أعلى مستوى لقيمتها أمام الدولار واليورو واليوان منذ مطلع يوليو (تموز) الماضي.
واصل سعر صرف الروبل الارتفاع أمام الدولار، اليوم الخميس، أيضاً. وأضافت العملة الروسية ما نسبته 0.3 في المئة ليتم تداولها عند 89.18 روبل للدولار، مواصلة بذلك ارتفاعها قرب أعلى مستوى وصلت إليه في جلسة أمس الأربعاء عند 88.78 روبل للدولار.
ارتفع الروبل أمام العملة الأوروبية الموحدة بنسبة 0.6 في المئة ليتداول عند 96.68 روبل لليورو، وزادت قيمته مقابل العملة الصينية بنسبة 0.4 في المئة ليصل سعر صرفه إلى 12.27 روبل لليوان.
يرجع السبب المباشر في رأي المحللين في استمرار قوة الروبل، على رغم استمرار العقوبات غير المسبوقة على موسكو وضغط كلف الحرب في أوكرانيا على الاقتصاد الروسي إلى القرار الرئاسي الأخير الذي يلزم عدداً من الشركات الروسية المصدرة بتحويل قدر من عائداتها بالعملات الأجنبية إلى العملة المحلية، وهو ما يؤدي إلى توفر العملات الأجنبية، مثل الدولار واليورو واليوان، في السوق المحلية ويخفف الضغط عن الروبل الذي كان سعره تجاوز 100 روبل للدولار.
وأعطى قرار البنك المركزي الروسي الشهر الماضي برفع سعر الفائدة إلى نسبة 15 في المئة زخماً لسعر صرف العملة الروسية، إلا أن ارتفاع سعر الفائدة ليس عاملاً قوياً في دعم الروبل، طالما ظلت روسيا شبه معزولة عن النظام المصرفي والمالي العالمي، بخاصة أن ارتفاع سعر الفائدة لا يجذب استثمارات أجنبية في العملة الروسية.
تحويلات العملة
يعتبر غالب المحللين أن القرار الرئاسي بتحويل المصدرين عائداتهم إلى العملة المحلية هو العامل الأهم في دعم الروبل حالياً، ونقلت وكالة “رويترز” عن أليكسي أنطونوف من شركة السمسرة المالية “ألور بروكر” قوله، “تواصل الإجراءات التي تتخذها السلطات الروسية التأثير في سعر صرف العملة”، متوقعاً أن يستمر ارتفاع الروبل في نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري ليصل سعر صرفه إلى حاجز 85 روبلاً للدولار.
من العوامل غير المباشرة التي تدعم صمود الروبل وارتفاع قيمته مقابل العملات الأجنبية أن أسعار النفط وإن كانت تراجعت قليلاً، إلا أنها ظلت في نطاق فوق حاجز 80 دولاراً للبرميل، ويعني ذلك زيادة عائدات الخزانة الروسية من الضرائب المحصلة من شركات الطاقة، إضافة إلى أن تقارير غربية كثيرة في الأيام الماضية أشارت إلى أن سقف السعر على النفط الروسي، الذي يفرضه الغرب بسبب حرب أوكرانيا، لم يؤثر كثيراً في تدهور العائدات الروسية، وعلى رغم أن سقف السعر المفروض غربياً لمبيعات النفط الروسية عند 60 دولاراً للبرميل، فإن غالب تلك التقارير أشارت ومنها صحيفة “فايننشال تايمز” الأسبوع الماضي تؤكد أن روسيا لم تبع نفطاً بأقل من 60 دولاراً في الأشهر الأخيرة.
ومع اقتراب نهاية العام، تقوم الشركات الروسية بتوزيع الأرباح على أسهمها وتلبية التزاماتها الأخرى من المدفوعات كالضرائب والرسوم، وكل ذلك يتم بالروبل، مما يعني أن تحويلات الشركات من العملات الأجنبية إلى العملة المحلية ستواصل الزيادة في الشهر ونصف الشهر المتبقية على نهاية العام.
ويتوقع المحللون في “ألفا بنك” في مذكرة بحثية أن تؤدي كل تلك العوامل إلى ارتفاع سعر صرف العملة الروسية عند حاجز 88 روبلاً للدولار، “لكن قوة الروبل الحالية ربما لا تستمر طويلاً. وعلى الأرجح سيعود سعر صرف العملة الروسية إلى حاجز 100 روبل للدولار وقد يتجاوز هذا الحاجز العام بعد المقبل 2025”.
ضعف الدولار
من العوامل الأخرى التي تدعم قوة العملة الروسية أن موسكو أبرمت عديداً من الاتفاقات مع شركائها التجاريين للالتفاف على العقوبات الاقتصادية الغربية، ومن تلك الاتفاقات التعامل في المدفوعات بنظام مقاصة العملات المحلية لتلك الدول مقابل الروبل الروسي، ومن ناحية يخفف ذلك الضغط على الاحتياطات الروسية من العملات الأجنبية، وفي الوقت نفسه يدعم العملة المحلية للبلاد.
لكن ربما لا يكون من العوامل الخارجية الأهم تراجع قيمة الدولار نسبياً في الأيام الأخيرة، مما يعني أن قدراً من ارتفاع سعر صرف الروبل يعود إلى ضعف الدولار، بحسب ما يرى المحللون في “سانت بطرسبورغ بنك”.
اقرأ المزيد
- قرار مفاجئ للشركات يقلص خسائر الروبل الروسي مقابل الدولار
- “الروبل الرقمي” أداة روسيا للالتفاف على العقوبات
- الروبل الروسي يتصدع في أزمة جديدة أمام الدولار
وبدأ المستثمرون في التخلي عن الاستثمار في الدولار بعدما أظهرت البيانات الأميركية الرسمية الأسبوع الماضي خفض نمو معدل التضخم. ويتحسب المتعاملون في أسواق العملات من أن ذلك مؤشر إلى أن الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي) الأميركي ربما يكون قد وصل إلى ذروة رفع سعر الفائدة ويبدأ في خفض الفائدة على الدولار قريباً.
إلا أن ذلك العامل الخارجي، على أهميته في دعم قوة العملة الروسية حالياً، ليس مضموناً تماماً في ظل تحركات أسواق العملات، إضافة إلى أن “الاحتياط الفيدرالي” لمح مراراً إلى أنه لن يبدأ في خفض أسعار الفائدة الأميركية قريباً، ويعني ذلك أن الفترة من الآن حتى منتصف العام المقبل تجعل الروبل معتمداً في سعر صرفه على العوامل المحلية مع احتمالات التذبذب نتيجة التغيرات في سعر صرف الدولار عامة.
فائض الحساب الجاري
لعل تلك العوامل الداخلية الروسية حتى الآن تظل الدافع الأكبر لقوة العملة المحلية، بخاصة في ظل صمود الاقتصاد الروسي على رغم استمرار الحرب وشدة العقوبات. ومن الواضح أن الإجراءات الحكومية حتى الآن تمكنت من تلافي قدر من أضرار العقوبات مما يجعل الاقتصاد في وضع معقول وليس على شفا الانهيار مثلما قدرت الدول الغربية، فحتى مع استمرار تشديد العقوبات وإضافة حزم جديدة إليها تظل قدرة موسكو على الصمود واضحة للغاية.
بحسب ما ذكره تقرير وكالة “بلومبيرغ” هذا الأسبوع، كشفت بيانات البنك المركزي الروسي التي أعلنها أول من أمس الثلاثاء عن ارتفاع فائض الحساب الجاري إلى 53.8 مليار دولار في الأشهر الـ10 الأولى من هذا العام. ومع أن الرقم أقل من فائض الحساب الجاري للفترة نفسها من العام الماضي 2022 فإنه يعد أيضاً مؤشراً إلى تعافي الاقتصاد الروسي في ظل الأوضاع السلبية للاقتصاد العالمي ككل.
وفي تفاصيل البيانات، بلغ فائض الحساب الجاري لشهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي 11 مليار دولار، بزيادة للشهر الثاني على التوالي، وهو ما دفع البنك المركزي في موسكو إلى تعديل توقعاته لزيادة فائض الحساب الجاري للعام الحالي 2023 من 45 مليار دولار إلى 60 مليار دولار.
ويعود الفائض الكبير في الحساب الجاري الروسي إلى زيادة العائدات من صادرات النفط والغاز بصورة كبيرة لم تشهده موسكو منذ أبريل (نيسان) 2022، وذلك بدوره يزيد من تحويلات الشركات من عائداتها بالعملات الأجنبية إلى الروبل، مما يحافظ على دعم سعر صرف العملة الروسية.