لماذا نحب الشهداء؟

1

نادية حرحش
اشتاقت الارض مرة اخرى لخيرة ابنائها، وشهدنا جنين ونابلس وارتقاء الشهداء. مشهد تتغير فيه الاسماء وتتبدل القصص، وتهدر الدموع فتجف العيون ، وتبقى الارض متعطشة للارتواء من دم ابنائها هؤلاء. انبكيهم ؟ ام نرثيهم؟ ام نزفهم بارتقائهم الى مكان لن يسع الا الابرار ؟
هل تكون هذه عبارات نضمد فيها اوجاعنا؟ تخفف عن مصابنا الجلل بفقدان الشجعان منا ، الذين يحملون الوطن بين نبضاتهم ويستبسلون من اجله حتى فراقهم لاخر انفاسهم ؟
لا استطيع ان اجد اجابة كافية ، في وقت يبكي فيه الوطن هؤلاء الشباب وبطولاتهم. فالخسارة فادحة عند التفكير بقيمة هؤلاء. هؤلاء الذين عشقوا الوطن بقدر عشقهم للحياة بل اكثر ، ولم يترددوا في الموت في سبيله ، فكيف لو عاشوا ليقدموا حبهم لهذا الوطن في الحياة؟
يجعلونا ،نحن اولئك الرابضون على الارض منتظرون للمعجزات ، اقرب ايمانا بان بالموت في المحصلة لا بد هناك حياة، حياة بها جنة للابطال، للشهداء.
الهذا نتمسك بهم؟ لأننا نعرف تماما ، انه اذا ما كان هناك جنة تأتي بعد حساب ، فهي فقط لهم . لأنهم استطاعوا العمل من اجل حياة لا تفنى بفناء الجسد ، بل تبقى مزهوة بأرواح من فدوا اجسادهم من اجلها.
عند ارتقاء احمد جرار شهيدا، اثار موته مشاعرا مختلطة ،كان الحزن بلا شك الظاهر منها ، ولكن ، كان بموته حياة لما جف من مشاعرنا وما يبس من امل لنا في حياة كريمة.
انحبهم شهداء؟ لا … ولكن بشهادتهم اضعف الايمان بالنسبة لنا .
فهناك منا من ينتظر ارتقاءهم ليكونوا سلما في درجات حساباتهم السياسية. وهناك منا من لا يزال ينتظر يوم تحرير قادم. فبارتقائهم تشع السماء بأمل جديد ،يصبحون كالنجوم مضيئين طرقات العالم الشاسع .
وهناك منا ….وهذا هو المصاب الاكبر، من ساعد في اغتيال هذا البطل.
وهنا تكمن معضلة حبنا لاحمد جرار ورفاقه ، كما حبنا لباسل الاعرج ،فنحبهم كحب يعقوب ليوسف. يبكينا خداع الاخوة وتواطؤهم ثم رجوعهم باكين مدعين ان اخاهم قد اكلته الذئاب حاملين قميص مدمي.
حبنا لهؤلاء الشهداء كظم دموعنا ،فتحجرت ابصارنا ولم يبق امامنا من هول المصاب الا التمسك بالشهيد وحبه والاحتفاء به . وكأننا نقول لهم ، لاولئك الذين تواطؤوا وخانوا العهد والوطن والانسان ، بأن احمد وباسل ورفاقهم هم طريق الاشتباك الحقيقي الذي لن نحيد عنه. حتى ولو سكتنا هيبة ، وكتمنا هول مصابنا بالخيانة لأن هناك عدو بالنهاية يده التي تنفذ الجرائم الشنعاء . فإن قلوبنا تشتعل لهيبا على فقدانهم ، وعقولنا تتحرك تدريجيا نحو صواب واحد : بغض الاحتلال وخيانة الاخوة.
سكوتنا ليس خوفا ، ولكن حرقة . حرقة القلوب التي تعي ان الاقرب هو العدو الحقيقي. ان من ذلك الذي تأمنه على حياتك هو العدو الاخطر . وهؤلاء يتبين في كل مصاب انهم كثر.
ولهذا نحب الشهداء، لأنهم قادرون على اعطائنا الامل بالحياة. الحياة تلك التي نتوق لعيشها . حياة تكون الحرية هي عنوانها. حياة قيل لنا اننا جئنا اليها لنكون احرار. وهؤلاء …. احمد وباسل ومهند وبهاء ونشأت وليث ونجوم حقيقية في سمائنا ستبقى تنير لنا امل حياة نستحق ان نعيشها .
هؤلاء…. هم الباقون …. لا يموتون….
هؤلاء هم ابناؤنا ….فكلنا امهات واخوات وزوجات احمد وباسل وليث وبهاء ونشأت. فقدانهم هو فقداننا . خسارتهم هي خسارتنا . وارتقاؤهم شهداء هو احتفاؤنا .

التعليقات معطلة.