مقالات

لماذا الحزن حليف العراقيين؟

حسن فليح / محلل سياسي

ان للتوتر والحزن أسبابا نفسية، تشكلت عند العراقيين عبر تاريخهم المرير ، وبسبب ان العراق البلد الأكثر تعرضا للكوارث والحروب والفواجع والمحن، بدءا من الطوفان وصولا إلى ما هو عليه الآن، وعلى حد علمي أن أول تراجيديا في العالم كانت في العراق، وهي ملحمة جلجامش وصديقه أنكيدو، حيث دب الحزن في قلب جلجامش بسبب فقدانه لأنكيدو العزيز ،
ان الحزن عند العراقيين تحول إلى حالة نفسية وممارسة حياتية يومية للتعبير عنها في غنائهم وشعرهم وحكاياتهم وحتى في افراحهم ، ووقوفا عند ذلك نبدا من تاريخنا المعاصر ولا نتبتعد للماضي كثيرا في تسليط الضوء على اهم المحطات التي كان لها الدور اللافت في تقلبات المزاج العراقي، ومن عام 1921 تحديدا حيث قامت بريطانيا بتأسيس النظام الملكي بالعراق وتتويج فيصل الاول ملكا عليه اتسمت مرحلة النظام الملكي بالفقر والعوز وانتشار الامراض وهيمنة الاقطاع وتسلط بعض العوائل المعروفة على المجتمع ، الامر الذي دفع الشعب العراقي الى الوقوف مع عبد الكريم قاسم في انقلابه في تموز عام 1958 وخاصةً من قبل الطبقة الفقيرة والمسحوقة، حيث كان لهذا لانقلاب الاثر البالغ في دخول العراق للفوضى السياسية ومهد البلاد لمرحلة الانقلابات العسكرية ، وبعد اربع سنوات ونصف من حكم عبد الكريم قاسم جاء انقلاب البعث في 1963 الذي ادخل الشعب والبلاد في دوامة العنف والتصفيات وعاشت الناس مرحلة الخوف والرعب مما حصل من مجازر بقيادة حزب البعث وبعض العسكرين القوميين يقودهم الحقد والجهل السياسي والارتباط الخارجي ، حيث خيم الحزن والاحباط على العراقيين ، وفي عقد السبعينات وبعد انقلاب تموز 68 ، انجلى غبار الحزن قليلا عند العراقيين وتحسنت حياتهم وبدأ الامل يتفتح نحو مستقبل واعد ، ولم يهدأ بال دوائر المخابرات العالمية للاستقرار الذي حصل بتنمية القطاع الصناعي والزراعي ووضع اليد على الثروة النفطية من خلال قرار التأميم وحل المسألة الكردية واقامة الجبهة الوطنية ومحو الامية ورفع المستوى المعاشي لكافة ابناء الشعب ، ومجانية التعليم والصحة ، وبناء الدولة العراقية على اسس علمية حديثة ، يبدو ان ذلك اغاظ الغرب كثيراً وخاصة امريكا وبريطانيا فدفعوا بصدام حسين بقتل رفاقة بالحزب من الخط الوطني واليساري في عام 1979 الذي قاد مرحلة التنمية والازدها التي شهدها العراق في عقد السبعينات ، فتوقفت بذلك مرحلة التنمية والبناء ووضعت النهاية لمرحلة كانت تؤهل العراق ان يصل الى مستويات متقدمة ، وبينما كان الشعب في حالة الذهول من صدمة ما حصل ، حتى جائت لحظة اشتعال الحرب العراقية الإيرانية 1980- 1988 ضمن مخطط دولي كان الادات الطيعة لذلك في تنفيذ الجريمة البشعة بحق الشعبين الايراني والعراقي هما كلاً من “الخميني وصدام حسين” لتدمير البلدين الجارين ضمن مخطط مدروس لمرحلة لاحقة ، حينها تكدر الشعب بالحزن لموت ابنائه بالجملة في جبهات القتال ، وتهشمت احلام العراقيين بذلك الامل المنشود الذي رافقهم في عقد السبعينات ، ولم تمضي سنتين فقط حتى جاء غزو الكويت عام 1990 ثم حرب الخليج مطلع عام 1991، وجاء الحصار الذي فرض على العراق في 1990 حتى عام 2003 في اسوأ حصار شهده العالم ، الذي جعل من العراقيين امام تحدى خطير يهدد وجودهم بالحياة حيث خيم الوجوم والحزن والكآبة على وجوه العراقيين واطفالهم ، ولم يتوقف الامر عند هذا الحد حتى جاء الغزو الأميركي للبلاد عام 2003 الذي جلب اسوأ تجربة ديمقراطية عرفها العالم اعطت الحرية بالقتل وسرقة البلاد وجائت بزعماء الطائفية وسلمتهم السلطة بالعراق وبتعاون امريكي ايراني !! وما تلا ذلك من حرب طائفية على الهوية واستهدافات وتفجيرات طالت الاماكن العامة والاسواق وحتى المدارس وبعض الجوامع والحسينيات ومراقد الائمة والمستشفيات كان للارهاب الديني دورا خبيثا معزز بارادة دولية واقليمية يستهدف حياة العراقيين اين ماحلت وبكل جوانبها حتى جاء وقت سقوط ثلث الاراضي العراقية بيد الارهاب الداعشي، الذي تسبب بقتل وتشريد عشرات الالوف من شعبنا بالعراء ودون مأوى، السؤال هل كان ذلك بمجرد اختلاف في وجهات النظر ؟ ام بدوافع دولية واقليمية كانت ولازالت تستهدف وحدة العراقيين وتماسكهم بحيث لازال العراقيون يدفعون ثمن ذلك المخطط الى يومنا هذا ؟!!
هكذا استمر الحال حتى انفجار غضب العراقيين وسخطهم من مماراسات النظام الطائفي المحاصصاتي الفاسد والسارق للمال العام في ثورة تشرين العظيمة من عام 2019 حيث تم اجهاضها وحماية النظام الطائفي من السقوط ، بمشاركة الطبقة السياسية الحاكمة وبتعاون مخابراتي اقليمي ودولي وتسخير الفصائل المسلحة اللادولتية بالتصدي لها بالحديد والنار وملاحقة الناشطين وقتلهم ، حيث كلف ذلك العراقيين اكثر من الف شهيد وحوالي 30 الف جريح خمسة الاف منهم اعاقة مستديمة مدى الحياة ، وتتوالى خيبات الامل ويتلاشى الفرح ويتعزز الحزن على مدار عقود من حكم الاستبداد والدكتاتورية التي توالت على العراقيين، حتى جاء دور حكم الفاسدين المتسترين بالمذهبية والدين، حيث استفردوا بالسلطة والمال العام والعبث بالبلاد والعباد ، المعظلة التي تواجه العراقيين الان ان هذا النظام المليشاوي المفسد اصبح لديه جيش وشرطة وقضاء ومؤسسات اعلامية وفصائل مسلحة وارتباطات اقليمية وثيقة تدافع عنه وبرعاية دولية!!! فبات من الصعب على العراقيين المناضلين الشرفاء الخلاص من هذا الكابوس، كونهم يواجهون الشر الدولي والاقليمي وخطر بعض العراقيين المنحرفين عن خطهم الوطني “والديني” من الذين تربطهم علاقات وارتباطات مشبوهه الهدف منها هو تدمير العراق والقضاء على كل من يسعى الى التحرر ويقف بالضد من هذا النظام البائس ، فكان لابد ان يتكالب الحزن ويتجذر بالنفوس والعقول العراقية اكثر مما مضى ،
فهل بعد كل هذا التداعي الذي اصاب احلام العراقيين ونفاذ صبرهم ، يسأل لماذا يشعر العراقيون بالتوتر والحزن والاحباط !!؟