بقلم : غالب قنديل
تزدحم أسئلة كثيرة في الأفق حول ما سيواجه اللبنانيون بعد الانتخابات وما هي المؤشرات السياسية والاقتصادية الفعلية التي ينبغي وضعها في الحساب لدى صياغة البرامج والشعارات الانتخابية والبحث في الخيارات السياسية المقبلة بعدما بدا واضحا أن التوجهات الفعلية للسلطة السياسية القائمة وحزبها الرئيسي تيار المستقبل تتركز على ثلاثة أهداف كبرى :
1- تثبيت الوصاية الأميركية الفرنسية السعودية وعدم القيام بأي خطوات للتقارب مع سورية وإيران وروسيا سياسيا واقتصاديا وبالتأكيد عسكريا وامنيا.
2- إحياء الحريرية كركيزة مستمرة لنظام حكم الطغمة المالية العقارية التابعة بمضمونه الاقتصادي الاجتماعي المنتمي للنيوليبرالية وللرأسمالية المتوحشة من خلال ثنائية المديونية الفاحشة والخصخصة الفالتة وتدمير قطاعات الإنتاج وإهدار الثروات الوطنية.
3- استمرار المساكنة مع المقاومة بانتظار توقيت الحلف الأميركي السعودي وخطته الهجومية لتعويم الهيمنة الصهيونية ولفرضها تحت عنوان صفقة القرن وبالتالي فلغة المهادنة السارية هي أقرب إلى مداهنة وكمين سياسي متقن دبرته باريس وواشنطن بانتظار إطلاق مشروع ترامب لفرض توطين اللاجئين والنازحين وشطب حق العودة رسميا وفرض الاعتراف بإسرائيل وتلك بذاتها ادوات تفجير جاهزة.
هذه التحديات تنطوي على اخطار مصيرية ووجودية ستهدد لبنان والمنطقة ومن الضروري ان تكون مجابهتها هي مضمون ومحور أي برنامج وطني لخوض الانتخابات بدافع فرض معادلات الحماية والخلاص الوطني.
إن هوية الغالبية النيابية المقبلة وموقفها من المقاومة ومن العناوين الثلاثة المذكورة سوف تتحكم بمصير البلد في المرحلة القادمة وهذا يفترض الانحياز بصلابة للخيار الوطني المقاوم في الانتخابات لضمان اوسع تمثيل ممكن لهذا النهج الاستقلالي الوطني وكل موقف او خيار يشتت قوى الخيار المقاوم ويبدد قوتها وفاعليتها بدلا من الجمع والوحدة هو عمل يعاكس المصلحة الوطنية الوجودية لأنه يضعف حضور اهل الخيار وتأثيرهم المحتمل في المعادلات المقبلة للحكومات والسياسات.
الخيار الاقتصادي الاجتماعي المبني على مواصلة الخصخصة والاستدانة كنهج لإدارة الاقتصاد الوطني هو خيار فاشل وبائس ومجرب حصدت منه البلاد مليارات الدين غير المجدية سوى للمرابين الذين أقرضوا الدولة ورهنوها من الداخل والخارج وباتوا كالعلق يعتاشون على دماء اللبنانيين وثمة خطر فعلي يتهدد المكتشفات البحرية المرجحة من النفط والغاز بتبديد عائداتها هباء طالما لا خطط جدية لإحياء الصناعة والزراعة وتطويرهما ولتصنيع السياحة وللتكامل مع شراكات تتوسع نحو الشرق انطلاقا من سورية والعراق وإيران وروسيا دون إهمال الشركاء الاخرين في الغرب والخليج الذين بات بعضهم عبئا فعليا على أي طموح اقتصادي لبناني.
يحتاج لبنان إلى التخلي عن الاقتصاد الريعي المتوحش عبر تبني نهج اقتصادي اجتماعي يوازن بين مبادرات تنمية الثروة الوطنية ومواردها وتنمية الأرياف وبلورة فرص عمل جدية للشباب اللبناني وتوسيع نطاق التعليم والتأهيل المهنيين .
الهروب المضمر إلى تضخيم الإنفاق على البنية التحتية مجددا لوضع اليد على اموال القروض كما جرى بعد الموجة الأولى للمشروع الإعماري عام 1992 سيجلب خرابا اقتصاديا وماليا أفظع من كل ما جرى حتى اليوم حتى لو كانت بدايته بعض الانتعاش نتيجة تدفقات مالية مصدرها الديون فالويل سيأتي بعدها مباشرة بانكماش خطير وتدهور سريع ولن تبقى مفيدة تقنيات الهندسة المصرفية لأنها ترتبط بحجم السيولة المتاحة للتلاعب في الخارج والداخل وسط مؤشرات نضوب وانكماش خطيرين في كل مكان.
نظام المديونية والخصخصة الذي فرض على لبنان هو قرين الفساد الذي يتبارى الساسة في هجائه وإنكار مسؤوليتهم عنه لكن ذلك الخيار الاقتصادي والمالي هو أمه وأبوه وحاضنته السياسية وهذا الفساد ومن دون شك يترعرع في ظل الطائفية السياسية مما يفرض المبادرة فور إعلان نتائج الانتخابات إلى إطلاق معركة تطبيق المادة 95 من الدستور فورا ومن غير مماطلة.