بعد عام من احتجاجات حاشدة مناهضة للنخبة الحاكمة في لبنان، اختار الساسة نفس رئيس الوزراء الذي كان قد استقال آنذاك، ليقود البلاد الآن للخروج من أزمتها.
وسعد الحريري، الذي تولى رئاسة الوزراء ثلاث مرات والوريث لأسرة ثرية، هو أبرز السياسيين السنة في لبنان منذ اغتيال والده في عام 2005. وتنحى العام الماضي بعدما خرج مئات الآلاف إلى الشوارع للتظاهر ضد طبقة سياسية يتهمونها باستنزاف الدولة على مدى عقود.
وقال الحريري حينها إن جهوده الرامية لإبرام اتفاق على إصلاحات تحتاجها بلاده بشدة وصلت إلى طريق مسدود، حيث عرقلتها الانقسامات الطائفية والمصالح، ولا يمكن أن يكسر الجمود إلا “الصدمة الكبيرة” الناجمة عن استقالته.
لكن الاحتجاجات استمرت في شتى أنحاء لبنان مطالبة بإبعاد الطبقة السياسية التي يتهمها المتظاهرون بنهب البلاد ودفعها إلى الأزمة. وردد المحتجون هتاف “كلن (كلهم) يعني كلن”.
وخلال الشهور التي أعقبت ذلك، واجه أكاديمي سابق ودبلوماسي صعوبة في قيادة أو حتى تشكيل حكومة اختصاصيين لتوجيه البلاد في اتجاه جديد.
وبعد عام تقريبا، شهد كوارث منها أزمة مصرفية وانهيار العملة وارتفاعا حادا في معدلات الفقر وانفجارا ضخما بمرفأ بيروت، يقول الحريري إنه “المرشح الطبيعي” لقيادة لبنان.
وتعهد اليوم الخميس بتشكيل حكومة اختصاصيين “مهمتها تطبيق الإصلاحات الإدارية والاقتصادية والمالية” التي حددها إيمانويل ماكرون، رئيس القوة الاستعمارية السابقة فرنسا، ليحصل لبنان على مساعدات خارجية.
خلافات سياسية
لكن يبدو أن الخلافات التي عرقلت التغيير خلال ولايته السابقة ستظل تلازم جهوده الساعية لتشكيل حكومته الرابعة.
فقد رفضت الكتلتان المسيحيتان الرئيسيتان، التيار الوطني الحر بزعامة جبران باسيل صهر الرئيس ومنافسها حزب القوات اللبنانية، تأييد ترشيحه.
وقالت جماعة حزب الله الشيعية المدججة بالسلاح إنها لم ترشح أحدا لمنصب رئيس الوزراء لكنها ستعمل بشكل “إيجابي” من أجل تشكيل حكومة. وفاز حزب الله المدعوم من إيران وحلفاؤه السياسيون، ومنهم حركة أمل الشيعية والتيار الوطني الحر، بأغلبية مقاعد البرلمان في انتخابات 2018.
بُنيت حياه الحريري المهنية على دعم دول خليجية وإنفاق ثروة عائلته، التي بذل الكثير منها في لبنان لتمويل شبكة سياسية، وأيضا احترام الكثير من اللبنانيين لوالده رفيق الحريري.
وكان أكثر ما ميز السنوات الأولى من مسيرته السياسية تحالفه الوثيق مع السعودية ومواجهات مع الحلفاء اللبنانيين لسوريا وإيران وعلى رأسهم حزب الله.
وأدانت محكمة مدعومة من الأمم المتحدة في أغسطس/ آب غيابيا عضوا في حزب الله بالتآمر لاغتيال والده رفيق، وهو رئيس وزراء سابق كان مقربا من الغرب وحلفاء خليجيين سنة وكان يعتبر تهديدا للنفوذ الإيراني والسوري في لبنان.
وينفي حزب الله المشاركة بأي دور في الانفجار الذي أودى بحياته في 2005، وقال سعد الحريري إنه يسعى إلى العدالة وليس الانتقام لمقتل والده.
تضرر العلاقات مع السعودية
شكل الحريري أول حكومة ائتلافية له في 2009 بعد فوز الائتلاف المناهض لسوريا وحزب الله الذي كان يتزعمه حينها بأغلبية برلمانية بدعم سعودي. لكن هذا التحالف، تحالف 14 آذار، تفكك تدريجيا خلال السنوات التالية.
وتم إسقاط حكومته في أوائل 2011 عندما استقال حزب الله وحلفاؤه بسبب التوتر المرتبط بالمحكمة التي تنظر في اغتيال رفيق الحريري. وظل سعد معظم الوقت خلال السنوات القليلة التالية خارج لبنان لأسباب أمنية.
ومع تصاعد الحرب في سوريا المجاورة، هيمن على لبنان التوتر بسبب ذلك الصراع.
في الوقت نفسه عانى الحريري من ضربة مالية ناجمة عن انهيار نشاط البناء الذي تديره عائلته في السعودية، مما ألحق الضرر بالأوضاع المالية لشبكته السياسية في لبنان.
قدم الحريري سلسلة تنازلات سياسية في بلاده نتج عنها في نهاية المطاف دعمه لميشال عون، الحليف المسيحي لحزب الله، ليصبح رئيسا. وأدت الصفقة لتولي الحريري رئاسة الوزراء للمرة الثانية وذلك في 2016.
وظل خصما لحزب الله لكن معظم تركيزه كان على المشاكل الاقتصادية التي تواجه لبنان.
وتضررت علاقات الحريري بالسعودية، الغاضبة من اتساع دور حزب الله في لبنان. ووصلت العلاقات بينهما إلى الحضيض في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 عندما بات من المسلم به على نطاق واسع أن المملكة أجبرته على الاستقالة واحتجزته لديها.
وتنفي السعودية والحريري ذلك علانية، رغم أن ماكرون أكد أن الحريري كان محتجزا هناك.