لماذا تحتاج أميركا إلى إعادة تعريف نفسها؟

1

نجم “الحلم الأميركي” يخفت في الداخل والخارج وسط مشكلات سياسية واجتماعية

عيسى نهاري صحافي

الجمعة 29 مارس 2024 19:25

دخلت المؤسسة السياسية الأميركية في مسعى طويل إلى تكريس عالمية الحلم الأميركي (أ.ف.ب)

ملخص
لم يسلم “الحلم الأميركي” من الجدل، إذ طاوله التشكيك من وقت لآخر، سواء لمحاسبة الذات من قبل الأميركيين أنفسهم، أو من باب تصفية الحسابات من قبل المجتمعات والأنظمة المناوئة للولايات المتحدة، وتعمقت الشكوك في الآونة الأخيرة مع ازدياد الاضطرابات الاجتماعية والسياسية.

يعرف المؤرخ جيم كولين “الحلم الأميركي” باعتباره ظاهرة قومية ودولية، ويشير في كتابه “الحلم الأميركي: تاريخ قصير لفكرة شكلت أمة” إلى أن الولايات المتحدة دولة شكلتها الأحلام، ووجودها يرتكز على كونها مكاناً يمكن للمرء فيه تحقيق أصعب أهدافه، سواء بدافع الخير أو الشر، ولذلك تتمتع أميركا بـ “جاذبية هائلة” تنامت مع الوقت وكانت كافية لدفع المهاجرين الأوائل إلى تكبد المشاق للوصول إلى “أرض الفرص”.

ولم يأت كولين بجديد حين أكد عالمية “الحلم الأميركي” في كتابه المنشور عام 2003، فكذلك فعل المؤرخ جيمس تراسلو أدامز الذي صاغ وقدم مصطلح “الحلم الأميركي” للمرة الأولى في الثلاثينيات الميلادية، ونسب إليه الفضل في جذب ملايين البشر إلى السواحل الأميركية.

كما دخلت المؤسسة السياسية الأميركية في مسعى طويل إلى تكريس عالمية هذا الحلم من خلال محركات سياستها الخارجية وقوتها الهوليوودية الناعمة، وحرصت على الاستثمار في “الدبلوماسية العامة” أو الشعبية للتواصل مباشرة مع شعوب الدول الأخرى من دون حواجز رسمية، حتى إن الرئيس هاري ترومان أطلق بين عامي 1950 و1952 حملة لمواجهة “أكاذيب” السوفيات وتوعية العالم بالحلم الأميركي، وعكس صورة شاملة وصادقة للتاريخ والثقافة والمجتمع والمؤسسات السياسية الأميركية.

لكن منذ عهد ترومان ومروراً بخلفائه حتى جو بايدن والتغيير ثابت وبارز في المعادلة الأميركية، للأفضل في نواحٍ كثيرة، فالولايات المتحدة تملك اليوم أعظم قوة عسكرية وأمنية، وللأسوأ على صعيد جاذبيتها العالمية، فصورة “أرض الفرص” اليوم باتت محل تشكيك، وكذلك عالمية “الحلم الأميركي” أصبحت مهددة، بينما لا تنفك بعض الشعوب والأنظمة تظهر ازدراءها لكل ما هو أميركي في رد فعل تجاه سياساتها الخارجية.

ولم تتغير أميركا في نظر ساستها وشعبها فقط، بل حتى لدى أصدقائها وأعدائها، فالثقة بها لدى حلفائها القدامى في الشرق الأوسط مهزوزة، والصين صارت أكثر جرأة في تحديها، ليس فقط في مناطق نفوذها بل حتى في الأراضي الأميركية. وتترافق هذه التحديات الدولية مع مشكلات داخلية اقتصادية واجتماعية وسياسية عميقة انعكست في ارتفاع مستوى الجريمة وتقلص الطبقة المتوسطة وحدة الاستقطاب السياسي.

ويقول الكاتب الأميركي ماثيو هينيسي “لقد اعتاد الأميركيون سماع قادتهم وهم يصفون بلادهم بأنها أرض الفرص، إلا أن الغريب أن الرئيس الحالي اعتاد على وصف أميركا بأنها أرض الممكن لا أرض الفرصة، أي أن الأميركيين تحت رحمة قوى خارجة عن سيطرتهم”، مشيراً في مقالته عبر “وول ستريت جورنال” إلى رواية جو بايدن نفسه للقائه الرئيس الصيني شي جينبينغ عندما سأله عما إذا كان يستطيع تعريف أميركا، فقال بايدن “نعم، في كلمة واحدة: “الإمكانية” Possibility.

وهذه الصياغة وفق الكاتب تحرّف القصة الأميركية وتقلل من شأنها كأرض الفرص، حيث يتمتع الناس بالقدرة على التصرف وتطوير مواهبهم والاستفادة القصوى من الفرص المتاحة، بخلاف أرض الممكن حيث الصدفة أو الحظ سيدا الموقف.

وتكرر هذا التضارب بين تعريفات الولايات المتحدة في مقالة نشرت عام 2015 عبر مجلة “ذا أتلانتيك”، إذ حللت باحثة العلوم الإنسانية في كلية بوسطن مارثا بايلز رؤية العالم لـ “الحلم الأميركي”، وخلصت إلى “فجوة مثيرة للقلق بين هذا الحلم الأصلي والحلم الجديد الذي يتحدث بشكل أقل بلاغة إلى بقية العالم”.

التعليقات معطلة.