الكاتب:خيرالله خيرالله
مرّة أخرى، هناك محاولة لاستفزاز المغرب تقف وراءها الجزائر. المحاولة هذه المرّة في غاية الخطورة، ولدى المغرب كلّ الادلّة التي تؤكد وجود محاولة لاحداث تغيير على الأرض في الصحراء المغربية. لدى المغرب كلّ الادلّة على ذلك وهي ادلة تشير الى انّ هناك من يهدّد الامن في كلّ منطقة شمال افريقيا والشريط الصحراوي.
ليس من مستفيد من دفع الجزائر «جبهة بوليساريو» الى تغيير الوضع على الأرض في الصحراء المغربية سوى الجماعات الإرهابية التي تتحرّك في المنطقة من اجل زعزعة الاستقرار فيها.
ما قامت به «بوليساريو» ومن يحرّكها من خلف خطير، بل خطير جدّا. دفع ذلك الى استنفار على اعلى مستوى للجيش المغربي. ما جرى ان «بوليساريو» بعثت بعناصر مسلّحة الى المنطقة العازلة في الصحراء المغربية في محاولة لنقل مؤسسات تابعة لها الى منطقة بير لحلو على وجه التحديد وغيرها من المناطق، وذلك كي تقول للعالم انها موجودة في الصحراء وليس في الأراضي الجزائرية. بكلام أوضح، تسعى «بوليساريو»، التي ليست في الواقع سوى أداة جزائرية، الى تغيير في المعطيات على الأرض في منطقة تقع تحت السيادة المغربية.
اظهر المغرب في الماضي حسن نيّة ووضع تلك المنطقة في اشراف الامم المتحدة من أجل تثبيت وقف النار ومساعدة القوات الدولية المعروفة بـ«مينورسو» في تأدية مهمتها. قدّم تضحيات كبيرة من اجل السلام والاستقرار بعدما عرض حلّ الحكم الذاتي الموسّع كمخرج للجميع، خصوصا لسكان الأقاليم الصحراوية الذين يتمتعون بحقوق أي مواطن مغربي.
ما يدلّ على مدى اخذ المملكة المغربية الامور بجدّية، ان مندوبها لدى الامم المتحدة عمر هلال حذّر في رسالة بعث بها الى رئيس مجلس الامن من «حرب». قال في رسالته ان أي تحريك لـ «بوليساريو» لايّ بنية مدنية او عسكرية او إدارية، بغض النظر عن طبيعتها، من مخيمات تندوف في الجزائر الى شرق الجدار الأمني الدفاعي للصحراء المغربية يشكل عملا «مؤديا الى حرب». لا يمكن للمغرب القبول بايّ اعتداء عليه بعدما دفع الغالي والرخيص طوال السنوات الممتدة منذ العام 1975 تاريخ حصول «المسيرة الخضراء»، الى يومنا هذا.
يتحدث المغرب صراحة عن انّ ما تقوم به «بوليساريو» يمكن ان يؤدي الى اخطار كبيرة. يعطي الكلام المغربي فكرة عن مدى خطورة الوضع الذي خلقته الجزائر الهاربة دائما وابدا من ازماتها الداخلية الى افتعال أزمات في المنطقة، غير مدركة انّ مثل هذه الأساليب المكشوفة، بما في ذلك الذهاب الى حافة الهاوية، لا يمكن الّا ان ترتدّ عليها عاجلا ام آجلا.
ما لم تفهمه الجزائر ان استفزاز المغرب والاعتداء على سيادته لن يحلّ أي مشكلة من مشاكلها الداخلية، في وقت بات واضحا انّ ليس في استطاعتها الهرب من الاستحقاقات الداخلية. في مقدّم هذه الاستحقاقات العيش في ظلّ رئيس مريض هو عبدالعزيز بوتفليقة، سلّم إدارة الدولة للمحيطين به، على رأسهم شقيقه سعيد الذي يحكم باسم الرئيس، من دون ان تكون له أي صفة قانونية.
حسنا، حصل تصعيد لـ«بوليساريو» في الصحراء المغربية. ما الذي يمكن ان يؤدي اليه ذلك. هل صار هناك عنوان على ارض الصحراء لما يسمّى «الجمهورية الصحراوية» التي أعلنتها الجبهة الانفصالية التي لديها مهمّة محصورة في لعب الأدوار المطلوبة منها؟
قبل كلّ شيء، لن يقف المغرب مكتوفا حيال ما يجري. ليس لديه من خيار سوى الدفاع عن ارضه. هذا لا يعني ان المغرب سيقدم على عمل عسكري بمقدار ما يعني انّه سيستنفد كل الوسائل السياسية المتوافرة لديه قبل ايّ شيء آخر. ولذلك، تحرّكت الديبلوماسية المغربية في كلّ الاتجاهات من اجل شرح وجهة نظر الرباط وإقناع القوى الدولية، على رأسها الولايات المتحدة، بانّ من الضروري ان تعمل الامم المتحدة على وضع حدّ للعدوان الذي يتعرّض له المغرب.
الاهمّ من ذلك، ان في المغرب استنفارا داخليا على كلّ المستويات الرسمية والشعبية من اجل تأكيد انّ أي عدوان على ترابه الوطني لن يمرّ مرور الكرام، وان قضية الصحراء قضية وطنية في الدرجة الاولى. ما لم تستطع الجزائر استيعابه في يوم من الايّام ان الشعب المغربي كلّه مهتمّ بقضية الصحراء، وانّ هذه القضيّة موضع اجماع وطني، وان ليس في الإمكان تقديم أي تنازل فيها، بعد كلّ التضحيات التي شارك بها كلّ مواطن بغض النظر عن الطبقة الاجتماعية التي ينتمي اليها او المنطقة التي يعيش فيها.
في نهاية المطاف، كان التصعيد الجزائري الواضح مع المغرب عبر «بوليساريو» منتظرا. كان منتظرا بعد الاختراقات التي حقّقها المغرب على الصعيد الافريقي وعودته الى ممارسة عضويته الكاملة في الاتحاد الافريقي على نحو فعّال. اكثر من ذلك، استطاع الملك محمّد السادس تحقيق تكامل بين دول افريقيا والمغرب عبر سلسلة من المشاريع المشتركة، التي تصبّ في اطار التعاون بين دول القارة السمراء من اجل تحقيق مزيد من التقدّم على كلّ المستويات، بما في ذلك مكافحة التطرّف والإرهاب بكلّ اشكالهما ونشر الإسلام الوسطي حماية للأجيال الشابة.
ليس سرّا ان المغرب اقام علاقات من نوع جديد مع جنوب افريقيا التي كانت تدعم «بوليساريو» في الماضي. فضلا عن ذلك، اصبح للمغرب وجود فعال في افريقيا التي تتكلم الانكليزية وليس في افريقيا الفرنكوفونية فقط. اكتشف الافارقة اهمّية العلاقة بالمغرب، وكيف ان هذه العلاقة تعود بالفائدة على الطرفين. اكتشفوا كيف ان الفوسفات المغربي يمكن ان يلعب دوره في تنمية الزراعة في غير بلد افريقي عبر مشاريع مشتركة تنتج الأسمدة الكيميائية التي مصدرها الفوسفات.
لذلك، بات مطلوبا من جهات معيّنة ممارسة ضغوط على المغرب من كلّ الاتجاهات، عن طريق إعادة الحياة الى نزاع مفتعل أصلا لم يكن من هدف له سوى استنزاف الاقتصاد المغربي. فاظهار المغرب في وضع المتورط في نزاع مثل نزاع الصحراء يستهدف ممارسة ضغوط عليه من اجل انتزاع مكاسب منه في مجالات معيّنة، من بينها حقوق الصيد البحري، على سبيل المثال وليس الحصر.
ما الذي تريده الجزائر من استفزاز المغرب في نهاية المطاف؟ الأكيد انّها تريد الهرب اوّلا من من ازمتها الداخلية. الى جانب ذلك، ليس سرّا ان الجزائر تخشى من اكتشافات في مجالي النفط والغاز في المياه الإقليمية المغربية، خصوصا في منطقة البحر المتوسط حيث الحدود المغربية – الجزائرية التي لم ترسّم بعد.
في كلّ الأحوال، يبدو المغرب مستهدفا هذه الايّام. يظل السبب الأساسي لاستهدافه نجاح التجربة التي يقودها محمّد السادس الذي يعرف تماما ان الحرب على الفقر هي الحرب الحقيقية التي على المغرب ان يخوضها. لذلك، يبدو مطلوبا ان ينحرف المغرب عن الخط الذي يسير عليه منذ صعود محمّد السادس الى العرش. لن يخوض المغرب هذه الحرب الأخرى قبل استنفاد كلّ الوسائل السياسية. وهذا يفرض على الامم المتحدة تحمّل مسؤولياتها في الصحراء المغربية لا اكثر ولا اقل. تحمّل المسؤوليات يعني رفض أي تغييرات في الصحراء المغربية تغيّر المعطيات على الارض. هل هي قادرة على ذلك، أي على الدفاع عن الامن والاستقرار في المنطقة ام تريد السماح بعودة شريعة الغاب الى الممارسات بين الدول؟