24 ـ طارق العليان
قال الكاتب والإعلامي أحمد الشرعي، إن الضربات العسكرية التي نفذتها الولايات المتحدة ضد تنظيم “داعش” في سوريا تمثل أكثر من ردّ فعل أمني محدود، بل تعكس عودة واضحة إلى مبدأ السلام عبر القوة بوصفه ركناً أساسياً في صناعة الاستقرار الإقليمي.
وأضاف أن هذا المبدأ، الذي تراجع حضوره في السياسة الأمريكية خلال العقد المنصرم، أتاح بيئة خصبة لنمو الإرهاب، والحروب بالوكالة، وتحدي الردع الأمريكي في الشرق الأوسط.
وأوضح الشرعي، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لمجموعة “وورلد هيرالد تريبيون”، وناشر مجلة “جيروزاليم ستراتيجيك تريبيون”، في مقال تحليلي بموقع مجلة “ناشونال إنترست”، أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعادت لهذا المفهوم صدقيته العملية، بعدما ظل لسنوات شعاراً سياسياً من دون ترجمة ميدانية.
ضربات سوريا.. استعادة الردع لا مجرد انتقام
أشار الكاتب إلى أن الهجوم الذي استهدف قوات أميركية قرب مدينة تدمر السورية في ديسمبر (كانون الأول)، وأسفر عن مقتل جنديين أمريكيين ومترجم مدني، شكّل نقطة تحوّل في قواعد الاشتباك. وأضاف أن الرد الأمريكي جاء سريعاً وواسع النطاق، عبر حملة جوية استهدفت مراكز قيادة ومستودعات أسلحة وبنى لوجستية لتنظيم “داعش” في وسط وشرق سوريا.
وتابع الشرعي أن الرسالة كانت واضحة: استهداف الأمريكيين لن يمرّ دون ثمن. غير أن أهمية العملية، برأيه، لا تكمن فقط في بُعدها العسكري، بل في استعادة مصداقية الردع الأمريكي بعد سنوات من التردد.
عقد من الخوف من التصعيد
أوضح الكاتب أن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط اتسمت، خلال أكثر من عقد، بحذر مفرط من التصعيد، تُرجم عملياً إلى امتصاص الاستفزازات، وتأجيل الرد، والاكتفاء بضبط النفس الخطابي بدل الاستراتيجية الفعلية.
وأضاف أن هذه المقاربة لم تُنتج استقراراً، بل سمحت بتراكم الميليشيات، وتوسع الترسانات الصاروخية، وتعاظم ثقة الفاعلين غير الدولتيين بقدرتهم على اختبار الخطوط الحمراء الأمريكية من دون عواقب حقيقية.
وأكد الشرعي أن الردع لم يفشل لأنه أصبح متجاوزاً، بل لأنه طُبّق بشكل انتقائي ومتذبذب.
القوة شرط الدبلوماسية لا نقيضها
تابع الكاتب أن الضربات الأمريكية الأخيرة صححت هذا الخلل، مستشهداً بتصريحات وزير الدفاع الأمريكي الذي أكد أن العملية ليست بداية حرب، بل إعلان واضح بأن حماية الأمريكيين غير قابلة للمساومة.
وأوضح الشرعي أن العقاب، في المنظور الواقعي، لا يعني الانتقام، بل إعادة تشكيل توقعات الخصم. فالجماعات المسلحة، كما الدول، تتذكّر ما يُنفّذ لا ما يُعلن.
وأضاف الكاتب أن بقاء نحو ألف جندي أميركي في شرق سوريا لا يمكن تبريره استراتيجياً إلا إذا كان مدعوماً بقوة ردع حقيقية، وإلا تحوّل إلى عبء أمني ونقطة استهداف مغرية.
السلام يحتاج إلى وضوح وقوة
أشار الكاتب إلى أن مقاربة ترامب غالباً ما تُصوَّر على أنها عدوانية بطبيعتها، غير أن التجربة العملية تُظهر، برأيه، أن القوة والدبلوماسية ليستا نقيضين، بل مكملتين.
وأضاف أن “الاتفاق الإبراهيمي” لم يُحدث تحوله الإقليمي لأنه اعتمد خطاباً أيديولوجياً ناعماً، بل لأنه صيغ في ظل ميزان قوة واضح وحضور أمريكي واثق. وتابع أن المبدأ ذاته ينطبق على مساعي التهدئة الدولية، حيث لا تنجح المفاوضات إلا عندما تكون مدعومة بنفوذ فعلي.
وأكد الشرعي أن التنظيمات الإرهابية لا تفاوض بحسن نية، ولا تحترم وقف إطلاق النار، ولا تفسر ضبط النفس إلا بوصفه فرصة لإعادة التنظيم.
شبكة ميليشيات وإيران في القلب
أوضح الكاتب أن “داعش” لا يعمل في فراغ، كما لا تعمل “حماس أو “حزب الله” بمعزل عن بيئة أوسع من الدعم الأيديولوجي والمالي والزمني، وأضاف أن الوقت هو المورد الأثمن لهذه التنظيمات، حيث تتحول فترات خفض التصعيد غير المتكافئة إلى فرص لإعادة التسليح.
وأشار الشرعي إلى أن أي مقاربة جدية لتفكيك هذا المشهد لا يمكن أن تنجح من دون سياسة واضحة تجاه إيران، التي تواصل تمويل وتسليح وتوجيه شبكات الوكلاء في المنطقة، مع الحفاظ على هامش إنكار سياسي.
وأضاف أن معالجة هذا التحدي تتطلب ضغطاً مستداماً ووضوحاً عقائدياً، لا ضربات متقطعة فحسب.
إسرائيل ومعضلة الكيل بمكيالين
وزعم الكاتب أن إسرائيل كانت أكثر الدول تضرراً من فشل الردع، إذ تُطالب مراراً بضبط النفس في مواجهة أطراف تعلن صراحة سعيها إلى تدميرها، في حين يُمنح خصومها الوقت والقدرة لإعادة بناء قوتهم.
وأكد الشرعي أن تفكيك حماس ومنع حزب الله من إعادة التسلح ليسا مواقف متشددة، بل شروط أساسية لإعادة بناء الردع. فالتهديدات غير المعالجة لا تتلاشى، بل تتضخم.
القوة بوصفها شرط السلام
خلص الكاتب إلى أن السلام عبر القوة ليس وصفة للحرب، بل آلية لتقليص سوء التقدير ومنع الانزلاق إلى صراعات أوسع. فالتاريخ، برأيه، يُظهر أن أكثر الفترات استقراراً كانت تلك التي اتسمت بوضوح موازين القوة ومصداقية تطبيقها.
وأكد أحمد الشرعي أن الضربات الأمريكية في سوريا لا تشكل استراتيجية مكتملة بذاتها، لكنها أعادت خلق الشروط التي تجعل الاستراتيجية ممكنة. ففي السياسة الدولية، الوضوح قوة، والقوة حين تُستخدم بحزم ليست نقيض السلام، بل شرطه الأساسي.

