مقالات

لماذا تألق هنا وانطفأ هناك؟

هيثم العايدي

على مدار 7 سنوات تألق كلاس ريلوتيوس البالغ من العمر 33 عاما كواحد من ألمع الصحفيين في صحيفة دير شبيجل الألمانية وفي أوروبا كلها بسبب قصص وصفت بالإنسانية تناول فيها أحداث المنطقة وتحديدا الأزمة السورية قبل أن ينطفأ هذا التألق فجأة حينما حاول تغيير الدفة والانتقال بنفس الآليات والأدوات إلى الجانب الغربي لتفضحه أولى قصصه هناك ما يستدعي تساؤلا فحواه لماذا تألق هنا كل هذه الأعوام وانطفأ هناك.
فقد حصد هذا الصحفي جوائز مراسل العام في ألمانيا خلال الأعوام 2013م و2015م و2016 و2018م إضافة إلى جائزتا سي.إن.إن لصحفي العام وأفضل قصة مطبوعة في 2014م وجائزة الصحافة الأوروبية 2017م.
وبدأ نجمه يلمع حينما نشر قصة إخبارية عن طفل سوري قبع في السجن بعد أن كتب عبارة تطالب برحيل الرئيس السوري على احد الجدران في محافظة درعا، الأمر الذي كان سببا في اشتعال الأحداث في سوريا من يومها إلى وقتنا هذا لتأخذ القصة منحى آخر تتناول حياة هذا الطفل وتطورات مرحلة مراهقته ووصوله لسن الشباب ليتلو هذه القصة قصص أخرى عن طفلين نشا في كنف تنظيم داعش وسجين يمني في معتقل جوانتنامو.
لكن القاسم المشترك في هذه القصص التي نال عنها هذا الصحفي جوائز متعددة هي أنها كانت لا تمت للواقع بصلة فلا هو قابل أشخاصها ولا كان هناك أشخاص مروا بهذه الأحداث، فقد كانت جميعها من وحي خيال كاتبها الذي ساقها على أنها قصص من واقع الأحداث.
ولأن أحداث هذه القصص تجد استساغة لدى المتلقي في منطقتنا خاصة أولئك الذين هم على استعداد تام لعدم التحقق من أي أخبار تتماشى مع ما يحبون أن يسمعونه فإنه من الطبيعي أن يكون الجانب الغربي على استعداد أكبر لقبولها ومنح صاحبها أرفع الجوائز.
وحينما انتقل كلاس ريلوتيوس إلى تغطية أحداث تخص المجتمعات الغربية مدفوعا بالتألق الذي حققه من اصطناع القصص في منطقتنا تم اصطياده عبر قصة عنوانها “حدود الصياد” والتي تحكي عن ميليشيات أميركية تقوم بدوريات على حدود الولايات المتحدة مع المكسيك وهو ما أثار حفيظة زميل له يدعى خوان مورينو الذي لم يجد من يصدقه في ديرشبيجل فسافر إلى الولايات المتحدة وبحث عن مصدرين وردا في قصة ريلوتيوس ليقولا إنهما لم يلتقياه مطلقا ليوسع نطاق البحث في قصص أخرى من داخل أميركا مثل منطقة ريفية معظمها من أنصار الرئيس ترامب سعى من خلالها لرسم صورة غير حقيقية عنهم وغيرها من القصص.
وعلى الرغم من أن ما ورد في هذه القصص يلامس رغبات شريحة في المجتمع الغربي غير راضية عن سياسات الرئيس الأميركي إلا ان ذلك لم يمنع من التحري وكشف كذب هذه الروايات ما دفع بالصحيفة إلى فتح تحقيق ونشر اعتذار ومقاضاة الصحفي الذي أقر بأنه اختلق تفاصيل وشخصيات في 14 من أصل نحو 60 قصة صحفية كتبها.
ولم يمنع هذا الاعتذار السفير الأميركي في برلين من مطالبة ألمانيا بتحقيق مستقل في الفضيحة، كونها مست في بعض جوانبها قصصًا تناولت بلاده ورئيسها في درس جديد نعرف منه الفرق بيننا وبينهم في التعامل مع الأكاذيب.