شنت إسرائيل فجر الجمعة، هجوماً غير مسبوق على قلب المجمع النووي والصاروخي والعسكري الإيراني، أسفر عن مقتل عدد من أقوى الشخصيات في إيران، وأدخل الشرق الأوسط الأوسع في مرحلة جديدة وخطيرة، بحسب تقرير تحليلي لشبكة “سي إن إن” الأميركية.
وقد تمثّل الهجوم على البرنامج النووي الإيراني وكبار القادة العسكريين في نقطة تحول في الصراع الطويل الأمد، حيث تستعد إسرائيل لرد إيراني كبير، وأصبح خطر اندلاع حرب إقليمية أوسع الآن واقعاً حقيقياً، بحسب التحليل.
وفي وقت لاحق من صباح الجمعة، بدا أن هذا الرد قد بدأ بعد أن قالت القوات العسكرية الإسرائيلية إن إيران أطلقت أكثر من 100 طائرة مسيّرة باتجاه إسرائيل، وإن إسرائيل بدأت “اعتراضها” خارج حدودها.
“عقاب” إيراني
وحذر المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، من أن إسرائيل ستواجه “عقاباً شديداً” بسبب هذه الهجمات، وأكد مقتل عدد من القادة والعلماء الإيرانيين. وقال المتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية إن كلّاً من الولايات المتحدة وإسرائيل “ستدفعان ثمناً باهظاً”، بينما وصف وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، الهجوم بأنه “إعلان حرب”.
وقال وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، إن الولايات المتحدة لم تشارك في الهجمات، مشيراً إلى أن إسرائيل “أبلغت” الولايات المتحدة بأنها تعتبر العملية ضرورية للدفاع عن النفس. وكان الرئيس دونالد ترامب قد حذر، يوم الخميس، من احتمال اندلاع صراع هائل في الشرق الأوسط قريباً.
وفي منشور له على منصة التواصل الاجتماعي الخاصة به “تروث سوشال” فجر الجمعة، حث ترامب إيران على الموافقة على اتفاق نووي قبل ألا يبقى شيء، مشيراً إلى أن الهجمات الإسرائيلية اللاحقة على البلاد قد تكون أكثر قسوة.
سعت واشنطن منذ فترة طويلة للحد من قدرة طهران النووية، لكن أحدث المفاوضات التي جرت في روما الشهر الماضي انتهت من دون اتفاق. وكان من المقرر عقد جولة سادسة من المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران يوم الأحد في سلطنة عمان، ولكن من غير الواضح ما إذا كانت ستُعقد.
برنامج إيران النووي
وجاءت الضربات الإسرائيلية بعد وقت قصير من إعلان طهران أنها ستكثف أنشطتها النووية، وذلك في أعقاب صدور قرار من الوكالة الدولية للطاقة الذرية يفيد بأن البلاد لا تفي بالتزاماتها في مجال عدم الانتشار، حسبما قاله مسؤولون أمريكيون رفيعو المستوى لـ”سي إن إن”.
وفي خطاب متلفز إلى الأمة صباح الجمعة، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إن العملية العسكرية “استهدفت رأس برنامج تسليح إيران النووي”، وشملت الأهداف منشأة التخصيب الرئيسية في نطنز، وعلماء نوويين إيرانيين، وبرنامج الصواريخ الباليستية الإيراني.
وقال نتانياهو: “قبل لحظات، أطلقت إسرائيل عملية (الأسد الصاعد)، وهي عملية عسكرية محددة الهدف للحد من التهديد الإيراني الذي يستهدف بقاء إسرائيل”.
وأضاف: “ستستمر هذه العملية لعدد الأيام الذي يتطلبه الأمر لإزالة هذا التهديد”.
وقد سُمعت انفجارات متكررة في العاصمة طهران، ما أثار الذعر بين سكانها، وأظهرت عدة مقاطع فيديو تصاعد ألسنة اللهب والدخان من مبانٍ في أنحاء المدينة. كما تم إغلاق المجال الجوي الإيراني، وفقاً لما أعلنته هيئة الطيران المدني.
وأفاد بيان عسكري إسرائيلي لاحق، الجمعة، بأن المقاتلات الإسرائيلية نفذت أيضاً “ضربة واسعة النطاق” على منظومات الدفاع الجوي في غرب إيران. وجاء في البيان: “كجزء من الضربات، تم تدمير عشرات الرادارات وقاذفات صواريخ أرض-جو”.
مقتل أقوى رجال إيران
وبحسب السلطات الإيرانية ووسائل الإعلام الرسمية، فقد قُتل عدد من أقوى الرجال في إيران، من بينهم اللواء حسين سلامي، القائد العام لقوات الحرس الثوري الإيراني، والفريق أول محمد باقري، رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، وأعلى مسؤول عسكري في البلاد.
ومن بين القتلى أيضاً رئيس الأمن القومي الإيراني السابق علي شمخاني، وهو مستشار رئيسي لخامنئي وشغل منصب أمين مجلس الأمن القومي لما يقارب عقداً من الزمن، وأمير علي حاجي زاده، قائد القوات الجوية في الحرس الثوري، والذي قُتل مع اثنين آخرين من قادة القوات الجوية. وقالت وكالة أنباء تسنيم المقربة من الدولة إن ستة من علماء إيران النوويين قُتلوا أيضاً.
وقد عيّن خامنئي، الجمعة، قادة جدد لرئاسة كيانات عسكرية رئيسية، من بينهم العميد محمد باكبور، القائد الجديد للحرس الثوري الإيراني.
شاهد.. الموساد ينشر فيديو لعملائه السريين على أراضي إيران “يجهزون أسلحة الهجوم” – موقع 24
في خطوة غير مسبوقة تكشف عمق الاختراق الأمني داخل إيران، نشرت وسائل إعلام إسرائيلية مقاطع فيديو وصوراً قالت إنها لعملاء من جهاز الموساد وهم يركّبون أنظمة أسلحة هجومية داخل الأراضي الإيرانية.
وتشير هجمات الجمعة إلى أن نتانياهو رأى في هذه اللحظة فرصة لتحقيق هدف إسرائيل الطويل الأمد المتمثل في تدمير البرنامج النووي الإيراني. وتعيش إيران في أضعف حالاتها العسكرية منذ عقود، نتيجة العقوبات الاقتصادية القاسية، والضربات الإسرائيلية السابقة لأنظمتها الدفاعية الجوية، والقضاء على وكلائها الأقوى في المنطقة، بمن فيهم “حزب الله”.
وكان مسؤولون أمريكيون قد أبلغوا “سي إن إن” في وقت سابق أن أي ضربة إسرائيلية على إيران ستكون بمثابة انحراف صارخ عن نهج ترامب في الشرق الأوسط.
وقال ترامب للشبكة يوم الجمعة إن الولايات المتحدة تدعم إسرائيل، واصفاً الضربات على إيران بأنها “هجوم ناجح للغاية”.
وقد أعربت عدة دول عن قلقها وإدانتها لضربات إسرائيل، حيث قالت وزارة الخارجية السعودية إن الهجوم يقوض “سيادة إيران وأمنها ويشكّل انتهاكاً واضحاً للقوانين والأعراف الدولية”، في حين وصفت السفارة الصينية في إيران الوضع بأنه “خطير ومعقّد”.
ليلة طويلة مرعبة
وقد عاش السكان في إيران ليلة طويلة مرعبة. وقالت نغار مرتضوي، الزميلة البارزة في مركز السياسات الدولية، لـ”سي إن إن”: “أفاد الناس بأن الأرض اهتزت، وسمعوا انفجارات، وشاهدوا طائرات تحلق فوق رؤوسهم”.
أما عزّام، وهو مواطن إيراني يبلغ من العمر 35 عاماً ويعيش بالقرب من منطقة سعادت آباد في شمال طهران، وهي منطقة استهدفتها إسرائيل فقال: “استيقظت على اهتزاز المنزل بأكمله. كنت خائفاً للغاية، لا أعرف ماذا حدث”.
وقال سام، 29 عاماً، إنه يخشى من المزيد من الهجمات. وأضاف: “أنا قلق من تصعيد هذا الوضع، وماذا يعني بالنسبة لنا هنا في طهران”. ومثل عزّام، طلب سام عدم ذكر اسمه الكامل لدواعٍ أمنية.
أعلنت إسرائيل حالة طوارئ خاصة، وأغلقت مجالها الجوي، وعلّقت الدراسة، ومنعت التجمعات العامة. وقال رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي إن عشرات الآلاف من الجنود الإسرائيليين يتم استدعاؤهم تحسباً لرد إيراني.
مخاوف من حرب أوسع
لطالما حذر المحللون والخبراء بحسب التقرير، من أن الضربات الإسرائيلية ضد القدرات النووية الإيرانية قد تؤدي إلى رد إيراني واسع النطاق وتهدد بإشعال حرب شاملة في المنطقة.
وإذا انزلقت إسرائيل وإيران في صراع أوسع، فقد يؤدي ذلك إلى تدخل الولايات المتحدة في المعركة، فالولايات المتحدة هي الحليف الأقرب لإسرائيل وأكبر مزود لها بالسلاح، ويوجد حالياً نحو 40,000 جندي أمريكي في الشرق الأوسط، بينهم قرابة 4,000 في العراق وسوريا.
وظهرت مؤشرات على هذا الخطر في وقت سابق من هذا الأسبوع، عندما أمرت الولايات المتحدة بإجلاء الموظفين غير الأساسيين من مواقع في أنحاء الشرق الأوسط، مع تصاعد التحذيرات الاستخباراتية من أن ضربة إسرائيلية على إيران باتت وشيكة.
فيديو| إيران تطلق مئات الصواريخ الباليستية اتجاه إسرائيل – موقع 24
أعلن الجيش الإسرائيلي، الجمعة، أنه رصد إطلاق صواريخ من إيران نحو الدولة العبرية، وأمر كل السكان بالتوجه إلى الملاجئ والغرف المحصنة.
وقد دافع نتانياهو مراراً عن خيار العمل العسكري لوقف البرنامج النووي الإيراني، وتشير تقارير استخباراتية أمريكية حديثة إلى أن إسرائيل تسعى للاستفادة من الدمار الذي ألحقته بضرب منشآت إنتاج الصواريخ والدفاعات الجوية الإيرانية في أكتوبر (تشرين الأول).
ويقول خبراء إن أي هجوم إسرائيلي على منشآت إيران النووية من شأنه أيضاً إنهاء المفاوضات النووية بين طهران وواشنطن.
وقد اشتعل المجمع الذي يشكّل محور الطموحات النووية الإيرانية بالنيران، الجمعة، بحسب صور نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي.
ويُعدّ مجمع نطنز النووي، الواقع على بعد نحو 250 كيلومتراً جنوب طهران، أكبر منشأة إيرانية لتخصيب اليورانيوم. ويقول محللون إن الموقع يُستخدم لتطوير وتجميع أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم، وهي تقنية رئيسية لتحويل اليورانيوم إلى وقود نووي.
وأكدت وكالة الطاقة الذرية الإيرانية أن منشأة نطنز قد تضررت. ويضم المجمع منشآت فوق الأرض وتحتها، ولا يزال من غير الواضح ما الذي تضرر بالضبط، لكن الوكالة قالت إنه لم تُسجّل أي إصابات.
وقال مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، إنه لم يتم رصد أي مستويات مرتفعة من الإشعاع في نطنز. وأضاف أن منشآت نووية أخرى في إيران، مثل أصفهان وفوردو، “لم تتأثر”.
تفعيل طائرات مسيّرة
وقال مسؤول أمني إسرائيلي إن جهاز الموساد الإسرائيلي قام بتهريب أسلحة إلى داخل إيران قبل هجمات الجمعة، واستُخدمت هذه الأسلحة لاستهداف دفاعاتها من الداخل.
وأوضح المسؤول أن “قاعدة لإطلاق طائرات مسيّرة مفخخة تم إنشاؤها داخل إيران، وتم تفعيل هذه الطائرات خلال هجوم الجمعة لاستهداف قاذفات صواريخ في قاعدة قرب طهران”.
وفي العام الماضي، تحوّلت الحرب الباردة الممتدة بين إسرائيل وإيران إلى مواجهة علنية عبر سلسلة من الضربات الصاروخية المتبادلة. في حينها، حذرت الولايات المتحدة إسرائيل من ضرب منشآت الطاقة أو البنية التحتية النووية الإيرانية.
لكن عملية الجمعة تتجاوز كل ما حدث سابقاً. وقالت محللة الأمن القومي في “سي إن إن” بيث سانر، إن القضاء على سلامي يشبه القضاء على رئيس هيئة الأركان المشتركة في الولايات المتحدة: “يمكنكم أن تتخيلوا كيف سيكون رد فعل الأمريكيين”.
وقالت سانر إن إيران الآن “تواجه تهديداً وجودياً”، وبالتالي فإن الإسرائيليين سيتوقعون “رداً ضخماً، أكبر بكثير من كل ما سبق”.