يوجد خياران أمام الشركات في الدول التي تملك أسواق مال متطورة، في حال أرادت الاقتراض لتوسيع نشاطاتها. يتمثل الأول يتمثل باللجوء إلى أسواق الديْن عبر إصدار السندات أو الصكوك أو إلى المصارف. لكن لدى أكثرية الشركات في معظم دول المنطقة خياراً واحداً يتمثل بطرق باب المصارف، التي تضع شروطاً قاسية لمصلحتها.
في المقابل، تجمع الشركات في الولايات المتحدة 80 في المئة من ديونها عبر السندات، وما نسبته 20 في المئة عبر القروض، وفي أوروبا تصل نسبة السندات إلى 30 في المئة والقروض إلى 70 في المئة. فيما تميل الكفّة نحو القروض في معظم دول الخليج، نتيجة تأخر سوق السندات في المنطقة، وزاد ترجيح الكفة إقبال البنوك الخليجية على الإقراض.
وتُبدي المصارف في الخليج حماسة لإقراض الشركات المدرجة في الأسواق المالية خصوصاً تلك الكبيرة، ما أثّر في تراجع إصدار سندات الشركات في المنطقة، وفي شكل لم يعد لديها حافز لخوض الإجراءات المعقدة لإصدار السندات، علماً أن الشركات المتوسطة النمو لا تتوافر لها القروض بسهولة. ففي ماليزيا مثلاً، أوجدوا سوق سندات وصكوك الخردة، وهي أدوات ديْن عالية الأخطار وبتصنيفات منخفضة.
ولا بد من الإشارة إلى أن الصكوك تمثل أحد أشكال الاستثمار والتمويل، والمتوافق مع الشريعة الإسلامية. ولم تقتصر الاستفادة من هذه الأداة على القطاع الخاص، خصوصاً الشركات الكبيرة والمساهمة العامة، بل امتدت إلى القطاع العام سواء الحكومات أو المؤسسات الحكومية التابعة لها في تمويل مشاريعه.
ويساهم تأسيس سوق ثانوية للصكوك والسندات في تعميق الأسواق المالية، التي تواجه اقتصار الأدوات الاستثمارية فيها على الأسهم، والتي تُعتبر مرتفعة الأخطار، وكبّدت المستثمرين الصغار خسائر جسيمة. وليست الصكوك والسندات دائمة، طالما تدوم الشركات المصدرة لها كما هي الحال بالنسبة إلى الأسهم، بل هي مرتبطة بأجل وتُصفّى عند بلوغه بالطرق المنصوص عليها في نشرة الإصدار. إذ تُعتبر أداة تمويل وتمثل ملكية المشروع الذي أصدرت من أجله.
ولحامل السهم لدى تصفية الشركة التي يساهم فيها، حصته من أصولها بعد سداد ما يتوجب عليها من ديون، مع العلم أن السهم جزء من رأس مال الشركة. وكما هو معلوم ليس للشركات تاريخ للتصفية، لأن الهدف من تأسيسها هو الاستثمار والتوسع والاستمرار إلى أجل غير مسمى.
أما بالنسبة إلى الصكوك، فهي تختص عادة بمشاريع لها تاريخ انطلاق وانتهاء، وحامل الصك ممول للشركة المصدرة. أما بالنسبة إلى مالك السهم فهو شريك ومالك لحصة مشاعة في رأس مال الشركة.
وتُعتبر السندات ورقه تحمل فوائد، وحامل السند لا يتأثر بنتيجة أعمال الشركات ولا بمركزها المالي، لأن مالكها يستحق القيمة الاسمية للسند، تُضاف إليه الفوائد عند الاستحقاق. في حين يتأثر مالك الصك بنتيجة أعمال الشركة أو المشروع ويشارك في تحمل الأخطار، وله المكاسب التي يحققها المشروع، وعليه الغرامات التي يتعرض لها. وهذه الخصائص هي من أهم الفوارق بين الصكوك الإسلامية والسندات (يطلق البعض على السندات صفة الربوية). وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الصكوك أصبحت من أحدث وسائل التمويل في العالم وأهمها، فضلاً عن أنها أداة تمويل خارج الموازنة. وتُقدّر نسبة المشتركين في الصكوك من غير المسلمين في العالم بنحو 80 في المئة.
ويوجد 14 نوعاً من الصكوك، أبرزها صكوك الإجارة. ويساهم تأسيس سوق ثانوية للصكوك في الاستفادة من السيولة المتوافرة لدى المصارف الإسلامية، بهدف تمويل المشاريع المختلفة.
أما الأسهم فتعطي صاحبها الحق في حضور الجمعيات العمومية والتصويت والإشتراك في الإدارة. فيما لا يمنح حاملو السندات معظم هذه الحقوق. وباتت تُعدّ الصكوك من أهم موجودات الصناعة المالية الإسلامية، بعد تلبيتها الحاجات التمويلية للمشاريع الوطنية، ومساهمتها في تشجيع الإدخارات الطويلة الأجل، وتنشيط سوق رأس المال ودفع عجلة النمو الاقتصادي.
وفي الختام، فإن السندات صكوك متساوية القيمة وغير قابلة للتجزئة أمام الجهة المصدرة لها. ولحاملها حق استيفاء قيمتها قبل أصحاب الأسهم. وحامل السند يتمتع بحقوق الدائن تجاه مدينه وفقاً للأحكام القانونية، وتشبه السندات الأسهم في خصائص كثيرة، فلكل منهما قيمة إسمية وسوقية وقابلية التداول، وتتأثر أسعارهما بمبدأ العرض والطلب وبالمركز المالي للشركة المصدرة والأوضاع السياسية. ويتحمّل المساهم في الشركة أخطار إفلاسها، فيما حصة صاحب السند مضمونة.
لماذا لا تُقبِل الشركات على السندات والصكوك؟
زياد الدباس
التعليقات معطلة.