لماذا يكرهوننا؟

1

 
 
أحمد مصطفى
 
بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 في الولايات المتحدة برز سؤال في أميركا والغرب هو: لماذا يكرهوننا؟ وتعددت محاولات الإجابة والتفسير منذ ذلك الحين حتى الآن. كان السؤال أميركيا بالأساس، ويعني لماذا يكره العرب والمسلمون أميركا والغرب؟ وجاءت التعليقات الاستنكارية من منطقتنا بأن الغرب لا يفهم تبعات ما يفعله في بلاد العرب والمسلمين منذ أيام الاستعمار وحتى ذلك الحين. وكان لكل تيار في المنطقة رده من الاستنكار إلى محاولات التفلسف المتقعر، وبالطبع كان الأكثر شيوعا وقتها (أي قبل نحو عقدين) أن أميركا تتخذ موقفا عدائيا دوما من قضايا العرب والمسلمين وفي مقدمتها قضية فلسطين بدعمها المطلق لإسرائيل.
أما الجماعات الإسلامية وجماعاتها المتطرفة والإرهابية فوجدت في بعض ترهات فرانسيس فوكوياما وصمويل هنتجتون عن نهاية التاريخ وصراع الحضارات مبتغاهم لمحاولة إقناع العامة بأن الغرب هو الذي يسعى لصراع مع المسلمين (معتبرين أنفسهم بالطبع ممثلين للمسلمين). حتى أن البعض استدعى إنهاء الاحتلال العربي للأندلس وتآمر الغرب لتدمير الامبراطورية العثمانية التي كانت ترفع راية (الخلافة) الإسلامية فيما يمكن تسميته بنوع من “السلفية السياسية” إذا جاز التعبير. ولم يختلف اليسار وأطيافه عن ذلك النهج كثيرا وإن غلفه بما هو أسير له من صراع الحرب الباردة وتباين اليمين واليسار ـ الذي كاد يختفي في السياسة الغربية تقريبا منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي بتكدس كل نخب الغرب السياسية في الوسط.
في المقابل، كان الغرب يفرز ترسانة هائلة من التنظير على الطرف الآخر (استمالت بعض مدعيي اللبرلة والتنوير من العرب والمسلمين) تؤصل لعنف العرب والمسلمين وتخلفهم الحضاري. كذلك ساهمت أزمة “فقر الديموقراطية” الغربية في إفراز تيارات هامشية على الطرف المتشدد لليمين واليسار (أكثر يمينا بالطبع) كانت البذرة التي أنتجت تيارات الشعبوية المتطرفة إلى حد العنصرية التي أوصلت حكاما في كثير من دول الغرب الآن من واشنطن إلى روما. وكما كان دعم العرب والمسلمين لمن سموا “المجاهدين” في باكستان وأفغانستان تحت إدارة مخابرات الأميركيين لمحاربة الاحتلال السوفيتي لأفغانستان بذرة التطرف والإرهاب في المنطقة والعالم، كانت شظايا الانفجار الديموقراطي الغربي من تكدس الوسط بذرة التطرف والعنصرية في أميركا وأوروبا.
كل ذلك والتيار السائد شبه غائب تماما، وإن برزت أصوات خافية هنا أو هناك يتم وأدها بسرعة تحت علو صوت التطرف والمغالاة في الجهل. وهكذا، ترسخ لدى الجانبين تصور للرد على السؤال/العنوان بما يرضي كل طرف أو يخدم مصلحة انتهازية آنية تبرر أفعالا يصعب تبريرها. فالغرب ارتكن إلى قناعة (حتى لو ادعى غير ذلك) أن المسلمين ـ كل المسلمين ـ إرهابيون بطبعهم ودينهم يشجعهم على ذلك. والعرب والمسلمون (في أغلبهم حتى غير المنتمي لجماعات الإسلام السياسي منهم) رأوا في الشعبوية الغربية وتصاعد الإسلاموفوبيا ـ أي كره المسلمين ـ ما يبرر لهم التحشد ضده باعتبار أن “الأميركان والغرب يحاربون الإسلام”. ولا معنى هنا للقول بأن هذا التيار صعد بسبب الآخر، فظني أنهما متزامنان معا؛ التطرف الإسلامي والتطرف اليميني الفاشي الغربي. حتى مع الإقرار بأن هناك تاريخيا جماعات متطرفة هنا وهناك، لكنها كانت معزولة ولم تتغلغل بين الشعوب بالشكل الذي دمر عدة بلدان في منطقتنا منذ 2011 وأوصل قادة عنصريين لسدة الحكم في عواصم الغرب الرئيسية.
ثم جاءت مجزرة المسجدين في نيوزيلندا ليسأل المسلمون السؤال ذاته: لماذا يكرهوننا؟ وهو سؤال للأسف لم يطرح عندما حدثت مجزرة مسجد الروضة في سيناء بنهاية 2017 عندما قتل إرهابيون من بيننا (يسمون أنفسهم إسلاميين) 235 مسلما مصريا أثناء الصلاة. وحتى لا ننساق للكلام المبسط والتهييج المشاعري الذي يسهم في زيادة الجهل، نقول إن السؤال الذي يتكرر لدى الطرف الآخر بعد عقدين لا يختلف كثيرا عما طرح في الغرب من قبل. نعم هناك إسلاموفوبيا متزايدة في الغرب، كما هناك عمليات إرهابية يقوم بها إرهابيون محليون ـ أغلبهم من المهاجرين المسلمين ـ وهناك عمليات عنصرية دموية يقوم بها النازيون الجدد من العنصريين البيض متشجعين بتصاعد تيار الشعبوية السياسية (وهي سلفية متشددة أيضا إن شئتم). ليس ذلك فحسب، بل ربما يصدمكم أن البريطانيين مثلا صوتوا للخروج من الاتحاد الأوروبي في 2016 وأغلبية الجماهير غير الواعية تتصور أن ذلك سيمكنهم من طرد المهاجرين من بلادهم. ولم يعِ هؤلاء أن ذلك لا ينطبق على المهاجرين المسلمين من بلدان آسيا وإفريقيا، لكن قادة اليمين المتطرف انتهزوا الجهل العام وروجوا للفوز بتصويت للخروج/البريكزيت. بالضبط كما تفعل بعض الجماعات الإسلامية ومن معها في استغلال المشاعر الدينية بانتهازية لتجنيد الإرهابيين والمتطرفين.
هل يمكن الآن العودة للسؤال الأساسي، ومحاولة الإجابة بعيدا عن الجهل المتعمد والانتهازية السياسية؟ ربما يكون ذلك صعبا في ظل تصاعد الفاشية اليمينية المتطرفة في الغرب وكذلك الانتهازية المتسربلة بالدين (كما فعل الرئيس التركي الذي ورد اسمه إلى جانب اسم الرئيس الأميركي في بيان الإرهابي الأسترالي الذي نفذ مجزرة مسجدي نيوزيلندا). لكن من المهم أن تدفع مجزرة نيوزيلندا الإرهابية نحو تفكير وخطاب جديد، وهذا ما سنحوله في مقال قادم بإذن الله.

التعليقات معطلة.