نايف معلا
يبدو أن رئيس وزراء ووزير خارجية قطر السابق حمد بن جاسم، بظهوره المتكرر في مختلف وسائل الإعلام وبما ينشره في مواقع التواصل الاجتماعي، ما يزال يراهن على وجود من يصدق الدعاية القطرية، على رغم انكشاف أمرها للبعيد قبل القريب! الأزمة القطرية مفتعلة، قطر محاصرة، تفرض عليها تدابير قسرية انفرادية، احترام قطر لحقوق الإنسان مقابل انتهاك الدول الأربع لتلك الحقوق (السعودية، ومصر، والإمارات، والبحرين)، قطر لم تتأثر، وغير ذلك من محاور تلك الدعاية.
لا أخفيكم أنني أحاول فهم سلوك هذا الرجل، فهو يتحدث عن الأزمة القطرية وكأنه خارجها أو لا ناقة له فيها ولا جمل، وينصح وكأنه محايد حكيم دفعته حكمته وحميّته الإسلامية أو القومية إلى السعي لتقريب وجهات النظر ورأب الصدع؛ سعياً للصلح بين أطراف الخصومة، في الوقت الذي لا يخفى على أحدٍ أنه من أسبابها وألد الخصام فيها!
ظهر حمد بن جاسم قبل أيام على قناة روسيا اليوم، في لقاءٍ بدا موجهاً أو مفتعلاً بالنظر إلى محاور وأسئلة المذيع التي أشبه ما تكون بتمريراتٍ على خط «الستّة» في ملعب كرة قدم، وعلى رغم ذلك وقع ضيف هذا اللقاء أكثر من مرة ومن دون أن يشعر – أو ربما وهو يشعر – في شرك ما وراء السطور أو التفسيرات! ومن ذلك قوله إن هناك أطرافاً يهمها استمرار الأزمة بسبب المبالغ الطائلة التي تصرف على شركات العلاقة عامة، وإقامة الندوات، ومكاتب محاماة وغيره! فلندع تلك الأطراف جانباً، ونسأل من الذي يدفع هذه المبالغ الطائلة؟ أليست قطر هي من استعانت بشركات العلاقات العامة، وأقامت الندوات والمحاضرات، وقدمت الشكاوى لدى الهيئات والمنظمات الدولية بما فيها محكمة العدل الدولية مستعينةً بمكاتب المحاماة العالمية، وخبراء حقوق الإنسان (خبراء الشنطة)؟! إذن، أوقف دفع الأموال الطائلة فيما لا طائل منه، حتى يسقط ذلك السبب الذي تزعمه!
ما يزال حمد بن جاسم يردد الحجة الواهنة التي تقول إن الأزمة القطرية مفتعلة، مستحضراً قصة اختراق وكالة الأنباء القطرية، وكأن قطر لم تتم إدانتها بدعم الجماعات والأحزاب الإرهابية التي تهدد أمن واستقرار المنطقة، ولم تأوي رموزها، ولم تتآمر ضد دول الخليج وحكامها. حسناً، لنفترض أن هذا كله غير صحيح! فما الذي فعلته قطر بعد المقاطعة؟ ألم تطالب بتدويل الحج مرددة ما تطالب به إيران، ألم تسعى سعياً حثيثاً لتأليب المنتظمات الدولية والمجتمع الدولي على السعودية والإمارات والبحرين ومصر؟! المشكلة أنه ذكر خلال اللقاء أن قطر لا تريد الاستقواء بطرف خارجي، ويعلم البعيد قبل القريب أن النظام القطري لم يترك طرفاً يمكن الاستقواء به إلا ولجأ إليه!
يقول أيضاً إن قطر خرجت من هذه الأزمة قوية، وهذه محاولة للإيهام بخلاف الواقع! وقد يكون محقاً عندما ذكر أن قطر استثمرت في مواطنها، فعلاً فالمقاطعة جعلت الحكومة القطرية التي كانت تصب أموالاً طائلة لتنفيذ أجندات سياسية وأيديولوجية عابرة للحدود، تلتفت إلى مواطنيها ببعض تلك الأموال! فينبغي على الشعب القطري أن يشكروا دول المقاطعة لا النظام القطري إن كان ذلك قد حدث بالفعل!
وعندما تحدث عن سورية وليبيا، أشار إلى أن قطر كانت ضمن تحالفات وأن هناك غرف عمليات وشركاء اختلفوا فيما بعد، وهذا اعتراف صريح من حمد بن جاسم بما وجه لقطر من اتهامات في ملفي ليبيا وسورية، وقد انصرف إلى إقحام غير قطر في دائرة الاتهام ولم يسعى لتبرئتها! وهو ما يذكّر بتصريح وزير خارجية قطر الذي قال: «نحن في قائمة داعمي الإرهاب ولكننا أسفل القائمة»!
ويقول حمد بن جاسم إنه يجب أن تكون هناك علاقات واضحة مع إسرائيل وسلام معها، ولكن هذا السلام يجب أن يكون له نتائج، ونتائجه إعادة الحق لفلسطين! فبالله عليكم في أي سياقٍ يمكن أن يقبل هذا الكلام غير سياق التطبيع غير المشروط مع إسرائيل أو سياق التخبط السياسي والمتاجرة بهذه القضية! فإعادة الحق للفلسطينيين لن يكون نتيجة للسلام مع إسرائيل، بل على العكس، سيكون السلام مع إسرائيل نتيجة لإعادة الحق للفلسطينيين، وهذا ما جاءت به المبادرة العربية للسلام التي أطلقتها السعودية في 2002.