لماذا كل هذا التباهي بأننا “لا نجيد الحساب”؟

1

لا تسمع أحداً يتباهى بأنه لا يجيد القراءة بالطريقة نفسها التي ترى فيها شخصاً يؤكّد لك بكل فخر بأنه سيئ جداً في الرياضيات

كيت يايتس 

يتوقع رئيس الوزراء أن نوسّع فرص تعليم الرياضيات فيما نحن عاجزون حتى عن ملء الشواغر المطلوبة في الوقت الحالي (شترستوك)

وقف ريشي سوناك أمام جمهور من الطلاب والمعلّمين وخبراء التعليم وقادة الأعمال، واستعرض خططه الرامية إلى “تغيير مقاربتنا الوطنية للرياضيات”.

بعد إشارته إلى “العقلية المعادية للرياضيات”، قال رئيس الوزراء “علينا أن نبدأ بتثمين الإلمام بالحساب لما يمثّله، أي مهارة أساسية وضرورية جداً، تماماً كالقراءة”. 

وفي محاولة لـ”عدم التراخي والسماح باستمرار هذا المعتقد الثقافي بأنه لا بأس من عدم إجادة الرياضيات” ومن أجل “عدم وضع أطفالنا في موقع ضعف”، طلب سوناك من لجنة مختصّين مؤلّفة من علماء في الرياضيات وقادة في مجال التعليم وممثلين عن قطاع الأعمال أن يتوصّلوا إلى طريقة “تغيّر نظامنا التعليمي كلياً بحيث تمنح شبابنا المعرفة والمهارات التي يحتاجونها”. 

لا شكّ في أنّ مخططات البحث في طرق التصدي للمشكلات المحيطة بالإلمام بالحساب في إنكلترا جديرة بالثناء. ولا يُخطئ رئيس الوزراء في تأكيده على أن ارتفاع مستويات الكفاءة في الرياضيات سوف “يساعد الشباب في مسيراتهم المهنية ويعزّز نمو الاقتصاد”. إنه لمن المزعج أن إنجلترا تأتي دائماً بنتائج سيئة في ما يعني إلمام البالغين بالحساب مقارنةً بغيرها من دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. 

ويرتبط ضعف الإلمام بالحساب بأوضاع مالية أسوأ لدى الأفراد. وعلى مستوى السكان بشكل عام، قد يخسر الاقتصاد مليارات الجنيهات بسبب ضعف المهارات الحسابية والرياضية. 

ومن الصحيح كذلك بأن وصمة العار المرتبطة بالأميّة أكبر بكثير من تلك التي ترتبط بجهل الحساب. لا تسمع أحداً يتباهى بأنه لا يجيد القراءة بالطريقة نفسها التي ترى فيها شخصاً يؤكّد لك بكل فخر بأنه سيئ جداً في الرياضيات.

ويعود هذا جزئياً إلى أن الأميّة تصعّب التعامل اليومي بشكل أكبر من ضعف الإلمام بالحساب. لكن يمكن أن يخلّف ضعف الإلمام بالحساب تداعيات خفية وواسعة النطاق، ومن الأمثلة على ذلك أن شخصاً من كل أربعة أشخاص استُطلعت آراؤهم قال إنه تراجع عن التقدّم بطلب لوظيفة لأنها تتطلب التعامل مع الأرقام أو البيانات. 

لكن من غير الواضح إن كانت الخطة التي أعلن عنها سوناك سابقاً بشأن فرض دراسة الرياضيات الإلزامية حتى عمر الثامنة عشر ستنجح في التصدي لهذه المشكلات بفعالية. نحن في الحقيقة بحاجة إلى مقاربة أكثر شمولية تحارب الوصمة المرتبطة بدراسة المواضيع الكمّية خلال فترة التعليم الابتدائي والثانوي.

بحلول عمر السادسة عشر، يمكن اعتبار المعركة لفرض هيبة الرياضيات قد خُسرت بالنسبة إلى كثيرين من شبابنا. وقد تتفاقم المشكلة، بدل أن تُحلّ بعد فرض دراسات إضافية في الرياضيات على هؤلاء الشباب الساخطين.

يمكن أن تؤدي سياسة فرض مادة الرياضيات الإلزامية على الجميع حتى عمر الثامنة عشر إلى نتائج عكسية، فتنفّر الطلاب من الدراسة بعد عمر السادسة عشر كلياً.

بدلاً من ذلك، علينا أن نعمل على تغيير المواقف والآراء من مفهوم إجادة الحساب انطلاقاً من المراحل الأولى من تعليم أطفالنا الرياضيات. وتشكّل مراكز اكتشاف عالم الرياضيات بشكل عملي، مثل مركز ماث سيتي في ليدز، إحدى الطرق التي يمكننا أن نأمل في أن تساعدنا على صياغة صورة ممتعة وتفاعلية عن الرياضيات في أذهان أطفالنا، منذ نعومة أظفارهم. 

وقد يساعد إيضاح أهمية الرياضيات والحاجة إليها والإمكانيات التي قد تفتحها أمامك، في المنهج التعليمي- وهو شيء تحاول أن تفعله مادة “الرياضيات الأساسية” التي طُرحت حديثاً نسبياً- على تحسين المواقف والآراء من الرياضيات.   

وقد يكون أكبر خطر على نوعية تعليم الرياضيات في إنجلترا اليوم هو النقص طويل الأمد في أعداد أساتذة الرياضيات الذين يشغلون مناصب تعليمية. فعلى رغم قيام الحكومة بتقليص هدفها كثيراً في ما يعني توظيف معلمين للرياضيات، فشلت الحكومة مرة جديدة في تحقيق حتى هدفها المصغّر في عام 2022. 

وتلجأ نصف المدارس الثانوية تقريباً إلى أساتذة غير مختصّين لتعليم الرياضيات.

كيف يتوقع رئيس الوزراء أن نوسّع فرص تعليم الرياضيات فيما نحن عاجزون حتى عن ملء الشواغر المطلوبة في الوقت الحالي؟

نظراً لأن الإضراب الذي ينفّذه المعلّمون الآن سببه تردّي أجورهم وظروف عملهم، وفيما لا يلوح أي حل لهذه المشكلة في الأفق، من غير الواضح كيف ستتمكن الحكومة من التعامل مع النقص الحالي في أعداد المعلّمين، ناهيك عن توظيف أعداد كافية منهم لتنفيذ المنهج الموسّع. 

وفيما تُعدّ فكرة تحسين مستوى إلمام الجميع بالحساب فكرة مهمة، سوف تعود، في حال تطبيقها، بالنفع على الشعب البريطاني، والأفراد والدولة بشكل عام- من غير الواضح إن كانت أي خطة قد وُضعت أساساً لتطبيقها بشكل فعّال.

نفترض بأن المراجعة التي يتولّاها الخبراء بطلب من سوناك سوف توكل إليها مهمة تطبيق هذه الخطة. إنما في غياب الأساتذة المطلوبين من أجل التعامل مع المطالب التعليمية الحالية كما غياب أي إشارات على وجود حل مرضٍ للإضراب، ليس معروفاً بعد كيف سوف نتمكن من تطبيق أي خطة كانت لتحسين وضع الإلمام بالحساب تتطلب منا توسيع قدرتنا على تقديم دروس مناسبة، يمكنها أن تجذب انتباه (الطلاب) وتلهمهم.

في الوقت الحالي، هذه الحسابات غير صحيحة.

كيت يايتس كبير المحاضرين في قسم علوم الرياضيات والمدير المشارك في مركز علوم الأحياء الرياضية في جامعة باث

© The Independent

التعليقات معطلة.