مع اقتراب حلول شهر رمضان، تسعى الحكومتان المتنازعتان في ليبيا إلى تأمين توافر السلع الغذائية وتشديد الرقابة على الأسواق، لكن نقص السيولة وانهيار قيمة العملة المحلية ينغصان فرحة الليبيين ويهددان عاداتهم خلال الشهر المبارك.
ويواصل الدينار الليبي سقوطه غير المسبوق أمام العملات الأجنبية في السوق الموازية، حتى تخطى حاجز 7.5 دنانير مقابل الدولار الواحد، وإلى ذلك لا تزال المصارف المحلية تعاني نقصاً مستمراً في السيولة النقدية دفعها إلى تحديد سقف لعمليات السحب اليومي، ما تسبب في زحام أمام المصارف للحصول على الأموال، بالإضافة إلى تأخُّر صرف رواتب الموظفين لفترات وصلت إلى ثلاثة أشهر.
حسين الدحوم محاسب في أحد الدواوين الحكومية في العاصمة طرابلس، لكن وظيفته الحكومية لم تضمن له الحصول على راتبه بشكل منتظم. وقال الدحوم وهو رب لأسرة مكونة من 5 أفراد لـ”النهار العربي”: “حتى الآن لم تُصرف رواتب شهر كانون الثاني (يناير)، فكيف يستطيع رب الأسرة أن يعيل عائلته؟ ثمة من يعيل عائلتين وأحياناً ثلاث عائلات. تأخر صرف الرواتب ونقص السيولة في المصارف فاقما من معاناة البيت الليبي وأرهقا كاهله، وكبلا قدرته على مواجهة المعدلات القياسية لارتفاع التضخم”.
وأضاف: “في المقابل أسعار السلع الغذائية ارتفعت مع اقتراب رمضان، الخضروات واللحوم والطحين وغيرها، ناهيك عن شح المحروقات واسطوانات الغاز التي تُستخدم في طهو الطعام ونادراً ما تتوافر في الأسواق الرسمية، بسبب الكميات المحدودة”.
عادات يغيّرها الغلاء
ولفت إلى أنه في شهر رمضان اعتاد الليبيون الإنفاق لشراء كميات كبيرة من المواد الغذائية، لكن مع هذا الوضع السيئ “سيضطر الغالبية إلى تغيير عاداتهم سواء على صعيد الموائد وتنوع أصنافها أو تجمع العائلات والأصدقاء على الإفطار، وللأسف حتى عادات الزكاة والتكافل الاجتماعي لن تستمر على ما كانت عليه”، مشدداً على ضرورة تحرك الحكومة لصرف الرواتب المتأخرة ولجم قطار ارتفاع الأسعار رأفةً بالطبقات المتوسطة والفقيرة.
وفي ظل تردي الوضع الاقتصادي تبادلت الحكومتان المتنازعتان على السلطة الاتهامات بالتسبب في الأزمة، فبينما حمل رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة خصمه مجلس النواب مسؤولية تأخر صرف الرواتب لعدم اعتماده الموازنة العامة لحكومته، ألقى بمسؤولية ارتفاع أسعار السلع الغذائية في الأسواق على المضاربين، مطالباً المؤسسات الحكومية ذات العلاقة بـ”تكثيف الجهود خلال شهر رمضان، لتوفير السلع والبضائع، والوقوف أمام السماسرة والمضاربين بعد التواصل مع مصادر التوزيع الرئيسية”.
سبب نقص السيولةوأوضح مصدر مسؤول من مصرف ليبيا المركزي في بنغازي لوكالة “رويترز” طالباً عدم نشر اسمه أن “سبب نقص السيولة هو إغلاق الاعتمادات خلال الفترة الماضية ولكن نتوقع انفراجة في الأزمة قبل شهر رمضان، سيتم فتح الاعتمادات”.
وذكر الخبير الاقتصادي الليبي عطية الشريف لرويترز “نقص السيولة الذي يحصل الآن هو بسبب الإجراءات المتقطعة والمتذبذبة والقرارات العشوائية لمصرف ليبيا المركزي ما أدى إلى انقطاع الثقة بين المصرف والمواطنين والتجار”.
وأمس الثلثاء، دعا الصديق الكبير محافظ مصرف ليبيا المركزي إلى ميزانية وطنية موحدة في تحد واضح لحليفه السابق رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة وسط تراجع قيمة الدينار الليبي.
ونشر الكبير رسالة إلى الدبيبة أمس الثلثاء يحث فيها على إنهاء ما وصفه بالإنفاق الموازي “مجهول المصدر” حفاظا على الاستدامة المالية للدولة.
تسعير سلع رئيسيةمن جانبه أعلن وزير الاقتصاد والتجارة الليبي محمد الحويج عن تسعير بعض السلع على رأسها اللحوم والبيض والحليب والزيت، مشيراً إلى أن إدارات التجارة الداخلية والتفتيش وحماية المستهلك ستتابع الالتزام بالتسعير.
لكن تاجر السلع الغذائية عبد الحميد غريبة شدد على أن قرار تحديد أسعار سلع رئيسية “لا يمكن تطبيقه على الأرض إلا في حال تولت الحكومة استيراد تلك السلع ووزعتها بعد دعم أسعارها”. وأوضح لـ”النهار العربي” “وفقاً لآليات السوق الحر فإن أسعار السلع يتم تحديدها وفقاً للعرض والطلب من ناحية، ومن ناحية رئيسية وفقاً لأسعار صرف العملة المحلية بالاضافة إلى تكلفة النقل البحري التي شهدت خلال الأسابيع الأخيرة ارتفاعات غير مسبوقة”، مضيفاً: “سعر الدولار يواصل قفزاته أمام الدينار الليبي بشكل شبه يومي في السوق الموازية التي يعتمد عليها المستوردون، في ظل عدم توفير المصرف المركزي للدولار بالسعر الرسمي، وبالتالي فإن ارتفاع سعر صرف الدولار ينتج عنه ارتفاع سعر السلع والمواد الخام التي تدخل في الانتاج”. معضلة الاحتكارولفت غريبة إلى “معضلة احتكار قلة للأسواق الليبية، وهؤلاء يمتلكون علاقات نافذة بالمسؤولين عن دوائر الاستيراد والموانئ، ويمكنهم استخدام هذا النفوذ في تيسير الإفراج الجمركي عن بضائعهم في مقابل تعطيل خروج بضائع منافسيهم، وبالتالي يتحكمون في الأسعار وفقاً لاحتكارهم مخزوناً ضخماً من السلع”. وتستورد ليبيا شهرياً 110 آلاف طن من السلع الغذائية، وفقاً لآخر الإحصاءات التي تعود للعام 2022، إذ تتصدر الحبوب ومنتجاتها قائمة الواردات، في حين تأتي تركيا على رأس قائمة الدول الموردة.
في المقابل حمل رئيس الحكومة الموازية أسامة حماد حكومة الدبيبة مسؤولية ما وصفه بـ”سياسة تجويع شعبنا، بسبب إهدار أموال البلاد والفساد”، وأعلن عن إقامة معارض للسلع الغذائية في مناطق سيطرته في شرق ليبيا وجنوبها، بالإضافة إلى دعم حكومي لبعض السلع الأساسية.
ولم يُحدد حماد كمية هذه السلع، لكنه أشار إلى أن الدفعة الأولى منها وصلت المخازن، تمهيداً لتوزيعها على المواطنين لمواجهة نقصها وغلاء أسعارها. وتشمل هذه السلع البيض والدجاج المجمد وحليب الأطفال.
وأضاف في بيان أن السلع المتوافرة تأتي “في ظل الظروف الراهنة، وعدم التزام بالتسعيرة المفروضة، وتذبذب قيمة الدينار، وغياب السياسات النقدية”.