لوس انجلوس تايمز: العراق يعطش.. ومزارعون يتخلون عن أراضيهم بعد جفافها

1

ترجمة / حامد احمد

يقف، طه ياسين، وهو ينظر بحسرة الى بستان الرمان الذي يملكه في احد زوايا محافظة ديالى في بلدة المقدادية الشهيرة بزراعة هذه الفاكهة ذات البذور الدموية الغنية، أينما تقود سيارتك في هذه المنطقة لا بد وان تمر ببستان فاكهة الرمان، ولكن ياسين اضطر قبل عدة اشهر من هذا العام الى قطع اشجاره بعد تيبسها.

قال ياسين “أقسم لك لو شاهدت هذه المنطقة قبل 10 سنوات لاعتقدت بانك في جنة عدن. ولكن المشكلة هو انه ليس لدينا ماء الان، لم يعد يمكنني مواصلة زراعة هذا المحصول”.

ربما تكون ديالى أبرز مثال على العطش الكبير الذي يهدد العراق. انه البلد، الذي يغذيه ليس نهرا واحدا بل نهرين، المعروف باحتضانه لأول حضارة بشرية عرفت بحضارة وادي الرافدين.

ولكن سنة أخرى من الجفاف المميت وتنافس مع جارين متشاركين بالجفاف أيضا يعني بانه لن تكون هناك كمية كافية من المياه بمتناول اليد. كل من تركيا وايران عملا على تشغيل سدودهما وتحويل مجرى انهر وروافد تغذي ما يقارب من 60% من مناسيب نهري دجلة والفرات تاركين العراق في ازمة شح مياه حادة.

وزير الموارد المائية العراقي، مهدي رشيد الحمداني، قال في لقاء مع الصحيفة بان التدفقات المائية القادمة من تركيا هبطت هذا العام بمعدل الثلثين، ومن ايران انخفضت بمعدل العُشر عما كانت عليه.

وعلى نحو يائس ناشدت بغداد جيرانها للمساعدة في تخفيف الازمة. ويقول مسؤولون انه في أكتوبر/تشرين الأول وقعت وزارة المياه اتفاقية مع انقرة يفترض من خلالها ضمان قيام تركيا باعطاء العراق حصة عادلة من المياه لتغذية دجلة والفرات. وفي طهران جوبهت المناشدة العراقية بالصمت.

وقال الحمداني ” ايران لم تتعاون معنا ابدا. لقد قامت بتحويل مجرى الأنهر لداخل أراضيها ولم تتعاون معنا وتشاركنا ضرر الجفاف”. مشيرا الى ان وزارته أكملت إجراءات رفع شكوى قضائية ضد ايران وطلب من وزارة الخارجية الاتصال بمحكمة العدل الدولية. متحدث الخارجية لم يرد على أسئلة طرحتها الصحيفة حول هذا الموضوع.

ورافقت شحة المياه تحولات أوسع في المجال البيئي، وتجاوزت درجات الحرارة في العراق هذا العام معدل الخمسين مئوية، وكشفت منظمة، بيركلي ايرث Berkeley Earth، الأميركية المعنية بعلوم التغيرات المناخية بان درجات الحرارة في العراق ازدادت بمعدل الضعف عن المستوى العالمي.

العام الماضي احتل العراق المرتبة الخامسة ضمن قائمة الأمم المتحدة للبلدان الأكثر تعرضا لتأثيرات التغير المناخي. في حين قال البنك الدولي في تقرير له الشهر الماضي انه بحلول العام 2050 ستزداد معدلات درجات الحرارة بمعدل درجة مئوية واحدة مع انخفاض معدلات هبوط الامطار بنسبة 10% مما قد يؤدي بالعراق لفقدانه خمس موارده المائية المتوفرة. ووفقا لهذه الظروف، فان ما يقارب من ثلث أراضي العراق الزراعية ستنحرم من المياه.

هذه الحالة موجودة حاليا على ارض الواقع في ديالى. كل المحافظة تقريبا قد تم حذفها من حصصها المائية ضمن خطة الحكومة الزراعية لمحاصيل الصيف، باستثناء مزارعي محاصيل الحنطة والشعير الستراتيجية هناك. ونفس الشيء حصل في شهر تشرين الأول. وعوضا عن ذلك اضطر مزارعون هناك للاعتماد على ما يقارب من 200 بئر لإرواء بساتينهم العطشى وكذلك ارواء عطشهم أيضا.

قال ياسين وهو يستذكر السنوات الماضية عندما كانت حقول مزارع الرمان في المقدادية تغص بالمتسوقين القادمين من كل انحاء العراق لشراء محصول رمان وبرتقال ومشمش ديالى “الزراعة هي ادمان بالنسبة لنا”.

وكان ياسين قد انفق عشرات آلاف الدولارات في مشروعه الذي بدأ به عام 2010 لتهيئة مزرعة الرمان مع نصب منظومة سقي متطورة في بستانه ليجني أرباحا منه.

ولكن الاقدار جاءت عكس آماله، الحكومة بدأت تقطع معوناتها الخاصة بالاسمدة والبذور ومادة الكاز الخاصة بتشغيل مضخات المياه. ورغم ان الدولة منعت استيراد أنواع معينة من المنتجات لحماية المزارعين العراقيين، فانه مع وجود الرشوة عند نقاط تفتيش بمعابر حدودية معينة يعني ان شاحنات محملة بفاكهة من بلدان مجاورة مثل تركيا وايران واليمن ما تزال تشاهد عند أسواق محلية، مسببة بتدني المنتجات الزراعية المحلية.

شحة المياه توجه الضربة القاضية للمنتوج الزراعي المحلي

يقول ياسين ان السنوات الثلاث الأخيرة كانت الأشد صعوبة بشكل خاص، حيث أجبرت مزارعين على الحفر اكثر عمقا للحصول على مياه من الآبار والتي أصبحت اكثر ملوحة بسبب الضخ الزائد. وعند بستان جاره قطف ياسين رمانة من احد الأشجار حيث تبدو جيدة من الخارج ولكن عند فتح الثمرة ظهرت البذور جافة ولم تكن فيها قطرة عصير.

أضاف ياسين قائلا “لقد انفق اموالا كثيرة وحفر آبار ووضع مضخات ومد خراطيم مياه، ولكن كل ذلك ذهب هباء”. مشيرا الى ان جاره لم يعد يسوق المنتوج وتركه للاستهلاك الشخصي.

بالاتجاه جنوبا عند منطقة بلد روز، الواقعة على بعد 20 ميلا جنوب شرق مزرعة ياسين تقع هناك مزرعة غضبان التميمي، الذي مضت عليه عقود وهو يزرع ارضه التي تبلغ مساحتها 300 فدان بمحاصيل الرمان والحنطة والرز.

يقول التميمي انه في هذا العام لم يجن محصولا ولا من فدان واحد. مشيرا الى ان آخر مرة حصل فيها على مياه من قناة ري كانت قبل سبعة أشهر، وان القناة الان تحوي مياه مجاري فقط، ولا توجد منفعة من حفر بئر.

وأضاف قائلا “نزلنا بالحفر لعمق 140 قدما ولم نجد هناك سوى مياها مالحة”.

وقال التميمي انه كونهم مقتنعين بان مساعيهم غير مثمرة بالكامل، فان كثيرا من المزارعين تخلوا عن خططهم. واكد بقوله “من هنا ومرورا على بعد عشرة أميال سترى قرى بدون سكان. كنا تسعة عوائل، ولم تبق الان سوى ثلاثة”.

وسام وادي، 29 عاما، راعي غنم على طريق ديالى كركوك قرب بركة حمرين، يقول انه ورفاقه فقدوا 300 رأس غنم شهر تموز الماضي بسبب شح المياه وقلة العشب عندما تجاوزت درجات الحرارة عندها الخمسين مئوية. يقول ان ما تبقى من الغنم باعه بسعر 100 الف دينار للرأس بينما كان يبيعه بسعر 200 الف دينار سابقا.

وأضاف وادي قائلا “ما عسى هذه الأغنام ان تأكل، تراب؟. الأرض التي كنا نملكها للرعي كانت تعتبر معدن ذهب بالنسبة لنا. الان انظر الينا، بلا رواتب ولا أي شيء. كنا نعيش قرب هذه البركة ولكنها جفت الان”.

من على نافذة شباك مكتبه المطل على سد دربندخان الذي يبعد بمسافة 80 ميلا شمال شرقي ديالى على امتداد نهر سيروان، تتبلور لدى مدير السد، رحمان خاني، نظرة عن ازمة المياه. وبحكم منصبه فانه مسؤول عن تنظيم تدفقات مياه النهر لمزارعين يبعدون كثيرا نزولا الى البصرة جنوبي العراق.

بحلول شهر تشرين الثاني، كان من المفترض ان يطلق مياها بمعدل 6,600 غالون بالثانية. وكان يتوقع حصوله على ضعف الكمية من ايران، التي تسيطر على 70% من مخزون السد والتي حفرت مؤخرا قناة بطول 29 ميلا تحول مجرى المياه عن نهر سيروان. ما أدى ذلك، فضلا عن قلة هطول الامطار، الى تراجع مناسيب السد بمعدل الخمس.

يقول مدير السد، خاني، “انظر من الشباك وسوف ترى تدني منسوب مياه السد”. وأشار الى اثر مستوى المياه التي كانت سابقا والتي تبدو واضحة من على احد أبراج السد، فهي اعلى عن مستوى المياه حاليا بمسافة 23 قدم.

ومضى بقوله “قد تقول ان المنظر جميل من نافذتي المطلة على السد، ولكنه بالنسبة لي منظر يدعو للقلق”.

وقال خاني انه لم يتلق أي رد من جانب السلطات الإيرانية حوى أي معلومات عن تدفقات متوقعة.

فضائي فارد، موظف إيراني يعمل في مجال الموارد المائية لدى وزارة الطاقة الإيرانية، يقول “لا اعتقد بان الشكاوي العراقية ودعواتهم لمقاضاة ايران هي عادلة. ليس لديهم موقف قانوني في المحاكم الدولية لان كل المشاريع المنفذة في ايران تقريبا شهدت تدفق مياه كافية داخل الأراضي العراقية”.

وقال الحمداني وزير الموارد المائية ان إيران “تتملص عن مسؤوليتها”.

عن لوس أنجلوس تايمز

التعليقات معطلة.