مع تصاعد الصراع الإسرائيلي في كلٍ من غزة ولبنان، يبرز السؤال حول أسباب عجز الدول الكبرى عن إيقاف هذا النزاع الذي طال أمده وأصبح يشكل تهديداً مستمراً للأمن الإقليمي والدولي. ورغم الجهود الدبلوماسية المتواصلة، إلا أن الحلول الحقيقية تبدو بعيدة المنال، مما يطرح تساؤلات حول أسباب هذا العجز.
- تضارب المصالح الدولية:
من بين أبرز الأسباب التي تعيق التوصل إلى حلول فعالة هو تضارب المصالح بين الدول الكبرى. فبينما تسعى الولايات المتحدة للحفاظ على علاقتها الاستراتيجية مع إسرائيل كحليف رئيسي في المنطقة، تقف دول مثل روسيا والصين في مواقف أكثر تعاطفاً مع القضايا العربية والإسلامية. هذا الانقسام الدولي يجعل من الصعب التوصل إلى موقف موحد ضد إسرائيل أو الضغط عليها لوقف هجماتها.
- الهيمنة الإسرائيلية المدعومة دولياً:
إسرائيل، وعلى مدار عقود، نجحت في بناء شبكة من العلاقات القوية مع الدول الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة، التي تستخدم حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي لحماية إسرائيل من أي قرار دولي يدين أعمالها العسكرية. الدعم الأمريكي القوي لإسرائيل يعرقل أي محاولة دولية لتطبيق ضغوط فاعلة على الحكومة الإسرائيلية لوقف عملياتها العسكرية.
- الدور الإيراني وتأثيره الإقليمي:
من ناحية أخرى، لا يمكن إغفال دور إيران في دعم الفصائل المسلحة في كل من غزة ولبنان، حيث يشكل هذا الدعم أحد العوامل الرئيسية التي تزيد من تعقيد المشهد السياسي والعسكري. الفصائل المدعومة من إيران، مثل حماس في غزة وحزب الله في لبنان، تعد جزءاً من الصراع الأكبر بين القوى الإقليمية، مما يجعل إنهاء النزاع أكثر صعوبة. الدول الكبرى ترى في أي ضغوط على إسرائيل فرصة لزيادة نفوذ إيران في المنطقة، وهو ما لا يرغبون فيه.
- ضعف الدور الأممي:
الأمم المتحدة، على الرغم من محاولاتها المستمرة للتوسط في الصراع، تعاني من قيود عديدة. قرارات مجلس الأمن غالباً ما يتم تعطيلها باستخدام حق النقض من قبل الدول الكبرى، كما أن الهيئات الدولية الأخرى تعاني من ضعف القدرة على فرض تنفيذ قراراتها. ضعف هذه المؤسسات جعل من المجتمع الدولي مجرد مراقب غير قادر على التأثير الفعلي على مسار الأحداث.
- توازن القوى الإقليمي:
في سياق أوسع، يعتمد الوضع في الشرق الأوسط على توازن القوى الإقليمي. هذا التوازن المتذبذب ينعكس على الصراعات في غزة ولبنان، حيث لا تسعى الدول الكبرى إلى تغيير كبير في هذا التوازن، خوفاً من حدوث فراغ في السلطة يؤدي إلى مزيد من الفوضى. وبالتالي، تُفضّل هذه الدول الاحتفاظ بالوضع الراهن مع تقديم دعم رمزي للجهود الدبلوماسية دون اتخاذ خطوات حقيقية لإيقاف الحرب.
- حسابات انتخابية وسياسية داخلية:
الدول الكبرى، خصوصاً الولايات المتحدة، غالباً ما تتجنب اتخاذ مواقف قوية ضد إسرائيل بسبب التأثير السياسي الداخلي. الدعم لإسرائيل في السياسات الداخلية الأميركية يمثل قوة لا يُستهان بها، حيث تعتمد العديد من الإدارات الأميركية على أصوات جماعات الضغط الداعمة لإسرائيل في الانتخابات. وبالتالي، يُفضّل القادة الأميركيون تجنب اتخاذ مواقف قد تؤثر سلباً على دعمهم الانتخابي.
- التعقيدات العسكرية والاستراتيجية:
من الناحية العسكرية، تعتبر إسرائيل أن هذه الهجمات على غزة ولبنان ضرورية لأمنها القومي، وهو ما تدافع عنه بقوة في المحافل الدولية. الدول الكبرى تجد نفسها بين معادلة الحفاظ على استقرار المنطقة ومنع التصعيد من جهة، وبين الحفاظ على حليف استراتيجي قوي من جهة أخرى. التعقيدات الاستراتيجية المرتبطة بموقع إسرائيل وحجم التحديات التي تواجهها تجعل الدول الكبرى مترددة في اتخاذ موقف حاسم لإيقاف الحرب.
إن عجز الدول الكبرى عن إيقاف الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان لا يعود إلى ضعف قدراتها، بل إلى تعقيدات جيوسياسية واستراتيجية عميقة. هذه التعقيدات تجعل من الصعب على أي طرف دولي التدخل بشكل حاسم دون المخاطرة بتغيير التوازنات القائمة في المنطقة. وفي ظل هذا الواقع، يبدو أن الصراع سيستمر ما دامت المصالح الدولية والإقليمية متضاربة، وما لم يتم إيجاد حل جذري يعالج جذور النزاع الطويلة.