ذكاء مخلص الخالدي
تتناول الدراسات بقلق متزايد تنامي الديون الأميركية وعدم إعطاء الموضوع اهتماماً كافياً من الجهات المعنية، حيث تتزايد التوقعات بأنَّ الحكومة الأميركية تسير باتجاه العجز عن دفع الفوائد على القروض الأميركية في حال استمرار الأخيرة على معدلات نموها الحالية، وارتفاع أسعار العائدة. إذ أظهرت حسابات السنة المالية المنتهية تشرين الأول (أكتوبر) أيلول (سبتمبر) 2018، إنَّ أكبر خمس فقرات من الانفاق الحكومي كانت الضمان الاجتماعي (918 بليوناً)، والرعاية الاجتماعية (563 بليوناً)، ورعاية صحة الفقراء (356 بليوناً)، والإنفاق العسكري (552 بليوناً)، والفوائد على القروض الحكومية (343 بليونا). أي إنَّ الأخيرة احتلت نسبة 12.7 في المئة من مجموع الفقرات الخمس والبالغ 2.7 ترليون دولار. وارتفعت الفقرات الأربع الأولى بأقل من 10 في المئة بين عامي 2017 و2018، بينما ارتفعت فقرة الفوائد بـ19.2 في المئة. ويعود الارتفاع في الأخيرة إلى:
– ارتفاع حجم الدين العام من 673 بليوناً في 2017 إلى 895 بليوناً في 2017 أي بنسبة ارتفاع 33 في المئة.
-بدء أسعار الفائدة بالارتفاع منذ بداية 2018.
– ارتفاع معدلات التضخم.
وإذا ارتفع سعر الفائدة عن مستواه الحالي، 2.86 في المئة إلى 4.65 في المئة، سترتفع تكاليف الفوائد من 343 بليوناً إلى 555 بليوناً أي أكثر من الإنفاق العسكري. ولا يستبعد ارتفاع معدلات الفائدة إلى ما كانت عليه قبل عشر سنوات خصوصاً وإنَّ النظام الاحتياط الاتحادي سيرفع سعر الفائدة بـ0.25 في المئة في شهر كانون الأول (ديسمبر) المقبل، ويخطط لثلاث زيادات على الأقل في 2019، أي إنَّ سعر الفائدة سيرتفع على الأقل في نهاية 2019 إلى 3.86 في المئة على افتراض تحقق 0.25 في المئة زيادة في كل مرة.
وما يثير الاستغراب عدم الاهتمام الذي تظهره الإدارة الحالية من تعاظم عجز الموازنات الحكومية، فالتمويل بالعجز في النظرية الاقتصادية حالة طارئة، لحين أنْ تجمع الحكومة إيراداتها، أو حال علاجية (نظرية كينز في استخدام عجز الموازنة العامة لانعاش الاقتصاد عندما تسود نظرة تشاؤمية لدى المستثمرين على مستقبل الطلب في الاقتصادات التي لديها طاقات إنتاجية غير مستغلة). وليست حال مستدامة كما يحصل في الولايات المتحدة. فاستمرار العجز وتزايده لا بد أنْ تكون له نتائج خطرة في المستقبل لدولة بأهمية الولايات المتحدة اقتصادياً ومالياً ولكونها دولة عملة الاحتياط الدولي. فعجز الموازنة الذي بلغ 825 بليون دولار في السنة المالية الماضية، يتوقع له أنْ يصل إلى ترليون دولار أو يتجاوزه في السنة المقبلة، ومنذ الآن تواجه وزارة الخزانة الأميركية صعوبات في بيع السندات الحكومية حيث جلب آخر طرح للسندات لمدة 30 سنة وبقيمة 19 بليون دولار، أوطأ طلب عليها منذ 2009، وقد لا يكون مستغرباً هذا الإعراض عن شراء السندات الحكومية لأنَّ الصين التي لا زالت أهم مقرض للولايات المتحدة تختلق الأخيرة الأسباب للشجار معها مع أنَّ القاعدة تقول بعدم الشجار مع المصرف الذي تقترض منه. علماً بأنَّ 40 في المئة من العجز الأميركي يتم تمويله من مصادر خارجية وهي حالة لا تحصل في دول أخرى.
ومنذ أكثر من عشر سنوات وقبل انفجار أزمة الرهن العقاري في 2008، حذر المعنيون من أنَّ الدين الأميركي الذي بلغ آنذاك 9.13 ترليون دولار، يعتبر قنبلة موقوتة، فهو يزيد بمليون دولار في الدقيقة، وكما حصل في أزمة الرهن العقاري، إذا ارتفعت أسعار الفوائد على الديون الحكومية ستضطر الأخيرة إلى تقليص الإنفاق الحكومي وبالذات الخدمات الضرورية للمواطنين أو ارتفاع حاد في الضرائب.
لحد الآن لا زال التضخم المنخفض وإمكانية تسويق السندات الحكومية بسهولة نسبية يحافظ على مستوى مدفوعات منخفض للفوائد، ولكن النظام الاحتياط الفيديرالي مستمر في رفع أسعار الفائدة منذ بداية 2018، وسيترجم ارتفاع أسعار الفائدة بمعدل تضخم أعلى وخدمة دين أكبر.
وما يثير القلق ليس فقط الفوائد ولكن أيضاً مجموع الدين، ففي 28 تشرين الأول (أكتوبر) 2018، بلغ حجم الدين الوطني 21.6 ترليون دولار أي بزيادة 136 في المئة عن حجمه في 2007، ويتوقع المراقبون أنْ يتضخم الدين الوطني الأميركي إلى 33.8 ترليون بحلول 2028.
ويرى بعض المهتمين أنَّ الولايات المتحدة تسير في طريق الانتحار لأنها تزيد من عجز الموازنة في الوقت نفسه الذي يرفع به النظام الاحتياط الفيديرالي من أسعار الفائدة، وهي حال غير اعتيادية، كما يبدو غريب جداً أنه في الوقت الذي يحقق فيه الاقتصاد الأميركي معدل نمو اسمي بـ5.5 في المئة ومعدل نمو حقيقي بـ3 في المئة، تستمر الإدارة الأميركية بزيادة الإنفاق الممول بالعجز، وهو تنشيط قصير الأمد للاقتصاد ولكن آثار الديون والفوائد التي يراكمها ستكون سيئة في الأمد الطويل.
وما عدا تأثير الارتفاع في أسعار الفائدة على زيادة خدمة الدين، هناك خلاف حاد بين الرئيس ترامب ورئيس النظام الاحتياط الفيديرالي بسبب رفع الأخير لأسعار العائدة وتأثير ذلك على قوة الدولار وبالتالي عدم تحقيق الأهداف المرجوة من الحروب التجارية التي تشنها الولايات المتحدة على خصومها التجاريين.