أزراج عمر
منذ تعيينه في مستهل هذا الشهر على رأس وزارة الاتصال (الإعلام) من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أجرى وزير الاتصال الجديد الدكتور محمد لعقاب سلسلة من الاجتماعات مع مسؤولي مختلف وسائل الإعلام الوطنية المكتوبة والمسموعة والمرئية والإلكترونية، وآخرها كان اجتماع يوم الأحد الماضي مع مسؤولي الصحف الوطنية المكتوبة، وذلك من أجل فتح ملف الإعلام الوطني الجزائري لإيجاد الحلول للمشكلات التي يعانيها.
قبل الخوض في القضايا التي وعد الوزير بأن يعمل من أجل بلورتها من خلال إعداد التصورات والآليات الكفيلة بحل المشكلات الكبرى التي ما فتئت تعانيها مؤسسات قطاع الإعلام الجزائري وإطارات هذه المؤسسات المختلفة، سواء التابعة منها للقطاع العام أو تلك التي يدير شؤونها القطاع الخاص بتمويل من الدولة، تنبغي الإشارة بسرعة إلى أن الوزير لعقاب يعتبر مهنياً من أهل المشهد الإعلامي الجزائري، إذ كان إعلامياً ميدانياً في عدد من الصحف الجزائرية وأستاذاً للإعلام في الجامعة الجزائرية لسنوات عدة، الأمر الذي يفترض أنه على دراية بتفاصيل الأوضاع المهنية السلبية التي تجمد لإعلام الجزائري وبالعقبات التي يتفق الجميع على أنها تلعب دوراً أساسياً في إجهاض المحاولات التي تبذل متقطعةً من أجل الخروج بالإعلام الجزائري إلى آفاق جديدة تضمن تطوره مهنياً، وربطه بالتنمية الوطنية، وتفتحه على العالم الخارجي على نحو فاعل ومؤثر، وذلك ضمن إطار مناخ إعلامي جزائري عصري تسوده حرية التعبير ويتجاوز القوالب التقليدية المتآكلة. والجدير بالذكر أيضاً أن الوزير لعقاب قد شغل منصب مستشار في رئاسة الجمهورية، كما عيّن عضواً في مجلس الأمة (سيناتور)، كما صدرت له كتب ذات صلة بحقلي الإعلام والسياسة منها: “الحصاد المدمر للربيع العربي: هل تصمد الجزائر في وجه التحديات؟” و”الإعلام الإسلامي المعاصر في الجزائر”.
على أساس هذه الخلفية يمكننا قراءة رؤوس أقلام القضايا التي دار حولها النقاش في الاجتماعات التي أشرف عليها الوزير محمد لعقاب، بمشاركة المسؤولين عن مؤسسات قطاع الإعلام الجزائري، على أساس أنها تدخل في إطار مشروع يرمي إلى إنجاز “التحول الرقمي للجرائد والصحف”، و”استكمال القوانين المنظمة للقطاع”، فضلاً عن “تنصيب المؤسسات المؤطرة له” مثل سلطة ضبط الصحافة المكتوبة، ومجلس أخلاقيات المهنة.
وفي الحقيقة، فإن معالجة مثل هذه المسائل أمر ضروري، ومن دون ذلك سوف يبقى الإعلام الجزائري يدور في حلقة مفرغة، ولكن هناك أيضاً مشكلات كبرى أخرى ينبغي إيجاد حلول عاجلة وناجعة لها، وفي مقدمتها المشكلات المترتبة على التركة الثقيلة الموروثة عن وزراء الإعلام الجزائريين السابقين، سواء تعلقت تلك التركة بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المؤلمة التي ما فتئت تكسر ظهر الإعلامي الجزائري، أم تعلقت بذهنية الانغلاق المحلي إعلامياً، حيث تمثل مجتمعة حجر عثرة تحول دائماً دون ابتكار استراتيجية إعلامية جزائرية متطورة ومقنعة وطنياً ومؤثرة إقليمياً وقادرة على التأثير الإيجابي دولياً. إعلامي إلى أشخاص غير مؤهلين. وفي هذا الخصوص، يدرك من يفحص قائمة الوزراء الذين أسندت إليهم وزارة الإعلام في الحكومات الجزائرية المتعاقبة منذ 60 سنة من الاستقلال، أن عددهم كان أكثر من 35 وزيراً، أي بمعدل تعيين وزير واحد كل عامين أو أقل من ذلك.
بسبب هذا، وغيره من السلبيات التي سنذكر بعضها لاحقاً، لم يشهد قطاع الإعلام الجزائري استقرار المسؤولين عن إدارة شؤونه أولاً، كما أن أن أغلب الوزراء الجزائريين الذين تعاقبوا على حقيبة الإعلام لم يكونوا إعلاميين مهنيين لهم تأثير في محيطهم الاجتماعي والثقافي والسياسي، بل كانوا مجرد إداريين حيناً، أو وزراء أتوا من مهن ليست لها علاقة عضوية بالإعلام حيناً آخر، أو مناضلين قياديين في الحزب الواحد الحاكم ليست لهم خبرة إعلامية طوراً آخر. وجراء هذا لم ينجز هؤلاء أي مشروع إعلامي فريد من نوعه يمكن أن يضع الجزائر في أعلى هرم المشهد الإعلامي الإقليمي أو الدولي ذي التأثير والاستقطاب.
رغم هذا الإرث السلبي، هناك بعض الحالات الاستثنائية القليلة جداً في مجال الصحف والمجلات الأسبوعية، مثل تجارب أسبوعية “جزائر الأحداث” بالفرنسية، جريدة “الشعب” ومجلة “المجاهد” الأسبوعية بالعربية، و”المجاهد” اليومية بالفرنسية، مثلاً، التي كانت أفضل مهنياً وأداءً ثقافياً واجتماعياً على الأقل من جميع الصحف الجزائرية الراهنة التي تتغذى من الإثارة وتكرّس التسطيح في الأداء الثقافي والتحليل السياسي وتغيّب الوعي النقدي. ولكن ينبغي الانتباه إلى أن هذه الاستثناءات القليلة لم تخلق حينذاك النموذج الإعلامي السمعي والبصري والمكتوب التكاملي الذي يجعل الجزائر دولة إعلامية متطورة وذات تأثير إقليمي ودولي يمكن مقارنتها في ذلك الوقت، مثلاً، بصحف ومجلات لبنان أو مصر على مستوى العالم العربي، أو بصحف ومجلات فرنسا وبريطانيا في أوروبا وهلم جرّا.
أما إذا ألقينا الأضواء على وضع الإعلام الجزائري في السنوات القليلة الماضية، فنجده يتميز بإسناد وزارة الاتصال إلى أشخاص ليس لهم استراتيجية إعلامية، ونذكر منهم مثلاً الوزراء حميد قرين وخليدة تومي المدرّسة والناشطة السياسية والحزبية، وعمار بلحيمر الصحافي والأكاديمي المغمور، ومحمد بوسليماني الذي كان محض إداري مجهول في مشهد الحياة الإعلامية الوطنية.في هذا السياق، يرى خبراء لهم اطلاع على الإعلام الجزائري أن الإقلاع الإعلامي الجديد المنشود يفترض جدلاً تشكيل وزارة الإعلام الجزائرية فريقاً وطنياً عماده شخصيات مشبعة بالتجارب الإعلامية المتطورة، تكون “الخلية الوطنية المفكرة” التي تُعهد إليها مهمة إعداد الاستراتيجية الإعلامية الأكثر تطوراً والمشرفة على تنفيذها ميدانياً. وينبغي أن يتزامن تأسيس هذه الخلية المفكرة انطلاق عمليات تقييم وتقويم الأسباب المكرسة للسلبيات التي جعلت منابر الإعلام الجزائري المسموع والمرئي والمكتوب والإلكتروني هياكل مجمدة في قوالب التقليدية مهنياً وفنياً، ومستغرقة في النكوص محلياً، الأمر الذي جعلها بعيدة من لعب أي دور في المشاركة في ابتكار الصيغ التي بمقتضاها يتم بناء الشخصية الحداثية القاعدية للمواطنين، وبخاصة لدى شرائح الشباب في الجزائر العميقة، شرط أن ينجز كل ذلك في ضوء، ومن خلال، إنشاء شبكة منابر إعلامية متنوعة داخل الوطن تتمتع بحرية التعبير، وأخرى دولية حقيقية تكون مؤهلة لإقامة الحوار الثقافي والسياسي والفكري مغاربياً وعربياً وأوروبياً وفي العمق الأفريقي بالدرجة الأولى.
المصدر: النهار العربي