في ظل تصاعد التوترات الإقليمية بين إيران وإسرائيل، يبقى السؤال المحوري: لماذا تأخرت الضربة الإسرائيلية المتوقعة ضد المنشآت النووية الإيرانية؟ وهل يمكن أن يكون هذا التأخير مرتبطًا بالانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة؟
دائما كانت إسرائيل واضحة في موقفها تجاه برنامج إيران النووي، معتبرة إياه تهديدًا وجوديًا لأمنها. ومع تسارع وتيرة التطوير النووي الإيراني، تعالت التوقعات حول ضربة عسكرية إسرائيلية، تهدف إلى شل قدرة إيران على تطوير سلاح نووي. ومع ذلك، فإن هذه الضربة التي بدت وشيكة قد تأخرت لعدة أسباب.
1. الموقف الأمريكي المتردد:
الولايات المتحدة، الشريك الاستراتيجي الأكبر لإسرائيل، تلعب دورًا حاسمًا في أي قرار إسرائيلي بشن هجوم على إيران. ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 2024، يبدو أن إدارة الرئيس جو بايدن تفضل تأجيل أي تصعيد عسكري في المنطقة. بايدن، الذي يواجه تحديات داخلية وخارجية، يسعى لتجنب انجرار بلاده إلى صراع إقليمي جديد، خاصة في وقت تشهد فيه الولايات المتحدة انقسامات داخلية وعلاقات متوترة مع روسيا والصين.
التنسيق بين إسرائيل والولايات المتحدة يعد عاملاً أساسياً. فبدون دعم واشنطن، قد تجد إسرائيل نفسها في مواجهة تحديات لوجستية وعسكرية كبيرة، خاصة مع الحاجة إلى دعم دولي لضمان استقرار المنطقة بعد أي هجوم على إيران.
2. الحسابات السياسية الداخلية في إسرائيل:
داخلياً، تواجه الحكومة الإسرائيلية تحديات سياسية واقتصادية. أي ضربة عسكرية على إيران قد تؤدي إلى تصعيد واسع النطاق في المنطقة، مع ردود فعل من الميليشيات المدعومة من إيران في لبنان وسوريا، وربما حتى داخل الأراضي الفلسطينية. هذه الحسابات الداخلية تجعل الحكومة الإسرائيلية حذرة من التحرك دون ضمانات سياسية داخلية قوية، خاصة مع المعارضة المتزايدة لسياسات الحكومة الحالية.
3. المعادلة الإقليمية والدولية:
هناك أيضاً حسابات إقليمية ودولية معقدة. إيران ليست معزولة دولياً، فهي تتمتع بعلاقات وثيقة مع روسيا والصين، وكل منهما قد تسعى لمنع أي تدخل عسكري قد يغير التوازنات في المنطقة. التدخل الروسي في سوريا يعقد المشهد، حيث ترى موسكو في إيران حليفاً استراتيجياً في المنطقة، وتخشى من أن يؤدي أي تصعيد إلى تقويض مصالحها.
من جهة أخرى، الصين التي تعتمد بشكل كبير على النفط الإيراني، قد تعارض أي تصعيد قد يؤثر على استقرار المنطقة ويؤثر على تجارتها. هذه العلاقات الدولية المعقدة تضيف مزيداً من الضغوط على إسرائيل وتحد من حرية حركتها.
4. انتظار الانتخابات الأمريكية:
مع اقتراب الانتخابات الأمريكية، يبدو أن إسرائيل تفضل الانتظار لمعرفة من سيكون في البيت الأبيض في 2025. فالرئيس الجديد قد يتبنى سياسة أكثر تشدداً تجاه إيران، أو على العكس قد يسعى لإبرام اتفاق نووي جديد يحد من طموحات إيران النووية دون الحاجة إلى تدخل عسكري.
قد يكون هناك تفاهم غير معلن بين إسرائيل والولايات المتحدة لتأجيل أي تحرك عسكري كبير إلى ما بعد الانتخابات، لتجنب تأثيرات سياسية غير مرغوبة قد تؤثر على فرص الحزب الديمقراطي في الفوز. كما أن إسرائيل قد ترغب في الاستفادة من وجود إدارة جمهورية، التي قد تكون أكثر دعماً لخيارات التصعيد العسكري ضد إيران.
هل تأجلت الضربة إلى ما بعد الانتخابات؟
كل المؤشرات تدل على أن الضربة الإسرائيلية المحتملة قد تأجلت، لكنها لم تُلغى . إسرائيل تستمر في مراقبة التطورات النووية الإيرانية عن كثب، وتظل على استعداد للتدخل إذا شعرت بأن تهديدًا مباشرًا يقترب. ومع ذلك، فإن القرار النهائي قد يعتمد بشكل كبير على نتائج الانتخابات الأمريكية، وعلى مدى استعداد الإدارة الجديدة لتبني موقف صارم تجاه إيران.
يبدو أن الحسابات السياسية والدبلوماسية الإقليمية والدولية تلعب دوراً رئيسياً في تأخير الضربة الإسرائيلية ضد إيران. ورغم التوترات المتزايدة، قد يُفضل اللاعبون الرئيسيون في المنطقة والعالم الانتظار حتى تنجلي الصورة السياسية في واشنطن، لتحديد مسار العمل المستقبلي .