أسلوب استخدمه هتلر ضد المعتقلين ولجأ إليه الفيتناميون ضد جنود الجيش الأميركي
عز الدين أبو عيشة مراسل
مكبرات صوت ركبها الجيش الإسرائيلي على حدود قطاع غزة لبث خطاب نتنياهو (حساب الصحافي آدم بارسونز على منصة إكس)
ملخص
وجه نتنياهو أول عبارات من خطابه للرهائن وخاطبهم قائلاً “أيها الأبطال الشجعان، أنا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أتحدث إليكم مباشرة من الأمم المتحدة، لن ننساكم ولو للحظة واحدة، شعب إسرائيل معكم، لن نستسلم ولن ندخر وسعاً إلى حين إعادتكم جميعاً إلى بيوتكم”.
قبل أن يصعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة، تحركت شاحنات عسكرية تابعة لجيش الاحتلال تحمل مكبرات الصوت نحو الحدود مع قطاع غزة، لبث خطاب رئيس الحكومة على مسامع النازحين المحاصرين في مكان ضيق وصغير.
على طول الحدود التي تربط غزة مع إسرائيل، ركب الجيش مكبرات الصوت ونصب سماعات ضخمة على رافعات عسكرية، ونشرت تلك الوسائل التكنولوجية في الجانب الإسرائيلي وداخل مناطق في القطاع يسيطر عليها الجيش، مثل محوري نتساريم وفيلادلفي 2 ووسط خان يونس وبعض مناطق مدينة غزة.
خطاب للرهائن والغزيين
أوصل الجيش الإسرائيلي ميكرفون منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة في مكبرات الصوت التي نشرها في قطاع غزة، وعندما بدأ نتنياهو خطابه قال “لقد حاصرت القطاع بسماعات كبيرة موصولة بهذا الميكرفون، على أمل أن تسمعني الرهائن”.
ثم وجه نتنياهو أول عبارات من خطابه للرهائن وخاطبهم قائلاً “أيها الأبطال الشجعان، أنا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أتحدث إليكم مباشرة من الأمم المتحدة، لن ننساكم ولو للحظة واحدة، شعب إسرائيل معكم، لن نستسلم ولن ندخر وسعاً إلى حين إعادتكم جميعاً إلى بيوتكم”.
AFP__20250926__76VN8ZY__v1__MidRes__UnDiplomacyUnga.jpg
لم تخل كلمة نتنياهو أمام الأمم المتحدة من الصوت العالي (أ ف ب)
بهذه العبارة البسيطة انتهى خطاب نتنياهو الموجه إلى الرهائن الذين تحتجزهم حركة “حماس”، ولكن صوت نتنياهو الذي ينتشر في أجزاء قطاع غزة لم يتوقف، بل استمر يصدح كاشفاً عن أن استخبارات بلاده تمكنت من اختراق هواتف الغزيين.
وقال نتنياهو، “بفضل جهود خاصة بذلتها الاستخبارات الإسرائيلية تنقل كلماتي مباشرة على هواتف الغزيين، ومن ثم، إلى بقية قيادة ’حماس‘” ثم واصل خطابه بعبارات تهديد ووعيد متابعاً “استسلموا، سلموا سلاحكم، أطلقوا سراح الرهائن الآن، إذا فعلتم ستبقون على قيد الحياة، وإذا لم تفعلوا إسرائيل ستطاردكم، إذا وافقت ’حماس‘ على مطالبنا يمكن أن تتوقف الحرب”. ثم واصل حديثه لأكثر من 40 دقيقة متواصلة.
فكرة جديدة
فكرة بث خطاب نتنياهو عبر مكبرات الصوت وتوجيهها لسكان غزة، هي خطوة لم تشهد لها إسرائيل مثيلاً منذ تأسيسها، وتحمل في طياتها الكثير من الرسائل ولها أبعاد كبيرة.
يقول نتنياهو إن الهدف من ذلك كان مخاطبة الرهائن، وقد خاطبهم بالعبرية والإنجليزية مع أنه من غير الواضح ما إذا المحتجزون قد كانوا سمعوه أصلاً، ويقول مكتبه “هذه الخطوة تأتي في إطار الجهد الدعائي”، ولكن صحيفة “هآرتس” العبرية ذكرت أن هذه الخطوة هي بمثابة حرب نفسية.
لكن استخدام مكبرات الصوت وتوجيه خطاب نتنياهو لسكان غزة أثارا غضب المعارضة الإسرائيلية، ويقول زعيمها يائير لابيد “هذا هو الجنون المطلق، لا ينبغي للجيش الإسرائيلي بث خطابات الحاكم عبر مكبرات الصوت، إنه يعرض الجنود للخطر في الميدان، هذا الأسلوب لا يليق بدولة ديمقراطية”.
لم يتمكن سكان غزة من سماع كلمة نتنياهو في ظل استمرار قصف القطاع (أ ف ب)
غضبت عائلات الرهائن من أوامر نتنياهو بتوجيه مكبرات الصوت لسكان غزة ومخاطبتهم، وأصدرت بياناً جاء فيه “يجب على وزير الدفاع وقائد الجيش وقف أي تحرك متعلق بخطة نصب مكبرات الصوت في قطاع غزة، إنها تشكل خطراً واضحاً على حياة أبنائنا، لم يحدث في تاريخ إسرائيل مثل هذا الاستهتار بأرواح الجنود”.
كتبت عنات أنغريست، والدة ماتان أنغريست الذي تحتجزه “حماس”، “قد يسمعكم اليوم ابني وغيره من المختطفين، كل جملة غير عبارة، جئت إلى الولايات المتحدة لتوقيع اتفاق يعيد الجميع إلى الوطن، هي صورة من صور الإيذاء النفسي لهم، لا تدمر يا نتنياهو أملهم، إن كان لا يزال لديهم أمل”.
لم يسمع الغزيون الخطاب
لم يسمع أحد من سكان غزة خطاب نتنياهو، إذ وضعت مكبرات الصوت بعيداً نسبياً من تجمعات النازحين في المنطقة الإنسانية، كما أن صوت الانفجارات والقصف العنيف الذي تزامن مع كلمات رئيس الوزراء الإسرائيلي كان أعلى من ذبذبات واهتزازات السماعات الضخمة.
يقول زين “لم يُبدِ أحد في غزة اهتماماً لمكبرات الصوت ولا حتى لخطاب نتنياهو، الناس هنا مشغولون بنصب الخيم والبحث عن الطعام، آخر ما يهمهم حالياً الاستماع لرئيس حكومة إسرائيل أو غيره”.
أسلوب النازية
على رغم أن مكبرات الصوت تستخدم للمرة الأولى من جانب إسرائيل، فإنها أسلوب قديم جداً يعود بالتاريخ إلى ما قبل 86 عاماً، عندما استخدم هتلر مكبرات الصوت في معسكرات الاعتقال لإجبار المعتقلين واليهود على الاستماع لخطب دعائية.
يقول رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان رامي عبده “إسرائيل استوحت فكرة بث خطاب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عبر مكبرات صوت على الحدود مع قطاع غزة، من الجيش الألماني النازي، الذي كان يروج لدعاية هتلر في معسكرات الاعتقال بهدف كسر إرادتهم وإشعارهم بالعجز وبث رسائل الخوف والسيطرة”.
أعاد نتنياهو إلى الأذهان مشاهد الدعاية النازية قبل أكثر من ثمانية عقود، إذ وثقت كتب التاريخ أن أي رفض أو غضب من السماع لخطابات هتلر عبر مكبرات الصوت كان يقابل بعقوبات قاسية، وفي العصر الحديث عصر القانون الدولي الإنساني تكرر المشهد نفسه في قطاع غزة، وأجبرت تل أبيب الغزيين على الاستماع لدعاية رئيس وزرائها.
انتهاك قانوني ونفسي
يقول الحقوقي صلاح عبدالعاطي إن “بث خطاب نتنياهو في معسكرات النزوح داخل قطاع غزة يعد دعاية قسرية تنتهك الكرامة والحرية الشخصية وتشكل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان، وفرض رسائل سياسية بالقوة على المدنيين لا يندرج ضمن أية ضرورات عسكرية، بل يمثل أسلوباً ممنهجاً للحرب النفسية بهدف إذلال السكان واستباحة حريتهم”.
أما أستاذ علم النفس والاجتماع مهند خضري يقول “هذا سلوك صادم للنازحين المجوعين الذين يعيشون تحت القصف والحصار، عليهم أن يستمعوا قسراً لصوت المسؤول عن الإبادة الذي يدمر مدينتهم، اليوم تحاكي إسرائيل ذلك النموذج النازي حرفياً بتوظيف أدوات دعائية قسرية وسط سياق دموي هدفه تحطيم الروح الإنسانية للمحاصرين”.
ويضيف خضري “في هذه الممارسة يفرض القائد العسكري حضوره على حياة الناس اليومية قسراً، ويذكرهم بأنهم مراقبون ومحاصرون، إن هذه الطريقة تهدف إلى تعميق الانكسار النفسي، ودفع الضحايا للشعور باللاجدوى، تماماً كما فعل النازيون في أوروبا، إسرائيل تتبع الخط نفسه، تجريد الإنسان من القدرة على تجاهل المحتل حتى في لحظات ضعفه”.
ويوضح أن إسرائيل تريد أن تبلغ الغزيين بأنها تسيطر حتى على ما يسمعون، مشيراً إلى أن بث خطاب مليء بالتحريض في آذان الذين يعيشون تحت القصف يعد خطوة استفزازية مقصودة لإشعال الغضب وربما دفع الناس إلى ردود أفعال يريدها نتنياهو.
حرب من المدرسة النازية
ليس هتلر وحده من استخدم هذا الأسلوب، الفيتناميون استخدموا أيضاً مكبرات الصوت ضد الجنود الأميركيين، إذ كانوا يشغلون مكبرات صوت ضخمة بقصد إخافة الجيش.
خلص العالمان الإسرائيليان البروفيسور دانييل بيلتمان والبروفيسور عاموس غولدبرغ إلى أن الحرب على قطاع غزة مستوحاة من المدرسة النازية، واستدلا على ذلك من ممارسات كان الجيش الألماني يستخدمها ويكررها الجيش الإسرائيلي اليوم.
اقرأ المزيد
ترمب يتحدث عن “نوايا حسنة” لطي صفحة “الموت والظلام” في غزة
إسرائيل تخنق مدينة غزة بالقذائف والجوع
ما سر رمز “كيو آر” الذي ارتداه نتنياهو في الأمم المتحدة؟
نتنياهو في الأمم المتحدة: قيام دولة فلسطينية “انتحار” لإسرائيل
ومن تلك الأساليب إلقاء منشورات تحذيرية من الجو لإرغام السكان على النزوح الجماعي، وبث رسائل نصية تهديدية على هواتف المدنيين، واستخدام الطائرات المسيرة لبث أغانٍ أو رسائل نفسية، واختراق الإذاعات المحلية واستخدام أثيرها لنشر تحذيرات.
انتقام تاريخي ومتعة روحية
يقول الباحث السياسي تيسير عبدالله “لا علاقة لبث خطاب نتنياهو عبر مكبرات الصوت إلى الغزيين بأية حرب نفسية، فلا معنى أن تلقي خطاباً سياسياً على من يبادون ويعذبون بالفعل في كل دقيقة”.
ويضيف “هناك بعد رمزي يعبر عن قيادة نتنياهو للانتقام التاريخي من أعداء إسرائيل، كما كان يفعل النازيون مع اليهود، يجمعونهم في أماكن ضيقة ثم يلقون عليهم تعليماتهم وخطاباتهم عبر مكبرات الصوت، وبالفعل حشر نتنياهو جميع سكان غزة في شريط ضيق ثم قرر أن يلقي عليهم خطابه بالإكراه، ويجب التذكير أن تل أبيب شبهت هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023 بالهولوكوست”.
ويوضح عبدالله أن مشهد مكبرات الصوت سيمنح متعة روحية كبيرة للتوراتيين الذين يرفعون نتنياهو إلى مرتبة المخلصين، لافتاً إلى وجود إشارة عسكرية إلى سيطرة إسرائيل على قطاع غزة كاملاً وقدرتها على إيصال صوتها بالقوة العسكرية إلى كل مكان فيه.
وبحسب عبدالله فإن هذا الإجراء يحمل رسالة سياسية ودبلوماسية أخرى إلى الدول التي تنتقد إسرائيل في أكبر تجمع لها في الأمم المتحدة، مفادها أن الجيش يقوم بإصدار التعليمات والإرشادات للغزيين، تضمن المسموح والممنوع وأن القوات قادرة على إيصال صوتها إليهم وفق القانون الدولي.