توقعات بموافقة صندوق النقد على زيادة حزمة التمويل إلى ما بين 6 و12 مليار دولار (رويترز)
تشير عديد من المعطيات إلى قرب ساعة الصفر الدالة على تعويم الجنيه في مصر، وأن الحكومة المصرية تقترب بشدة من الإعلان عن تحريك أو خفض قيمة العملة المحلية مقابل الدولار، فعلى الصعيد الداخلي زادت الرواتب والمعاشات، وأعلن عن تدفق حزمة من الاستثمارات الخارجية، إضافة إلى رفع أسعار الفائدة، فيما خارجياً تسير المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بشكل إيجابي، إضافة إلى الإعلان عن اعتزام ضخ استثمارات جديدة.
وفيما يجري تداول الدولار في السوق الرسمية عند مستوى أقل من 31 جنيهاً منذ بداية العام الماضي، شهدت السوق الموازية ارتفاعات قياسية بأسعار صرف الدولار، وكان أعلى سعر صرف سجلته الورقة الأميركية الخضراء هو 74 جنيهاً، لكنها عادت إلى التراجع إلى مستوى 52 جنيهاً، ثم عادت إلى الارتفاع خلال الأيام الماضية إلى مستوى 60 جنيهاً، لكن خلال الساعات الماضية وفي ظل وجود مؤشرات إلى اقتراب التعويم، شهدت السوق حالة من الارتباك مع عدم وجود أسعار أو تنفيذ فعلي.
وخلال الفترة من 2016 وحتى الآن، يتجدد الحديث كل فترة عن السعر العادل لصرف الدولار الذي شهد ارتفاعات قياسية مقابل الجنيه المصري خلال السنوات الماضية. تزامن تعويم البنك المركزي المصري في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016 مع إطلاق برنامج الإصلاح الاقتصادي، وحينها تمت زيادة سعر صرف الدولار من مستوى 8.88 جنيه إلى 13 جنيهاً، ثم واصلت الورقة الأميركية الخضراء ارتفاعاتها لتسجل في الوقت الحالي مستوى 30.85 جنيه في البنوك المصرية.
توقعات بخفض الجنيه إلى ما بين 40 و65 جنيهاً
في مذكرة بحثية حديثة توقع بنك “جيه بي مورغان” أن تخفض الحكومة المصرية قيمة الجنيه إلى ما بين 45 و50 جنيهاً أمام الدولار، إلى جانب رفع أسعار الفائدة بمقدار 200 نقطة أساس. وقال البنك “نعتقد أن البنك المركزي المصري سيتطلع إلى تأمين بعض تدفقات النقد الأجنبي، وهندسة خفض سعر صرف العملة الأجنبية في السوق الموازية قبل النظر في الانتقال إلى نظام سعر صرف مدار”.
ورجح أن يخفض البنك المركزي أسعار الفائدة في الربع الرابع من عام 2024 “من المرجح أن يتراجع التضخم، مدعوماً إلى حد كبير بتأثيرات سنة الأساس، وتقارب سعر الصرف بالسوق الموازية” بعد توحيد سعر الصرف الرسمي والموازي. وتعد هذه توقعات أكثر تفاؤلاً، إذ تتوقع مؤسسة “أوكسفورد إيكونوميكس”، خفض سعر الصرف الرسمي إلى ما بين 55 و65 جنيهاً للدولار بنهاية العام الحالي، في حال تبني البنك المركزي نظام سعر صرف مرن.
فيما توقع كبير الاقتصاديين في الأسواق الناشئة لدى وكالة “بلومبيرغ” زياد داود أن يتجاوز سعر صرف الدولار في البنوك حاجز الـ50 جنيهاً بنهاية العام أيضاً، في حين كانت “كابيتال إيكونوميكس” أقل تفاؤلاً، متوقعة تراجع الجنيه رسمياً إلى مستوى 65 أمام الدولار. وتتماشى مع توقعات “سوسيتيه جنرال” الذي رجح أن تخفض مصر سعر الصرف الرسمي، إلى مستوى يراوح ما بين 40 و45 جنيهاً للدولار من نحو 30.9 جنيه في الوقت الحالي.
تعدد أسعار الصرف “كارثي”
في الوقت نفسه وصلت المراجعتان الأولى والثانية لبرنامج قرض مصر البالغة قيمته 3 مليارات دولار والمؤجلتان منذ فترة طويلة إلى المراحل الأخيرة، ومن المتوقع الانتهاء منهما “خلال أسابيع قليلة”، وفق ما قالته المديرة العامة لصندوق النقد كريستالينا غورغيفا في تصريحات على هامش القمة العالمية للحكومات، فيما اتفق الجانبان على جميع القضايا الرئيسة للمراجعة.
وحول حجم الحزمة التمويلية المرتقبة، قالت غورغيفا إن الصندوق يعد حالياً “مبلغاً كبيراً” من التمويل الإضافي، “لإعطاء جرعة ثقة للاقتصاد المصري من خلال تعزيز حجم برنامج الدعم”. لكن لا يزال الحجم الدقيق للحزمة التمويلية مجهولاً، فيما قالت مصادر مطلعة إن قيمته تراوح ما بين 6 و9 مليارات دولار.
وأشارت مصادر حكومية إلى أن مصر تقترب من الحصول على تمويل بإجمالي 12 مليار دولار، إذ سيضاعف صندوق النقد الدولي قيمة القرض الممنوح لمصر إلى 6 مليارات دولار، فيما ستحصل البلاد على 6 مليارات أخرى من “شركاء” لم يكشف عن هويتهم، وهو الرقم الذي أيده بنك “غولدمان ساكس”.
وقالت مديرة صندوق النقد الدولي إن تعدد أسعار الصرف في مصر كارثي ولا بد أن يحددها السوق، مشددة على هامش القمة العالمية للحكومات المنعقدة في دبي، أمس الأحد، على أنه على مصر التحرك باتجاه يجعل السوق تحدد سعر الصرف. وكشفت عن الاتفاق على الأمور الأساس مع مصر في شأن القرض المزمع، إذ إن زيارة وفد الصندوق إلى القاهرة كانت ناجحة والاتفاق قريب نسبياً، مضيفة “نعمل على التفاصيل النهائية للاتفاق”.
وأضافت “الحاجات التمويلية لمصر باتت أكبر، ونعمل مع أطراف أخرى لتوفيرها، فخلال الفترة القصيرة من الوقت ما بين مغادرة فريق صندوق النقد واشنطن والعودة، رأينا تأثير هجمات البحر الأحمر في حركة المرور عبر قناة السويس، والآن أصبح دخل القناة ما يقارب نصف ما كان عليه قبل الهجمات التي لها تأثير مادي في مصر، لأن قناة السويس يمكن أن توفر دخلاً قدره 700 مليون دولار شهرياً، والآن هذا الدخل أصغر”.
وأكدت أن هناك تفكيراً في كيفية تعديل البرنامج في سياق تطورات اليوم، وزيادة القرض لأنه من الواضح أن الظروف تتطلب تكثيف الجهود مع مصر، مشيرة إلى أن الصدمات الخارجية دفعت مصر إلى اتخاذ إجراءات قوية لإعادة بناء الاقتصاد، إذ إن الصندوق يجري مناقشات مكثفة للمراجعتين الأولى والثانية مع مصر.
وشددت على أن المطلوب من مصر التزام بعض الأمور، من ضمنها جدولة المشاريع الكبرى قيد الإنجاز، بخاصة أن الأوضاع في غزة ضغطت على مصر، وهذا التأثير طاول برنامج الطروحات الحكومية، ونحن نريد أن تبيع مصر في الوقت المناسب، لا نرغب بأن تتسرع الحكومة في بيع حصص بشركات حكومية في ظل الظروف الحالية. وأضافت أن “الصندوق ينظر إلى قدرة مصر على خفض التضخم وهذا يأخذ أولوية في برنامجنا، ونحن نتطلع إلى كيف يمكن لمصر أن تكون أكثر مرونة”.
البنك المركزي يواصل تشديد السياسة النقدية
وقبل أيام قررت لجنة السياسة النقدية للبنك المركزي المصري في أول اجتماعات عام 2024 رفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسة للبنك المركزي إلى مستوى 21.25 في المئة، و22.25 في المئة، و21.75 في المئة على الترتيب، ورفع سعر عائد الائتمان والخصم إلى مستوى 21.75 في المئة.
وأشار “المركزي” إلى أن اللجنة ستستمر في تقييم توازنات الأخطار بهدف تحقيق استقرار الأسعار على المدى المتوسط، ولن تتردد في استخدام كل أدواتها المتاحة لتقييد الأوضاع النقدية. وأكدت اللجنة أن مسار أسعار العائد الأساس يعتمد على معدلات التضخم المتوقعة. وأفاد البيان بأن لجنة السياسة النقدية ترى تصاعد الأخطار المحيطة بتوقعات التضخم، ومن ثم قررت رفع أسعار العائد الأساس لدى البنك المركزي بمقدار 200 نقطة أساس، بهدف الحد من توقعات التضخم وتقييد الأوضاع النقدية للحفاظ على مسار نزولي لمعدلات التضخم.
وقال البنك المركزي إنه “على الصعيد العالمي، اتسم النشاط الاقتصادي بالتباطؤ نتيجة سياسات التقييد النقدي التي اتبعتها البنوك المركزية الرئيسة على الطلب، وانخفضت الضغوط التضخمية العالمية أخيراً نتيجة لسياسات التقييد النقدي التي اتبعت في عديد من الاقتصادات المتقدمة والناشئة، وعليه تراجعت توقعات معدلات التضخم لتلك الاقتصادات مقارنة بما عرض في الاجتماع السابق. وعلى رغم ذلك توجد حالة من عدم اليقين حول توقعات التضخم، بخاصة بما يتعلق بأسعار السلع العالمية، وذلك نتيجة التوترات الجيوسياسية التي يشهدها العالم حالياً وكذا اضطراب سلاسل التوريد في البحر الأحمر”.
وأضاف “المركزي”، “على الصعيد المحلي سجل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي معدل نمو قدره 2.7 في المئة خلال الربع الثالث من عام 2023 مقارنة بمعدل 2.9 في المئة خلال الربع السابق له. وجاء النمو مدعوماً بالإسهامات الموجبة لكل من قطاع التجارة والزراعة والاتصالات. وعلى رغم ذلك تشير المؤشرات الأولية للربع الرابع من عام 2023 إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي. وبناءً عليه من المتوقع أن يتباطأ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال العام المالي 2023/2024 مقارنة بالعام المالي السابق له، على أن يتعافى تدريجاً في ما بعد. وجاء ذلك تماشياً مع التطورات الفعلية للبيانات وكذا التداعيات السلبية الناجمة عن حالة عدم الاستقرار الإقليمي واضطراب حركة الملاحة في البحر الأحمر على قطاع الخدمات. وفيما يتعلق بسوق العمل استقر معدل البطالة ليسجل 7.1 في المئة خلال الربع الثالث من عام 2023”.