سيكون مايوركاس هو ثاني وزير في تاريخ الولايات المتحدة الذي يواجه هذا الاحتمال
طارق الشامي صحافي متخصص في الشؤون الأميركية والعربية
يتهم الجمهوريون وزير الأمن الداخلي أليخاندرو مايوركاس بأنه يتعمد إدخال ملايين المهاجرين غير الشرعيين عبر الحدود (أ ف ب)
بعد جهود أولية منيت بالفشل قبل أسبوع من المتوقع أن ينجح الجمهوريون في مجلس النواب اليوم الثلاثاء في إقرار بنود مساءلة العزل لوزير الأمن الداخلي أليخاندرو مايوركاس بسبب ما يصفونه بـ”فشله وتعمده إدخال ملايين المهاجرين غير الشرعيين عبر الحدود”. وإذا حقق الجمهوريون هدفهم، سيكون مايوركاس هو ثاني وزير في التاريخ الأميركي الذي يتم مساءلة عزله في مجلس النواب، على رغم أن مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الديمقراطيون سيمنحونه البراءة في النهاية، فما السبب وراء هذا الصراع؟ وهل يكون بداية لإجراءات مماثلة ضد وزراء آخرين في المستقبل؟ وما الذي يجنيه الجمهوريون من عزل وزير يمكن أن يعين بايدن بديلاً مماثلاً له؟
محاولة جديدة
على رغم نجاة وزير الأمن الداخلي الأميركي المسؤول عن ملف الهجرة وضبط الحدود أليخاندرو مايوركاس من محاولة عزله في مجلس النواب الأسبوع الماضي بفارق ضئيل للغاية، بعد أن أدى انشقاق ثلاثة جمهوريين إلى وصول التصويت إلى طريق مسدود، فإن القيادات الجمهورية في المجلس أصبحت واثقة الآن من أن جهودها ستكلل بالنجاح، بعدما تراجع النائب الجمهوري بليك مور عن تصويته الرافض، والتأكد من أن زعيم الغالبية الجمهورية ستيف سكاليس الذي يبدو أنه شفي من السرطان، سينضم للتصويت ليكون صوته مرجحاً للفوز وإقرار مواد عزل مايوركاس.
ويعود السبب الرئيس في فشل المحاولة الأولى إلى رفض النائبين الجمهوريين مايك غالاغر وتوم مكلينتوك الموافقة على بنود الاتهام، التي ربما تفضي إلى العزل على اعتبار أن عزل أي مسؤول فيدرالي، بما في ذلك الرئيس والوزير، يجب أن يقتصر على الجرائم الكبرى والجنح كما نص الدستور الأميركي، وليس تنفيذ سياسة لا تروق لأعضاء الكونغرس، وبررا ذلك بأنه لا ينبغي على الجمهوريين محاكاة ما فعله الديمقراطيون من الرئيس السابق دونالد ترمب عبر عملية متسرعة وحزبية للغاية خفضت مستوى ما يشكل جريمة تستوجب العزل، وحذرا من أن اتباع هذا المعيار سيشكل سابقة جديدة خطرة استخدمت كسلاح ضد الإدارات الجمهورية المستقبلية أيضاً.
هل يستحق العزل؟
غير أن غالبية الجمهوريين اعتبروا أن النائبين الجمهوريين الرافضين عزل مايوركاس مخطئان في أن وزير الأمن الداخلي ليس متهماً بعدم الكفاءة أو سوء الإدارة، كما أن تصرفاته ليست مجرد نزاعات سياسية أو مسائل تتعلق بتقدير التنفيذ، حيث تحدد بنود الاتهام في المساءلة مخالفات واسعة النطاق ومتعمدة للقانون وانتهاكات للثقة العامة تصف مايوركاس بأنه تجاوز حدود سلطته التقديرية في التنفيذ، وأنه من واجب مجلس النواب الرد بمقتضى الدستور.
واعتبر كبير الباحثين في مؤسسة “هيرتاج” ستيفن برادبري أن “هذا النوع من سوء السلوك وإساءة استخدام السلطة هو على وجه التحديد ما تصوره الآباء المؤسسون الذين صاغوا الدستور على أنه جرائم تستوجب العزل، وأنه لا توجد مقارنة مع تهم المساءلة المسيسة التي وجهت ضد الرئيس السابق دونالد ترمب خلال حكمه، كما أن عزل مايوركاس، على رغم كونه إجراءً استثنائياً، لن يشكل سابقة تهدد الوزراء المستقبليين لأن أفعاله غير القانونية ضارة للغاية بأمن البلاد وسيادة القانون”.
ويعتقد برادبري أن “الرئيس بايدن لا يستطيع المضي قدماً في أجندته المتعلقة بالهجرة من دون أن يكون وزير الأمن الداخلي على استعداد لإساءة استخدام صلاحيات وزارته وانتهاك القوانين التي أقسم على احترامها، من ثم ليس عذراً أن مايوركاس ينفذ أجندة الرئيس”.
مسرح سياسي
غير أن ثلاثة وزراء سابقين للأمن الداخلي بعضهم جمهوريون وهم مايكل تشيرتوف، وجانيت نابوليتانو، وجيه جونسون، اعتبروا أن تركيز الجمهوريين في مجلس النواب على المساءلة بدلاً من تمرير القوانين لتحسين أزمة الحدود، هو نوع من المسرح السياسي الذي يستهدف تسليط الضوء على أزمة الهجرة وتحميل الديمقراطيين والرئيس بايدن المسؤولية، بينما لن يحل عزل الوزير مايوركاس شيئاً ويترك نظام الهجرة الذي عفا عليه الزمن، معطوباً كما هو الآن.
اقرأ المزيد
- وزير الهجرة الأميركي ينجو من محاولة جمهورية لعزله
- مئات الأميركيين يحتجون على حدود المكسيك بسبب الهجرة
وركز الوزراء السابقون على أن الخلافات السياسية ليست جرائم تستوجب العزل، بينما يمنح الدستور الكونغرس سلطة عزل المسؤولين الفيدراليين بتهمة الخيانة والرشوة والجرائم الكبرى والجنح الأخرى، وهو سقف مرتفع للغاية لم يطبق سوى مرة واحدة فقط طوال تاريخ الجمهورية الأميركية.
سابقة مختلفة
كان عضو مجلس الوزراء الرئاسي الوحيد على الإطلاق الذي تم توجيه اتهامات المساءلة له تمهيداً لعزله، هو وزير الحرب ويليام دبليو بيلكناب، الذي قدم استقالته إلى الرئيس يوليسيس غرانت عام 1876 قبل انعقاد محاكمة مجلس الشيوخ. وكانت جرائم بيلكناب مبنية على “الجشع وتلقيه رشى حكومية ضخمة لتحقيق مكاسب خاصة”، كما اتهم بممارسة “الفجور بصورة غير لائقة لمنصبه الرفيع”.
وربما لهذا السبب لا يسعى الجمهوريون إلى إلزام مايوركاس بمعيار “الجرائم الكبرى والجنح” المنصوص عليها في الدستور فيما يتعلق بالمساءلة، ويقدمون بدلاً من ذلك حجة غير مدعومة بأنه أهمل في أداء واجبه.
ويشير خبراء قانونيون إلى أنه خلال المؤتمر الدستوري، اقترح جورج ماسون إدراج “سوء الإدارة” كجريمة تستوجب العزل، لكن زميله جيمس ماديسون قال إن ذلك غامض للغاية وانتصر بكلمات أكثر دقة وهي “الخيانة أو الرشوة أو الجرائم الكبرى والجنح”، وعلى هذا الأساس فإن القيام بعمل سيئ في المنصب أو مجرد اتهامك بذلك من قبل حزب معارض، لم يكن المقصود منه أن يكون سبباً للعزل.
جزء من كل
لكن الخلافات المتجذرة حول قضية الهجرة بين الجمهوريين والديمقراطيين، والتي استمرت لأعوام عبر إدارات مختلفة من الحزبين، كادت تصل إلى اتفاق بعد صياغة مشروع قانون من الحزبين في مجلس الشيوخ، لكن الخلاف انفجر من جديد بعد أن عبر الرئيس السابق ترمب عن رفضه مشروع القانون الذي اعتبر أنه لا يشدد الإجراءات بصورة كافٍ، ولا يبقي على المهاجرين خارج الحدود خلال فحص طلبات اللجوء التي يتقدمون بها، ومن ثم سار على نهجه غالبية أعضاء الكونغرس في الحزب الجمهوري، بمن فيهم من كانوا داعمين لمشروع القانون الأولي بين الحزبين.
ولهذا السبب يتهم بعض قيادات الديمقراطيين في الكونغرس الرئيس السابق ترمب، بالإبقاء على ملف الهجرة مفتوحاً حتى يسجل نقاطاً في مرمى إدارة الرئيس بايدن، وتحميلها مسؤولية الفشل في وقف الأعداد الهائلة التي دخلت عبر الحدود مع المكسيك، وفي الوقت نفسه السعي إلى عزل الوزير مايوركاس باعتباره ممثلاً ومنفذاً لسياسة الهجرة التي تتبعها إدارة بايدن، والتي أصبحت على رأس سلم أولويات الناخبين الأميركيين، بعد أن وصلت أعداد المهاجرين غير الشرعيين عبر المكسيك إلى ما يزيد على ربع مليون شخص في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي وحده. وفي عام 2022 أفادت قوات حرس الحدود أن 2.2 مليون شخص عبروا الحدود بصورة غير قانونية، وأدى تدفق المهاجرين إلى إرباك الأمن.
نظرة مختلفة
غير أن مجلة “تايم” قدمت رؤية مختلفة للصراع في مقال كتبه المدير السابق لرابطة مكافحة التشهير اليهودية أبرهام فوكسمان، إذ أشار إلى أن الجدل حول الهجرة كان دائماً مليئاً بالخطابات العنصرية ومعاداة السامية ونظريات المؤامرة، وأن هذه الأفكار تحتل مركز الصدارة في حملة عزل مايوركاس، لأن “أنصار العزل في الكونغرس يتهمون وزير الأمن الداخلي بالدعوة عمداً إلى غزو المهاجرين”.
ويرى فوكسمان أن ذلك مستمد مباشرة من نظرية ما يسمى “الاستبدال العظيم”، التي تفسر التغيير الديموغرافي باعتباره مؤامرة ضد البيض، وأنه غالباً ما يحرض عليها اليهود لتقويض الهيمنة البيضاء والاستيلاء على السلطة، مشيراً إلى أن القادة الجمهوريين اتهموا الوزير مايوركاس بأنه يشجع عمداً على مزيد من الهجرة، بينما تعد النية السيئة سمة أساسية من سمات نظرية الاستبدال والفكرة التآمرية التي تتلخص في إغراء المهاجرين بالقدوم إلى الولايات المتحدة للسيطرة على الثقافة والسياسة الأميركية وإعادة تشكيلهما.
وباعتبار أن مايوركاس يهودي الديانة وأول لاتيني أو لاجئ يتولى منصب وزير الأمن الداخلي في الولايات المتحدة، تتصاعد المخاوف من أن الدافع وراء عزل مايوركاس، يتعلق بالسياسة بالنسبة لكثر، وأنه “حان الوقت لوقف هذه المسرحية الخطرة لأنه، حتى لو نجح قرار المساءلة هذه المرة، فمن المحتمل أن تتم تبرئة مايوركاس من قبل مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الديمقراطيون”.