مقالات

ماذا سيحدث لو نجحت روسيا في تبديل موقف مصر؟

 

آنا بورشفسكايا

على الرغم من التدقيق المستمر لوسائل الإعلام في السياسة الخارجية للرئيس ترامب، يقول الخبراء إنه قد تمّ التغاضي عن علاقة الولايات المتحدة مع مصر. وهذا أمر مثير للقلق بشكل خاص نظراً لتوثيق العلاقات بين القاهرة وموسكو. وفي هذا الإطار، تتحدث آنا بورشفسكايا زميلة “آيرا وينر” في “معهد واشنطن” مع مادلين كيرنز من مجلة “ناشيونال ريفيو” حول المخاطر التي يطرحها نشوء تحالف بين مصر وروسيا.

كيرنز: في عام 2013، أطاح انقلاب عسكري بالرئيس المصري وزعيم جماعة «الإخوان المسلمين» محمد مرسي. ورداً على ذلك، عاملت إدارة أوباما خلفه الرئيس عبد الفتاح السيسي بقسوة. فهل أدى تودد إدارة أوباما إلى «الإخوان المسلمين» إلى إضعاف العلاقات الأمريكية-المصرية؟ وإذا كان الأمر كذلك، فكيف؟

بورشفسكايا: نعم لقد أضعف هذا التودد العلاقات بين البلدين. فقد تنامى انعدام ثقة مصر بالولايات المتحدة جراء ذلك. لكن ربما الأمر الأكثر أهمية هو أن واشنطن أرجأت تسليم الأسلحة إلى مصر، وعلقت المساعدات العسكرية وأوقفت فيما بعد الحوار الاستراتيجي الثنائي الناشئ. وقد أظهرت هذه الخطوات للقاهرة أن الولايات المتحدة تفك ارتباطها بها، فهي لم تكن تولي اهتماماً لحاجاتها. ومنذ ذلك الحين، بدأت العلاقة تتدهور بينهما.

كيرنز: في المقابل، وكما أشار منتقدوه، اعتمد الرئيس ترامب مقاربةً أكثر وديةً تجاه السيسي. وحتى الآن، قام بدعوته إلى البيت الأبيض وأجرى معه اتصالات هاتفية شخصية. فهل يشير ذلك إلى تغييرٍ في السياسة؟

بورشفسكايا: الأمر ليس واضحاً، ويعود السبب جزئياً إلى أننا غالباً ما نلاحظ تناقضات بين ما يفعله ترامب وما تفعله إدارته. فعلى سبيل المثال، في معظم الأحيان نلاحظ أن ترامب يتصرف بطريقة معينة تجاه بوتين، في حين تسلك إدارته مساراً مغايراً. فترامب مثلاً هو الذي يدعو شخصياً بوتين باستمرار لحضور قمة، وقد هنأه على فوزه في الانتخابات رغم أنه قيل له بالأحرف الكبيرة “لا تهنئه”. ويتجلى مثال آخر في أفغانستان حيث أراد ترامب في بداية الأمر تعهيد أفغانستان بشكل أساسي إلى مقاولين من القطاع الخاص، لكن في نهاية المطاف لم تتمخض السياسة المطبقة عن تنفيذ هذا الأمر، وبصراحة كانت أفضل من سياسة سلفه. وبدا أنها أخذت بالتأكيد أخطاء الماضي في الاعتبار، ومن بينها الإعلان عن تاريخ محدد للانسحاب العسكري. إنه لمثال أكثر إيجابيةً بلا شك. لكن النقطة الأساسية التي أود تسليط الضوء عليها هي أنه من الصعب معرفة أين سينتهي المطاف، وأشعر أن صناع السياسة لا يأخذون على محمل الجد احتمال إقدام روسيا على تبديل موقف مصر.

كيرنز: لماذا تعتقدين أن الولايات المتحدة لا تأخذ اهتمام روسيا بمصر على محمل الجد؟ وما هي نصيحتك إلى إدارة ترامب خلال الفترة اللاحقة؟

بورشفسكايا: يبدو أن الولايات المتحدة لا تأخذ العلاقة المتنامية بين القاهرة وموسكو على محمل الجد. فغالباً ما يميل المحللون وصناع السياسة إلى تجاهل تودد القاهرة إلى موسكو باعتباره مجرد مراوغة، ومحاولة للحصول على اتفاق أفضل من الولايات المتحدة، لكن ليس أكثر من ذلك. وسيكون هذا خطأ. فمن وجهة نظر الخبراء، إن مصر مهتمة حقاً بتنويع علاقاتها بعيداً عن الولايات المتحدة، وبالتالي فما تفعله ليس مجرد مراوغة. ونظراً إلى تاريخ العلاقات بين موسكو ومصر، فليس من المستغرب أن تميل القاهرة مجدداً إلى موسكو. فروسيا توفر لها الكثير من الأمور التي لا تقدمها واشنطن: حيث أنها لا تشترط تقديم المساعدات على تحسين حالة حقوق الإنسان، ولا تحظر مبيعات الأسلحة الثانوية، وما إلى ذلك. كما يسهل على المصريين استعمال الأسلحة والمروحيات الروسية، وتؤكد شهادات الطيارين الشخصية والمباشرة أنها تلبي حاجاتهم بشكل جيد. وبالتالي، توفر روسيا شيئاً مفيداً حقاً لمصر، ألا وهو محاربة المتمردين من أتباع تنظيم «الدولة الإسلامية» في سيناء. كما أود أن أضيف أننا غالباً ما نسمع، وهذا هو الواقع، أن روسيا لا تستطيع أن تحل محل الولايات المتحدة – سواء عندما يتعلق الأمر بمصر أو دول أخرى في المنطقة – ويبدو ذلك مطمئناً. فالمشكلة هي أن روسيا ليست بحاجة إلى أن تحل محل الولايات المتحدة لإلحاق الضرر بالمصالح الأمريكية. وبصراحة، يدرك بوتين أنه لا يمكنه أن يحل محل الولايات المتحدة، وهو لا يهدف إلى ذلك أساساً.

أما نصيحتي [لإدارة ترامب] فهي أن تأخذ احتمال تبديل روسيا لموقف مصر على محمل الجد، وليس تجاهل ما يحدث واعتباره مجرد مراوغة. فمصر هي حجر الأساس للأمن الإقليمي الأمريكي في الشرق الأوسط، وإذا تقربت من بوتين، ستخسر الولايات المتحدة أحد حلفائها الأساسيين في المنطقة. وتُظهر مساهمة بوتين في بناء محطة طاقة نووية في مصر عندما كانت هذه الأخيرة شريكة واشنطن في التعاون في مجال الطاقة، أنه حين تتجاهل الولايات المتحدة حاجات مصر – عندما يتعلق الأمر بالأمن والطاقة على حد سواء – سيجد المصريون شركاء آخرين أقل استساغة.

كيرنز: نظراً إلى الانتقادات الأخيرة التي تعرض لها سجل مصر في مجال حقوق الإنسان، لا سيما في الفترة التي سبقت انتخابات آذار/مارس، كيف يجب على الولايات المتحدة إشراك الرئيس السيسي في هذه القضايا؟

بورشفسكايا: لم تتمكن إدارة أوباما في النهاية من التفاوض على إطلاق سراح [عاملة الإغاثة الأمريكية] آية حجازي. ولعل التعاون الوثيق في مجال الأمن وقضايا أخرى يمكن أن يمنح الولايات المتحدة ميزةً أفضل لإشراك مصر في قضايا حقوق الإنسان. فالقيم الأمريكية تبقى مهمة. ولا يجدر بواشنطن التخلي عنها، إذ إن وقوف مصر في معسكر بوتين لن يساهم سوى في إبعادها أكثر عن هذه القيم.