أحمد عمارة
لم يتبقَ سوى أسابيع قليلة على انتخابات تركية رئاسية وبرلمانية مبكرة، مُقرر إجراؤها في 24 يونيو (حزيران) المقبل، وسط استعدادات وتحالفات للمعارضة، لمواجهة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في منافسة على منصب «رئيس» أكثر فاعلية وصلاحيات، بعد الموافقة على تعديلات دستورية تركية، حولت تركيا إلى النظام الرئاسي.
تحالف مبدئي رباعي للمعارضة ضد أردوغان
بعدما كان موعد الانتخابات التركية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، دعا حزب الحركة القومية (حليف أردوغان) لانتخابات مبكرة، وهي دعوة استجاب لها أردوغان، في 19 أبريل (نيسان) الماضي، لتبدأ المعارضة في الاستعداد لمواجهة تحالف حزبي: العدالة والتنمية، والحركة القومية بزعامة أردوغان ودولت بهتلشي زعيم الحركة القومية.
وفي واحدة من خطوات المعارضة الأولية لمواجهة أردوغان، بدأ عبد الله غل، الرئيس التركي السابق، وصديق أردوغان السابق بحزب العدالة والتنمية وفي الوزارة التركية، حملة مدعومة من بعض أطراف المعارضة للتوافق عليه مُرشحًا منافسًا لأردوغان، ولكنها حملة باءت بالفشل؛ ليُعلن غل عدم تمكنه من حمل المعارضة للاتفاف حوله، ويُعلن في مؤتمر صحافي: «لم يعد من الوارد الدخول في آلية من أجل ترشحي.. ليس هناك أي توافق على ذلك
عبد الله غل في مؤتمر صحافي أعلن خلاله عدم ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة
إعلان غل جاء يوم 28 أبريل، ليعقبه بأيام قليلة الكشف عن استعدادات للمعارضة التركية للتحالف ضد أردوغان؛ مع مطلع الشهر الجاري، وهو تحالف منتظر يَضم أربعة أحزاب رئيسية، تختلف توجهاتها بين العلمانية والقومية والإسلامية والكردية، ولكن تجتمع على معارضة أردوغان.
ويضم التحالف المبدئي: حزب الشعب الجمهوري، وهو حزب علماني يُعد أكبر أحزاب المعارضة التركية وثاني أكبر حزب في البرلمان التركي بعد الحزب العدالة والتنمية الحاكم، وحزب «جيد»، وهو حزب قومي يمين وسط حديث أسسته ميرال أكشنار في أكتوبر (تشرين الثاني) الماضي، بعدما انشّقت ميرال عن حزبها القديم، الحركة القومية، بعدما فشلت في عقد مؤتمر لانتخاب رئيس جديد للحزب بدلًا من دولت بهتلشي؛ نتيجة لمعارضتها تأييد بهتلشي للتعديلات الدستورية.
ذلك بالإضافة لحزب «السعادة» التركي ذي الطابع الإسلامي المحافظ، وحزب «الشعوب الديموقراطي» الكردي، الذي يمتلك رابع أكبر حصة في البرلمان التركي بعد العدالة والتنمية والحزب الجمهوري والحركة القومية، ويقبع العديد من قياداته الآن خلف القضبان.
وكان من المتوقع أن يُعلن رسميًا عن ذلك التحالف الخميس الثاني من مايو (أيار) في مؤتمر صحافي، ولكن تأجل المؤتمر الصحافي ليوم السبت المقبل، ذلك اليوم الذي تنتهي فيه المهلة التي حددتها اللجنة العليا للانتخابات لاستقبال القوائم المشاركة، مما أثار شكوك حول استمرار وجود خلافات لم تتوافق عليها الأحزاب المعارضة؛ مما دفعها للتأجيل.
المعارضة في وضع أفضل حين يتعلق الأمر بانتخابات البرلمان
تكمن قوة التحالف الانتخابي للمعارضة بشكل أكبر في الانتخابات البرلمانية التركية؛ لتوافق الأحزاب المعارضة بشكل أكبر في الانتخابات البرلمانية عنها في الانتخابات الرئاسية، كذلك فإن نظام الانتخاب البرلماني، يستفيد منه أكثر الأحزاب والتحالفات الكُبرى؛ إذ يعتمد على التمثيل النسبي للأحزاب في البرلمان بناء على إجمالي أعداد المصوتين، فيما لا تحصل الأحزاب التي لا تتعدى العتبة الانتخابية البالغ نسبتها 10% بحد أدنى على مقاعد، وتوزع حصتها على الأحزاب الأخرى بشكل نسبي أيضًا.
كمال قلجدار، رئيس حزب الشعب الجمهوري مع ميرال أكشنار رئيسة حزب الجيد
اللافت أن قانون الانتخابات، جرى عليه تعديلات في مارس (آذار) الماضي، كان الغرض الرئيسي منها في نظر البعض دعم الأحزاب الصغيرة المؤيدة للنظام، قد تُقوي أيضًا من تحالف المعارضة التركية؛ إذ يسمح القانون الجديد للأحزاب التي لم تتخطَ عتبة 10% من الدخول في البرلمان إذا دخلت في تحالف حزبي يتخطى نسبة تصويته الإجمالية 10%، وهو ما قد يسمح لأحزاب لم تمثل في البرلمان الماضي، مثل الجيد والسعادة، من الدخول في البرلمان القادم، وتضعف سيطرة تحالف الحزب الحاكم على البرلمان، بحسب ما جاء في تقرير لصحيفة الجارديان البريطانية.
لا يوجد مرشح رئاسي موحد للمعارضة ضد أردوغان
ومن ناحية أُخرى، لم تتوافق الأحزاب المعارضة التركية على مُرشح رئاسي واحد لها، بعدما فشلت في التوافق على غل، مما يُقوي فرص أردوغان في الفوز بالانتخابات الرئاسية، والتفوق بالأخص في الجولة الأولى، ولكن المعارضة ستعمل على الأقل على تشتيت الأصوات الانتخابية حتى لا يتمكن أردوغان من الفوز بالجولة الأولى مباشرةً بمنعه من الوصول لنسبة فوق 50%، وتتوحد على المنافس الثاني لأردوغان إذا ما اتجهت الانتخابات الرئاسية التركية إلى جولة ثانية.
وفي هذا الصدد، يقول الصحافي التركي إسماعيل كايا : «فشلت المعارضة رسميًّا في التوافق على مرشح موحد لها في الجولة الأولى، وبالتالي ستعمل على محاولة تشتيت الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات لمنع أردوغان من حسمها وجر الانتخابات الرئاسية إلى جولة ثانية تتجمع فيها المعارضة خلف المرشح الذي سينتقل لهذه الجولة ودعمه بقوة على أمل تمكنها من إنجاح مرشحها على حساب أردوغان».
بينهم سجين.. 3 مُرشحين رسميين للرئاسة من المعارضة ضد أردوغان
مع عدم توافق المعارضة على مرشح رئاسي واحد؛ يعتزم كل حزب من الأحزاب الأربعة تقديم مرشحه الخاص للانتخابات الرئاسية، بينهم ثلاثة أحزاب قد أعلنوا رسميًّا ترشحهم للانتخابات الرئاسية في طريق لا يبدو سهلًا، ويتطلب جمع توقيعات تأييد من 100 ألف شخص للترشح للانتخابات الرئاسية.
ميرال.. «المرأة الحديدية»
ومن أبرز المُرشحين الثلاثة هي ميرال مؤسسة حزب الجيد التي تُلقب بـ«المرأة الحديدية»، ومع موعد الانتخابات في يونيو المقبل، تكون ميرال قد تخطت فترة الأشهر الستة على تـأسيس حزبها اللازمة للترشح للانتخابات الرئاسية، ومع إعلان أردوغان لقرار الانتخابات المبكرة، أعلنت ميرال يوم 18 أبريل، قبولها للقرار وترشحها للانتخابات الرئاسية «بل والفوز بها من أجل الخروج بالبلاد من اللأزمات التي تعاني منها» وامتدت تصريحات ميرال الدعائية الحماسية، بقولها يوم الخميس الثالث من مايو: « حان الوقت أن يشعر الرجال في السلطة بالخوف».
ميرال أكشنار
وقد شغلت ميرال، منصب وزيرة الداخلية التركية في حكومة رئيس الوزراء الأسبق نجم الدين أربكان، قبل أن ينقلب عليها الجيش، والتحقت ميرال بالبرلمان التركي عام 1994، بعدما كانت تعمل أكاديمية مختصة في التاريخ، وتضع ميرال صورة كمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة، ويتكون اسم حزبها من حروف (IYI) وهي نفس الحروف التي ترمز لشعار قبيلة الكاي التركية، التي ولد بها عثمان الأول مؤسس الخلافة العثمانية، وتحمل طبيعة حزبها القومي قوة قد تجتذب من الكتلة التصويتية القومية من حلفاء أردوغان في الحركة القومية.
«أوغلو».. صوت أربكان المنافس لأردوغان
بدوره، أعلن تمل قره مولا أوغلو، رئيس حزب السعادة الإسلامي، ترشحه في الانتخابات الرئاسية، يوم الأول من مايو، بعدما فشل الحزب في دفع غل للترشح، وأكد الحزب جاهزيته لخوض الانتخابات الرئاسية ورفض تحالفهم مع أردوغان «حتى لا تتركز القوى بيد شخص واحد، وحزبنا امتداد لروح محمد الفاتح ونجم الدين أربكان» وأكد أوغلو اعتزامه تحقيق «نتائج مفاجئة».
دخل أوغلو ميدان السياسة قبل عقود، من خلال حزب السلامة الوطني قبل أن يغادره عقب الانقلاب العسكري الذي شهدته تركيا عام 1980، ثم انضم لحزب الرفاه الإسلامي الذي أسسه نجم الدين أربكان، وبعد حل الرفاه انضم أوغلو لحزب الفضيلة ومثله في برلمان 19، قبل أن يتعرض حزب الفضيلة للحل، لينضم أوغلو إلى حزب السعادة، الذي تأسس عام 2002، وشغل منصب رئيس الحزب للعلاقات الخارجية، وفي عام 2016، اُنتخب أوغلو رئيسًا للحزب، ليكون أوغلو الرئيس الخامس للحزب، بعدما ترأسه سلفًا: رجائي قوطان، ونجم الدين أربكان، ونعمان قورطولموش، ومصطفى قامالاق، وتكمن قوة الحزب التنافسية في الانتخابات الرئاسية في إمكانية اجتذابه جزءًا من الكتلة الانتخابية للإسلاميين، من أردوغان.
«دميرطاش».. مُرشح كُردي من داخل السجن
وفي سياق متصل، أعلن حزب الشعوب الديموقراطي الكردي، الأربعاء الماضي، ترشيح رئيسه السابق صلاح الدين دميرطاش، في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وأفاد الحزب بأنه سيبدأ يوم الجمعة في الحملة، في مناطق ذات أغلبية كردية مثل مدينة ديار بكر.
دميرطاش
اللافت أن دميرطاش مسجون حاليًا ويُحاكم في العديد من القضايا، لاتهامه بنشر دعايا لمسلحين أكراد يحاربون الدولة، والارتباط بحزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا، ومع حساسية وضع الأكراد، وبالأخص بعد الحملة العسكرية التركية لمحاربة وحدات حماية الشعب الكردية في عفربن، تبدو خطوة ترشيح دميرطاش «احتجاجية» أكثر منها «تنافسية» حقيقة ضد أردوغان، من حزب الشعوب الديموقراطي الكردي الحاصل على رابع أكبر نسبة تصويت في البرلمان التركي، وقد ينافس بقوة أكبر في الانتخابات البرلمانية عنها في الانتخابات الرئاسية.
من جانبه،أعلن حزب الشعب الجمهوري، أكبر الأحزاب المعارضة، على لسان متحدثه بولنت تزجان، نية الحزب واستعداده لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، وقال إن حزبه «سيكسب الانتخابات الرئاسية المقبلة» ولم يختر الحزب رسميًا مرشحه للانتخابات الرئاسية، مُحددين اليوم الجمعة الموافق الرابع من مايو الجاري، موعدًا رسميًا للإعلان عن مرشحهم للانتخابات الرئاسية.
أرقام الانتخابات السابقة تظهر شدة تنافسية الانتخابات المقبلة
ويبدو أن الانتخابات المقبلة ستكون شديدة التنافسية، بالنظر إلى أرقام الانتخابات البرلمانية السابقة التي جرت عام 2015، واستفتاء التعديلات الدستورية، الذي أجري في أبريل 2017، وتظهر تلك الأرقام حجم تواجد حلف أردوغان، ومعارضيه على أرض الواقع.
فخلال آخر انتخابات برلمانية تعود لعام 2015، تمكن حزب العدالة والتنمية من حصد أغلبية المقاعد البرلمانية؛ بحصوله على 317 مقعدًا من أصل 550 (عدد مقاعد البرلمان)، يليه حزب الشعب الجمهوري المعارض بـ 134 مقعدًا، وحزب الشعوب الديمقراطي الكردي المعارض بـ59 مقعدًا، ثم حزب الحركة القومية الحليف الحالي لأردوغان بـ40 مقعدًا.
فيما كانت التنافسية أشد في استفتاء التعدلايات الدستورية التي حولت تركيا من النظام البرلماني إلى الرئاسي، بعد موافقة نسبة 51.41% من إجمالي المصوتين اتساقًا مع توجهات أردوغان وحلفائه، في مقابل 48.59% صوتوا ضد التعديلات، التي رفضتها المعارضة، وكل هذه المؤشرات تبشر بمعركة انتخابية حامية الوطيس من المتوقع أن تشهدها الانتخابات التركية القادمة برلمانية كانت أو رئاسية.