د. كاظم ناصر
الحركة الداعشيّة أثارت الكثير من التساؤلات المتعلّقة بأهدافها، وبمن أوجدوها وموّلوها وزوّدوها بالسلاح ! فمن ضمن هذه التساؤلات ما هي علاقاتها السريّة بالدولة الصهيونية ؟ ولماذا تركّز على إشعال نيران الفتنة بين المسلمين ؟ ولماذا تستخدم وسائل بربريّة مقزّزة في التعامل مع خصومها ومع الأقليات ؟ ولماذا عملت على تمزيق النسيج الإجتماعي في المناطق التي سيطرت عليها ؟ ولماذا دمّرت المدن والقرى والبنية التحتيّة والآثار في المناطق التي سيطرت عليها ؟ ولماذا تقوم بإعتداءات ضدّ المدنيين في مدن العالم ؟ أسئلة أخرى كثيرة تطرح نفسها عن داعش واهدافها وممارساتها ! لكن الذي لا شك فيه أن ما قامت وتقوم به من أعمال بربرية لا يخدم إلا أعداء العرب والمسلمين وفي مقدمتهم إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية .
القوات العراقية استعادت ما إحتلته داعش في العراق، والجيش السوري حقق انتصارات حاسمة ضدّها وسوف يتمكن قريبا من طردها من المواقع التي احتلتها خلال السنوات القليلة الماضية . لكن سقوط دولتها، وتدمير معظم أسلحتها، وهروب قادتها إلى أماكن متفرّقة لا يعني بالضرورة توقف أعمالها الإرهابية واندحارها وتفكّكها، ومن ثمّ اختفائها من الساحة ! داعش توقّعت خسارة دولتها منذ ما يزيد عن عام، وبدأت بإعادة ترتيب أوراقها وتنظيم وتجهيز نفسها لشنّ حرب ظلّ خفيّة ضدّ خصومها في الشرق والغرب.
خروج داعش من المدن التي احتلتها لا يعني أن المدن المحرّرة ستعيش بأمن وسلام . فقد ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في عددها الصادر يوم الخميس الموافق 29 – 6 – 2017 أن داعش ” قامت ب 1483 عملية في 16 مدينة عراقية وسورية بعد تحريرها وخروجها منها ” ، وقامت بعد طردها من الموصل ومدن سورية بعدة تفجيرات في بغداد ومدن وقرى عراقية وسورية أخرى .
داعش لن تنتهي بالسهولة التي يتصوّرها البعض لعدّة اسباب منها : ان الحركة ما زال لديها آلاف الجهاديين الموالين لها، وتملك كمّا هائلا من السلاح، وحافظت على معظم كوادرها الإداريّة وخبرائها ليخطّطوا وينفّذوا عملياتها القتاليّة في المناطق التي خرجت منها وفي أماكن مختلفة من العالم، وإن هناك من ما زال يموّلها ويسلّحها سرّا لخدمة أهدافه .
المنظمات الإرهابية لايمكن التخلّص منها بسهولة لأنها تعتمد في تنظيمها على خلايا سريّة صغيرة تزرعها في المدن والقرى ليتعذرّ اكتشافها جميعا وتفكيكها، وتحصل على دعم من جهات محليّة أو أجنبية . لقد استمرّت ” القاعدة وطالبان ” وما زالتا تقومان بأعمال هجومية ضد القوات الأمريكية والحكومية في أفغانستان بعد مرور 35 عاما على تأسيس القاعدة ، وبعد 16 عاما على الهجوم الأمريكي الذي أسقط دولة طالبان .
الوطن العربي المثقل بجراحه ومصائبه يمرّ في أسوأ الظروف وشبابه يعانون من البطالة والفقر والإحباط والخوف من المستقبل، ويشكّلون أرضيّة خصبة لتزويد داعش وغيرها بمقاتلين جدد. ولهذا فإنه من المتوقّع أن تستمر داعش في استقطاب جهاديين عرب ومسلمين، وتوزّع مقاتليها الذين خرجوا من سورية والعراق في مناطق مختلفة من العالم، وقد تتحول إلى منظمة سرّية تعتمد على خلاياها الصغيرة، وتركّز على زعزعة استقرار دول عربية في الشرق العربي وشمال إفريقيا.
أضف إلى ذلك أن داعش قد تعيد تسمية نفسها وتغيّرأسلوبها الهمجي في التعامل مع المواطنين، وقد تنقلب على موجديها . أمريكا خلقت القاعدة ثم إنقلبت القاعدة عليها وأصبحت عدوّها اللدود، والسعودية حمتها وزوّدتها بالمال والرجال ثم انقلبت عليها، وباكستان أوجدت طالبان ثم انقلبت عليها، وإسرائيل ساهمت في خلق داعش وزوّدتها بالمال والسلاح وعناصر موسادية لخدمة أهدافها فهل ستنقلب عليها وتتحول من خادمها الأمين وصديقها الودود إلى عدوّها اللدود؟