لماذا بدأ العالم العربي يتنازل لنظام بشار الأسد

1

د. محمود عباس

تدرك الدول العربية المجتمعة في الأردن، والتي تطالب بتقديم دعوة لبشار الأسد من أجل حضور القمة العربية في السعودية، أنها لن تتمكن من منافسة الحلف الروسي التركي الإيراني في عمليات تداول القضية السوريا، خاصة وأن الولايات المتحدة الأمريكية ليست بداعمة استراتيجية لهذه المسيرة فيما لو لم تتمسك هذه الدول بتطبيق قرار الأمم المتحدة 2254، كما وليست بمعترضة على هذا التحرك، فلماذا هذا التلهف المفاجئ والمتسارع لاحتضان وحل القضية السورية؟ في مرحلة تتبين ومن خلال مطالب النظام من الجهتين المتنافستين، على أنها بدأت تحاور من منطق المنتصر، خاصة مع الدول العربية، السعودية ومصر والأردن، والتي تتبين من خلال عدة مطالب ومسارات النظام الملتوية، ولا يستبعد على أنهم سيرضخون له، مقابل إيقاف تصديره المخدرات إلى دول الخليج، في الوقت الذي يتم فيه تناسي التغلغل الشيعي الإيراني في سوريا، وقد أكدت النقطة الأخيرة الزيارة المفاجئة لرئيس إيران إلى دمشق بعد الانتهاء من اجتماع وزراء الخارجية في الأردن. علما أن مطلب نظام بشار الأسد من تركيا تقابلها مطالب تركية حادة، فمقابل الخروج من سوريا، تركيا شرط الاشتراك معها في محاربة الإدارة الذاتية والقوات الكوردية، وإيجاد حل أمني للمنظمات التكفيرية المنضوية تحت صفة المعارضة، والتأكيد على أنه لن تكون هناك موجات هجرة سورية جديدة إلى الأراضي التركية، وتأمين مكان للمتوقعين إعادتهم إلى سوريا.

هل هناك دوافع أخرى حثت الدول العربية إلى هذه اليقظة المفاجئة، ومنافسة روسيا وتركيا وإيران بالعمل على إعادة النظام إلى الحاضنة العربية، رغم أنه منبوذ من قبل جميع شعوب المنطقة كنظام غارق الإجرام؟

وما هي فائدتهم من الحديث وربما لاحقا العمل عن إيجاد حل للقضية السورية؟

والتي هي أكثر من معقدة، وتتجاوز قدرات الدول العربية المجتمعة، ربما باستثناء الدعم الاقتصادي والتي بإمكانها أن تنافس التحالف الأخر وبقوة، وعلى الأرجح هذا الاحتمال هو الذي أدى بإيران إلى التصريح على أنها عقدت صفقات اقتصادية استراتيجية مع سوريا أثناء زيارة رئيسها لدمشق.

ويبقى السؤال: لماذا تحركت الدول العربية الأن، وبعد 18 مؤتمر في أستانة، وسوتشي و8 مؤتمرات في جنيف، والمؤتمرات الأخيرة ما بين طهران وأنقرة وموسكو، والحديث الصاخب حول التطبيع التركي السوري. وبعد تعميق تأثيرات الحل على مستقبل دول الجوار من خلال القضية الكوردية، والصراع الإستراتيجي بين أمريكا وروسيا؟

لماذا الآن وفي هذه المرحلة؟

علما أنه كان بالإمكان لعب أدوار أكثر جدية في السنة الأولى عندما كان الصراع محصوراً بين النظام والشعب وقبل أن يتحول إلى صراع مع المنظمات الإسلامية المعارضة، وقبل أن تتصاعد القضية الكوردية إلى مستوى تدخل الدول الإقليمية بشكل مباشر، ومن ثم ظهور الدول الكبرى، حتى وقبل أن ترتبط بصراع أخطر وأعمق في البعد الإستراتيجي العالمي، وهو الصراع على أوكرانيا والتي تم بسببه تهميش القضية السورية طوال السنة الماضية واليوم يتم تداولها كجزء من الصراع بين القوى الكبرى.

فهل الأخيرة واحدة من الأسباب التي أدت إلى بروز الدول العربية على الساحة فجأة؟

معظم الدول العربية وخاصة دول الخليج، كانت في السنتين الأوليتين من الثورة السورية، تعيش حالة رعب من احتمالية قيام نظام ديمقراطي قد يؤثر على مدارك شعوبهم، لكنها تنفست الصعداء، مع تحول المسيرات السلمية إلى صراع مسلح، خاصة عند ظهور التوازن بين القوتين، وتعقيد الأزمة السورية، وتدخل الدول الإقليمية والتي أدت إلى غياب الحلول، وهو ما أدى بمعظم الدول العربية ومن بينهم السعودية ومصر إلى التزام الصمت والنأي عن الذات بالتدخل، باستثناء بعض المحاولات البسيطة كتشكيل أدوات تستطيع أن تحركهم كواجهة أثناء الاتفاقيات الدولية، دون أن يكون لهم ثقل سياسي على الساحة، إلى درجة لم تتمكن هي ولا الدول العربية الراعية لهم من مواجهة تركيا عند احتلالها لأجزاء من أراضي سوريا، وعندما تشعب التغلغل الإيراني في مجمل الجغرافية السورية. وبالمناسبة تجميدهم لعضوية سوريا ضمن الجامعة العربية، لم يكن حبا بالشعوب السورية بقدر ما كان مخطط لبناء جدار بينهم وبين مجريات الصراع في سوريا.

فعلى الأغلب وجدت الدول العربية المتضررة من الصراع، بأنها بلغت المرحلة والتي من مصلحتها الخروج من حالة النأي إلى التدخل، حتى ولو كانت على حساب الأخلاق والقيم الإنسانية، والتعامل من نظام غارق في الإجرام، خاصة وأن الإستراتيجية الدولية بدأت تفرض صراع سياسي على المنطقة، والنظام مع إيران أصبحوا على قدرة بالعبث بأمن دول الخليج، من خلال اجتياحها بالمخدرات، إلى جانب أنها أصبحت جزء من استراتيجية الصراع بين روسيا والصين من جهة وأمريكا والدول الأوروبية من جهة أخرى، والتي تسهل لتركيا وإيران بالتمدد في المنطقة العربية، الإشكالية التي تسهل لأمريكا تسخير الدول العربية لمواجهتهم، أي مواجهة الحلف الروسي، للحفاظ على مصالحهم من جهة ومصالح أمريكا في المنطقة من جهة أخرى.

فالاجتماع التشاوري لوزراء خارجية مصر والسعودية والعراق والأردن وسوريا، كانت حالة دفاعية، قبل أن يكون تباحثا لإيجاد الحلول للقضية السورية، ولذلك تم الإعلان على أن أية حلول لسوريا لن تتم بدون الإرادة الأمريكية، أي أن اجتماعهم درج في سياق المؤتمرات العديدة التي تمت من أجل سوريا، والتي باءت جميعها بالفشل. كما واعتبروا الاجتماع مقدمة لحوارات قادمة. وفي الوجه الأخر، مطالبة السعودية، عرابة الاجتماع الوزاري التشاوري، الدول العربية السماح لسوريا بحضور مؤتمر القمة، نابع من الإحساس بالرعب والذي أنتقل من إقامة النظام الديمقراطي إلى الرهبة من نظام مجرم ينشر وباء المخدرات بمساعدة ميليشيات حزب الله وإيران بشكل منظم ومخطط، لا يقل خطراً عن إرسال إيران الأسلحة إلى الحوثيين وحزب الله.

معظم الدول العربية وخاصة السعودية ومصر فضلت الابتعاد عن المستنقع السوري: أولا، أنها لم تكن ترى ذاتها على قدر حمل المسؤولية. ثانيا، لم تكن تجرأ على مواجهة تركيا، إلا بعد احتدام الصراع على قيادة العالم السني، والذي تعتبره السعودية نواة حضورها بين العالم الإسلامي، حينها اضطرت مع مصر مواجهة حزب العدالة والتنمية، لكن بعدما عملت الكثير للفصل بين هذه القضية والصراع على سوريا.

ولا بد من الانتباه إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن تثق بالدول العربية ولم تدفع بهم إلى ساحة الصراع السوري، مثلما لم تحرض روسيا تركيا وإيران على أن يكونا جزء من الصراع في سوريا، بقدر ما دفعتهم إليها مصالحهم اليوم على ذلك من ضمن إستراتيجية الصراع الأوسع. كما وأنه لم تكن لدى الدول العربية دافع رئيس للتدخل كما كان لتركيا وإيران وحيث تصاعد الحضور الكوردي وفيما بعد مع الوجود الأمريكي، والذي قد يؤثر على الواقع الداخل للدولتين خاصة على تركيا المجاورة، وهو ما أدى إلى أن يصبحوا مع روسيا عراب الصراع، رغم أن الدول الثلاث على طرفي النقيض، سياسيا وإستراتيجيا، وفي البعد المذهبي، والعلاقات الدولية.

واليوم ورغم تراكم العوامل السياسية والاقتصادية التي تدفع بالدول العربية بالتحرك، لكن يظلون دون القدرة ويدركون بأنهم لن يتمكنوا من المواجهة بدون الدعم السياسي الأمريكي، ولهذا قدم وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي تقريرا عن مجريات الاجتماع التشاوري لوزراء الخارجية، وربما لهذا لم يعرضوا قضية الإدارة الذاتية الكوردية على جدول التشاور، والتي تدرج كقوة حليفة مهمة للأمريكيين في المنطقة، علما أن هذا المطلب من أهم البنود الحاضرة بشكل دائم في حوارات روسيا وتركيا وإيران، رغم حضور النظام في اجتماعات الطرفين.

التعليقات معطلة.