وَضَع اشتعال صراع الصلاحيات بين وزير النفط والغاز في حكومة العاصمة الليبية ورئيس المؤسسة الليبية للنفط، مستقبل القطاع الحيوي على المحك، وأثار شكوكاً بشأن مستقبل عقود الاكتشافات الجديدة التي يعوّل عليها هذا البلد المأزوم، لزيادة حصته من صادرات المحروقات عالمياً. خلافات الوزارة والمؤسسةوكان الخلاف عاد إلى الواجهة مجدداً في الأيام الماضية، على إثر تصريحات للوزير محمد عون، هاجم فيها قرارات أصدرها رئيس المؤسسة فرحات بن قدارة، مشكّكاً في استراتيجيته لتطوير القطاع وزيادة إنتاج النفط. وإذ أوضح عون أنّ الخلاف بين وزارته والمؤسسة يعود إلى “عدم تقيُّد” الأخيرة “بالقوانين والإجراءات المنظمة لقطاع النفط، وعدم الإفصاح عن القرارات التي تُرتب التزامات مالية رغم الطلب منها”، أعلن على الملأ رفضه مشروع قانون قدّمته المؤسسة إلى مجلس النواب لتنظيم عملها، ويمنحها صلاحيات واسعة بعيداً من إشراف وزارته. وأوضح أنّ وزارته “لم تطّلع على القانون المقترح، ما يمثل تجاوزاً لصلاحيات المؤسسة ورئيسها… المفترض أنّ الحكومة أو أعضاء مجلس النواب المنوط بهم التقدّم بمشاريع القوانين وهذا لم يحدث”.
اجتماع سابق بين عون وبن قدارة. وأضاف أنّ “مشروع القانون يضع صلاحيات وزارة النفط جانباً ويعطي حصانة لموظفي المؤسسة التي ستخضع وفقاً للقانون المقترح تحت إشراف المجلس الاستشاري للنفط والغاز برئاسة رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة”. وتوّج عون هذه التصريحات بشكوى قدّمها إلى هيئة الرقابة الإدارية، اتهم فيها المؤسسة الوطنية للنفط بـ”ارتكاب مخالفة مالية صريحة”. وكان الخلاف نشأ مطلع العام الجاري بين عون وبن قدرة، على إثر توقيع الأخير عقد امتياز لمصلحة شركة “إيني” الايطالية العملاقة لاستكشاف الغاز، يستمر لمدة 25 عاماً، بقيمة تقديرية تبلغ 8 مليارات دولار، الأمر الذي رفضه الوزير، معتبراً أنّ الصفقة “تفريط في ثروة الدولة الليبية”.التداعيات المحتملة للصراعالخبير الاقتصادي عثمان الخضيري حذّر من أنّ استمرار تنازع الصلاحيات والصراعات السياسية سيُضعف قطاع النفط ومؤسسته الوطنية. وأوضح لـ”النهار العربي” أنّ هناك صراعاً للسيطرة على مؤسسة النفط بين المسؤولين في الغرب الليبي ونظرائهم في معسكر الشرق. واتفق الخضيري مع ما قاله عون، بأنّ تقديم مؤسسة النفط مشروع قانون لتنظيم عملها غير قانوني، لكنه ذهب إلى التأكيد أنّ حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية، وبالتالي لا يحق لها تقديم مشاريع قوانين إلى السلطة التشريعية، لافتاً إلى أنّ نصوص القانون المقترح لا تخدم قطاع النفط وتطويره، ومتوقعاً أن ترفضه غالبية أعضاء مجلس النواب. وكان رئيس مجلس النواب عقيلة صالح تسلّم مذكرة حملت توقيع عدد من النواب والخبراء في النفط والطاقة، أكّدوا فيها أنّ مشروع قانون تنظيم المؤسسة الوطنية للنفط الجديد، والذي تمّت إحالته على اللجنة التشريعية “يحمل عيوباً خطيرة”. وأضافت المذكرة أنّ القانون المقترح “يمنح مجلس الوزراء صلاحيات لاعتماد الاتفاقيات النفطية وتعديلها، ما يطرح سؤالاً، أي من الحكومتين سيتولّى هذه الاختصاصات والصلاحيات؟ كما يحوّل المؤسسة من مؤسسة عامة، إلى شركة تجارية قابضة، حيث أنّه سمح للمؤسسة بفتح حسابات مصرفية خارج البلاد بالعملة الأجنبية، ما يجعلها بعيدة من الإشراف والمتابعة، ويعطيها حق الإقراض من دون ضوابط محدّدة”.
اجتماع سابق للجنة الطاقة في مجلس النواب. وأكّدت المذكرة أنّ نقل سلطة الإشراف على المؤسسة من وزارة النفط إلى المجلس الأعلى للطاقة، مرفوض، لأنّ هذا المجلس يترأسه الدبيبة، وبعضويته 4 وزراء ومحافظ مصرف ليبيا المركزي. إنتاج النفط على المحكالتهديدات التي تواجه قطاع النفط الليبي لم تتوقف عند حدّ السجال بين عون وبن قدارة، الذي يعكس الانقسامات التي تعانيها حكومة الدبيبة المسيطرة على العاصمة طرابلس ومؤسساتها، بل أنّ إنتاج النفط بات أيضاً على المحك، بعد نحو عام من الاستقرار، مع تهديدات جديدة أطلقها العاملون في آبار ما يُعرف بالهلال النفطي (شرق ليبيا)، بالاعتصام ووقف الإنتاج احتجاجاً على تدني رواتبهم، فيما لا تزال معضلة “التوزيع العادل لعائدات النفط” تراوح مكانها بين المتحكمين في شرق ليبيا وغربها، بعد نحو 5 أشهر من تشكيل اللجنة الوطنية لتوزيع الثروة برئاسة رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي. رئيس النقابة العامة لعمال النفط سالم الرميح أوضح أنّ نقابته “عقدت سلسلة من الاجتماعات مع رئيس المؤسسة الوطنية للنفط ورئيس حكومة الوحدة الوطنية، بهدف سرعة الاستجابة لحقوق العمال، سواء كانت زيادة رواتبهم والتأمين الصحي، أو العمل على تطوير قدراتهم الفنية والمهنية، بعد وقف الدورات التدريبية منذ العام 2018. الأمور سارت في البداية بشكل جيد لكنها سرعان ما توقفت”. وقال الرميح لـ”النهار العربي”: “العاملون في قطاع النفط صبروا كثيراً طيلة السنوات الماضية في ظل عدم الاستقرار الذي كانت تعانيه البلاد عموماً وقطاع النفط خصوصاً، لكن الآن يجب الاستجابة إلى مطالبهم”. وأضاف: “نفّذنا وقفات احتجاجية عدة للمطالبة بحقوق العمال، ونتجّه إلى التصعيد، خصوصاً بعدما وجدنا أنّ ثمة دورات تدريبية في الخارج تمّ منحها بالواسطة لبعض النافذين في القطاع، الأمر الذي فاقم إحباط العمال”.