العمل استفز الخليجيين وعدته جمعية حقوق الإنسان في السعودية “مسيساً” ويحمل أكثر من علامة استفهام
أيمن الغبيوي صحافي
بطل الفيلم يظهر بين الحيوانات التي يرعاها في صحراء السعودية (لقطة من الفيلم)
ملخص
يروي فيلم “رجل الماعز” على مدى ثلاث ساعات قصة رجل هندي قدم إلى السعودية في مطلع تسعينيات القرن الماضي تعرض للخداع من رجل ادعى أنه كفيله ليهرب به من المطار إلى الصحراء ويعيش فيها مع قسوة الكفيل المزعوم والرمال وبهائهما.
يوماً بعد يوم تتوسع رقعة الجدل عربياً حول فيلم “حياة الماعز” الذي أغضب الخليجيين وخصوصاً السعوديين بوصفه “متطرفاً” وفق قولهم. وعلى رغم أن الفيلم بث في مارس (آذار) الماضي أي قبل نحو خمسة أشهر مستنداً إلى رواية صدرت عام 2008 لقصة حدثت مجرياتها في الصحراء سنة 1993 أي قبل نحو 31 عاماً فإن الحديث عنه طغى على منصات التواصل الاجتماعي أخيراً ولم يتوقف.
السجال حوله دعا مخرجه للتعليق أمس السبت مفنداً ردود الفعل، ومؤكداً أنه لا صحة لمزاعم كثيرة ومنها “تمويله ودعمه”، في وقت شككت فيه الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان وهي جهة غير حكومية في السعودية عند أول تعليق لها عبر “اندبندنت عربية” في حسن النيات، مشيرة إلى أهداف تقف خلف العمل، مثل “تحقيق أجندات سياسية”.
بالنظر إلى التسلسل الزمني للفيلم اللافت بين 1993 – 2024 يجده المناوئون يستدعي التوقف عنده طويلاً، إذ يأتي في غضون أكثر من 30 عاماً، شهدت فيها البلاد تغييرات قانونية واجتماعية هائلة ومتباينة، توجت في الأعوام الأخيرة بإصلاحات في مجال المال والأعمال والقوى العاملة، وتطورات حقوقية حتى إن مصطلح “الكفيل” صدر حوله أمر ملكي، وثق في كلمة للرياض أمام أعضاء الأمم المتحدة في الدورة (59) للجنة القضاء على التمييز العنصري 2018. وأنشأت البلاد محاكم خاصة للعمال اسمها “المحاكم العمالية”، لضمان سرعة البت في هذا النوع من القضايا ذات الطابع الحقوقي الحساس، في سياق مجموعة من التعديلات والأنظمة القضائية المستحدثة.
لكن هناك من اعتبر أن القصة فردية لرجل تعرض للخداع من رجل آخر ولا تستدعي كل هذه الهالة والحديث فالقصة واردة، ومثلها حول العالم كثير، في وقت كان الجدل الذي ساد ليس على صدق القصة من عدمها بالقدر الذي كان عن محاولة تنميط حالة فردية على بلد مترامي الأطراف، مر عليه خلال عقود مضت عشرات الملايين من العمالة.
ثمة أمر قد يسعد أرباب “الفن السابع” وهو أن هذا هو عصرهم الذهبي، فالكتاب الذي صدر في قرابة 200 صفحة قبل نحو 16 عاماً لم يحدث ما أحدثته الشاشة وستائرها الحمراء في غضون أشهر. وهذا أمر آخر يطول الحديث عنه.
ملصق الفيلم على نتلفلكس.
يروي فيلم “رجل الماعز” على مدى ثلاث ساعات قصة رجل هندي قدم إلى السعودية في مطلع تسعينيات القرن الماضي تعرض للخداع من رجل ادعى أنه كفيله ليهرب به من المطار إلى الصحراء ويعيش فيها مع قسوة الكفيل المزعوم والرمال وبهائهما. حتى إن نجيباً المعذب صار في الفيلم يشرب من مائها ويأكل من مأكلها وينام على أوراكها في رحلة عذاب مع الكفيل، امتدت أكثر من ثلاثة أعوام وانتهت القصة بهربه في رحلة شاقة قبل ترحيله بواسطة السلطات، وكان ذلك بمساعدة رجلين أحدهما أفريقي والآخر سعودي كانا قد وجدا “نجيب” على قارعة الموت والطريق قبل إنقاذه.
“لم أقصد الإساءة”
الزاوية الأخيرة، كانت في السيارة الفارهة ومالكها السعودي، إذ وجد فيها مخرج الفيلم بليسى إيب توماس (60 سنة) مخرجاً، رآه يشهد على حسن نياته حين قال في تعليق نشره قبل ساعات عبر موقعة الرسمي على “فيسبوك”، “إن الفيلم حاول بلا هوادة تسليط الضوء على نبل النفس البشرية حتى في قلب شخص قاس. اشتد إيمان ’نجيب’ بالله بمرور الأيام ويأتيه الله أولاً على هيئة إبراهيم قادري (الأفريقي) ثم على هيئة السيد العربي الكريم (السعودي) مع الرولز رويس الذي لولاه كان نجيب مات على الطريق”. ويضيف، “حاولت أن أعطي هذه الرسالة باستمرار طوال الفيلم ولم أقصد أبداً إيذاء مشاعر أي فرد أو عرق أو بلد”.
ورأى أن المشاهد الإيجابية عن “الرجل العربي” في الفيلم كانت كثيرة، فجميع موظفي المطعم والأشخاص في مركز الاعتقال، مشاهد وثقت “معاني الرحمة والتعاطف” عند العربي وفق قوله، قبل أن يضيف في بيانه، “أنا مخرج الفيلم وسيناريو الفيلم من تأليف نفسي والفيلم من إنتاج شركتي الخاصة ’الرومانسية البصرية’، وأنا المالك الوحيد والمساهم فيها، وليس لأي فرد أو شركة أخرى أي تورط في الإنتاج من الفيلم”.
يقول بليسي الحائز عدد من الجوائز في رده حول مزاعم كثيرة، “الفيلم يجب التعامل معه بوصفه عملاً فنياً فقط، وأنا أصدر هذا البيان حين لاحظت أن هناك بعض المحاولات لخلق اضطراب اجتماعي من خلال تفسير محتويات الفيلم بشكل خطأ. أدعو الجميع إلى الامتناع عن أي جهود لنسب أي شيء أبعد مما كنت أنوي بصفتي كاتب سيناريو ومخرج ومنتج الفيلم”.
أكثر من علامة استفهام
من وجهة نظر أخرى يرى رئيس أول جمعية لحقوق الإنسان في السعودية (غير حكومية) الدكتور خالد الفاخري، أن العمل فيه “تشويه للسمعة وتضليل عبر معلومات مغلوطة”.
ويقول الفاخري، “نحن جهة مستقلة لا تخضع لأي إشراف حكومي ولدينا حرية في التعاطي مع الملفات التي نتابعها، رصدنا من قبل ظواهر سلبية وناقشناها مع جهات تنفيذية ووجدت طريقها للتعديل، ولو أننا وجدنا ما يستحق الرصد في فيلم “رجل الماعز” لرصدناه ولكنه كان مضللاً”. ولدى الجمعية فريق رصد تابع الفيلم وفق الفاخري قبل أن يدلي بتصريحه.
ويضيف، “من أعد الفيلم يجهل ما يدور في دولة متقدمة، ومنها اسم الكفيل الذي ألغي وبات صاحب العمل”.
ويؤكد أن “البلاد اليوم استحدثت ضمانات كثيرة للعمال مع وجود تطبيقات إلكترونية وطرق عديدة وسريعة للشكوى وضمانات تتعلق بحماية الأجور وتكفل للعامل الانتقال لمن لديه علاقة سلبية مع رب العمل”.
ويتساءل الفاخري عن “دور الشرط والنيابة والموارد البشرية واللجان العمالية في هذا الفيلم” قبل أن يجيب “ثمة أشياء كثيرة جهلها من قام بكتابة السيناريو”.
وفي السياق نفسه الذي تحدث عنه مخرج الفيلم بليسي حول مسائل تتعلق بداعمي العمل والمستفيدين من قصته، يرى الفاخري، “بطبيعة الحال هناك ممولون للسينما والأفلام والمنصات الإعلامية لتحقيق مسار معين، وهم بدعمهم سيقودون السيناريو لتحقيق رغباتهم وللإساءة بطريقة أو بأخرى”. قال ذلك من دون تحديد أي اسم أو دولة. قبل أن يتساءل، “أين هذه الأفلام عن المناطق التي يعيش بها الأفراد بتجاوزات كثيرة، لا حقوق ولا شفافية، هناك دول فيها انتهاكات عنصرية ودينية واستبداد لحقوق الإنسان؟ قبل أن يختتم هناك أكثر من علامات استفهام؟”.
وقد يجد العرب معالم قولهم الشهير “سبق السيف العذل” في مقدمة الفيلم الذي جاء في 170 دقيقة إذ كتب مخرجه “الفيلم لا يقصد الإساءة لأي بلد أو شعب أو مجتمع أو عرق”. لكنها العبارة التي لم تنجه من واصب “إكس” وأخواتها.
الكفيل بين الأمس واليوم
وبالعودة لمصطلح “الكفيل” الذي ورد في الفيلم غير مرة وهي أول كلمة عربية عرفها بطل الفيلم (محمد نجيب) في المطار فهو مصطلح شائع في الخليج إذ “يكون لدى كل وافد من أجل العمل كفيل يكفله في حالة أن يكون على المكفول مديونيات تمنعه من السفر فيكون الكفيل ضامناً له”، لكن في الممارسة العملية ثمة من يقول إن البعض استغل هذه الفقرة للتحكم في المكفول تحكماً تاماً، مما أنتج بعض المخلفات وسوقاً كبيرة للتستر. وهو ما عملت البلاد أخيراً على تعديله من أجل تحسين بيئة العمل والعمال.
وأشارت هيئة حقوق الإنسان الحكومية في السعودية أمام أعضاء الأمم المتحدة في أبريل (نيسان) 2018 إلى أنه في مجال العمل تم “اتخاذ عدد من التدابير لحماية حقوق العاملين، ومن أبرزها صدور قرار مجلس الوزراء بإلغاء مصطلح الكفيل، وحظر احتفاظ صاحب العمل بجواز سفر العامل الوافد”. وهو إجراء يمنح الوافدين حرية التنقل وعدم احتجاز وثائقهم.
الرواية التي اقتبس منها الفيلم (التواصل الاجتماعي)
وبدأ تطبيق النظام الذي تغير في الـ14 من مارس (آذار) 2021 أي قبل أن يرى فيلم “حياة الماعز” النور، ولاحقاً في سبتمبر (أيلول) 2022 أدخلت تعديلات جديدة استهدفت “تعزيز حرية العمال في التنقل والبحث عن فرص عمل أفضل، من دون الحاجة إلى موافقة صاحب العمل، وتحسين ظروف العمل وبيئته لتصبح أكثر أماناً وإنصافاً، مع تقلص فرص الاستغلال وسوء المعاملة”.
وتنص قوانين البلاد الصارمة اليوم على تجريم التستر على العمالة أو إيوائهم أو تشغيلهم من دون أوراق ثبوتية إذ رصدت الداخلية السعودية غرامة مالية تصل إلى 100 ألف ريال والسجن لمدة تصل إلى ستة أشهر مع الترحيل إن كان وافداً، ناهيك بالاتجار بالبشر الذي صادقت الرياض على قانونه الدولي، ولاحقت على أثره عشرات المتهمين باستغلال العمالة بتهم جنائية.
ملصق يظهر فيه صاحب القصة الحقيقية (وسائل إعلام هندية)
الرواية الوسيطة بين الفيلم وصاحب القصة
الفيلم المثير للجدل حاز بضع جوائز من بطولة الممثل بريثفيراج سوكوماران الذي يؤدي دور “نجيب”، ويستند إلى الرواية التي تحمل الاسم ذاته “Aadujeevitham”، أو “حياة الماعز”، صدرت عام 2008، للكاتب بنيامين باللغة الماليالامية التي تتحدث بها ولاية كيرالا جنوب الهند، وترجمت إلى أكثر من ثماني لغات.
لكنه ما كان ليرى النور لولا وساطة من كاتب الرواية وهو الوسيط بين بطل القصة ومخرجها وهو كاتب يدعى بنيامين وعاش في البحرين ردهاً من الزمن. يقول الروائي الذي ذاع صيته بعد الرواية في حديث مع صحيفة “دقيقة الأخبار” الهندية، “عندما سمعت قصته، أدركت أن هذه هي القصة التي كنت أنتظر أن أرويها للعالم، وأدركت أن هذه القصة لا بد وأن تروى. عادة لا نسمع إلا عن قصص النجاح في الخليج. ولكنني أردت أن أتحدث عن عديد من الذين يعيشون حياة مليئة بالمعاناة والألم”.
ولم يخفِ أن البطل الحقيقي “نجيب” “كان متردداً حول القصة وروايتها لأنه أراد نسيان ماضيه”، لكنه نجح في إقناعه أخيراً.
ويبلغ نجيب اليوم 66 سنة، وكان وفق لقاء أجري معه 2018 يعمل في الخليج وتحديداً في البحرين.
تم تصوير العمل على مراحل بين مارس 2018 ويوليو (تموز) 2022 من خلال ستة جداول زمنية في صحارى وادي رم بالأردن والصحراء الجزائرية في الصحراء الكبرى مع تصوير بعض المشاهد في ولاية كيرالا بالهند. وتقطعت السبل بالطاقم الفني في الأردن لمدة 70 يوماً من مارس إلى مايو (أيار) 2020 بسبب قيود جائحة “كوفيد-19” إذ أعيدوا في النهاية إلى الهند عبر برنامج الإجلاء التابع للحكومة الهندية. وانتهى التصوير من العمل بصورة نهائية في الـ14 من يوليو 2022. وكان أول عرض له عبر منصة “إكس” في يوليو الماضي.